بدأت شركات التأمين التفتيش عن فرص نموها داخل ما يسمي بـ أسواق الكربون ، في خطوة تستهدف تعزيز الاتجاه العالمي الي خفض الانبعاثات الحرارية ، ما يسهم في الاسراع من وتيرة الاقتصاد الاخضر او التنمية المستدامة.
يمكن لشركات التأمين أن تستثمر في مشاريع إزالة الكربون طويلة الأجل كمستثمرين مؤسسيين وذلك مع موازنة التزاماتها على المدى الطويل وتحقيق أهدافها الخاصة بخفض الكربون إلى الصفر.
و ذكر أحد التقارير – وفقا لنشرة الاتحاد المصري للتأمين- أنه بحلول عام 2030 يمكن أن تصل قيمة أسواق الكربون الطوعية إلى 50 مليون دولار من الإيرادات السنوية، ويمكن أن يوفر السوق وحده فرصة بقيمة 3.5 مليار دولار لصناعة التأمين والذي بدوره تساعد في تخفيف مشاكل الثقة حول صرف التعويضات.
مفهوم أسواق الكربون
ظهر مفهوم أسواق الكربون الدولية لأول مرة بموجب بروتوكول كيوتو في عام 1997. حيث وقع على هذا البروتوكول في البداية 180 دولة، ثم بدأ تنفيذه في عام 2005، حيث حدد أهدافًا ملزمة قانونًا لـ 37 دولة صناعية للحد أو التقليل من إجمالي الغازات الدفيئة ، وفقا لنشرة الاتحاد المصري للتأمين.
و فرض بروتوكول كيوتو على البلدان الصناعية في بنود واضحة وصريحة تحمل المسؤولية عن حالة المناخ نتيجة للانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري. كما قدم البروتوكول أهدافاً طوعية أو إعفاءات تامة للبلدان النامية.
وقدم البروتوكول ثلاث آليات لمساعدة البلدان في إيجاد السبل لتحقيق أهدافها.
وتهدف هذه الآليات إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص والدول النامية المعفاة من أهداف كيوتو الملزمة في جهود خفض الانبعاثات.والتي تتمثل في الآتي:
آلية التنمية النظيفة CDM” The Clean Development Mechanism “
التنفيذ المشترك JI” Joint Implementation “
آلية التجارة الدولية للانبعاثات IET” The International Emissions Trading mechanism “
ويمثل بروتوكول كيوتو لعام 1997 واتفاقية باريس لعام 2015 بمثابة اتفاقات دولية لتحديد الأهداف الدولية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
و أدى إنشاء هذه الآليات القائمة على السوق إلى تقديم وتأسيس ما أصبح يعرف في نهاية المطاف بأسواق الكربون الدولية وتداول أرصدة وتعويضات الكربون.
أرصدة الكربون وتعويضات الكربون Carbon Credit and Carbon Offset
يستخدم مصطلح “رصيد الكربون” بالتبادل للإشارة إلى كل من أرصدة الكربون وتعويضات الكربون. في حين أن أرصدة الكربون وتعويضات الكربون تشيران إلى أداة قابلة للتحويل تمثل كمية معينة من انبعاثات غازات الدفيئة (تمثل طن واحد).ووفقاً لصندوق الدفاع عن البيئة في الولايات المتحدة، فإن الطن يعادل قطع مسافة 2400 ميل بالسيارة من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويجدر الإشارة إلى أن أرصدة الكربون تختلف عن تعويضات الكربون. حيث تمثل أرصدة الكربون الحق في إطلاق كمية معينة من انبعاثات الغازات الدفيئة، بينما تمثل تعويضات الكربون تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو الغازات الدفيئة الأخرى من أجل التعويض عن الانبعاثات الناتجة في مكان آخر.
أ. أرصدة الكربون
رصيد الكربون هو تصريح قابل للتداول، يشبه إلى حد كبير قسيمة الإذن، ويمثل حق الجهة في إطلاق طن واحد من ثاني أكسيد الكربون أو الغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي.
حيث يتم إنشاء وإصدار أرصدة الكربون من قبل هيئة تنظيمية مسؤولة عن التنفيذ والإشراف على سوق الالتزام.
بموجب سوق الالتزام، فإن بعض الجهات التي ينتج عن أنشطتها إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو الغازات الدفيئة الأخرى تكون ملزمة قانونًا بالمشاركة والوفاء بتعويضات الانبعاثات في السوق.
حيث يتم منح هذه الجهات أرصدة الكربون التي تسمح لها بمواصلة انشطتها مع الحفاظ على انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى حد معين، والذي يتم تخفيضه عادة بشكل دوري. إذا حافظت إحدى الجهات على انبعاثات الغازات الدفيئة لديها أقل من الحد المقرر لها، فقد لا تحتاج إلى جميع أرصدة الكربون التي تم إصدارها لها. وفي هذه الحالة، يجوز للجهة بيع أي أرصدة فائضة إلى جهة آخرى تحتاج إليها. ويتم تداول أرصدة الكربون بشكل عام في أسواق الالتزام.
ويعد الهدف الأساسي هو تحفيز الشركات الخاصة بشكل أكبر للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. فأولاً، يتعين عليهم أن ينفقوا الأموال على أرصدة إضافية إذا تجاوزت انبعاثاتهم الحد الأقصى المحدد. وثانياً، يمكنها أن تجني المال عن طريق خفض انبعاثاتها وبيع فائضها.
ب. تعويضات الكربون
تسمح هذه التعويضات لدولة أو شركة ما بتعويض بعض انبعاثاتها من خلال دفع تكاليف الإجراءات الهادفة إلى خفض الانبعاثات في أماكن أخرى. قد تشمل هذه الإجراءات تركيب ألواح الطاقة الشمسية في المناطق الريفية أو تحويل أسطول من السيارات التي تعمل بالبنزين إلى سيارات كهربائية. وعلى عكس أرصدة الكربون، فإن تعويضات الكربون تقيس كمية الكربون التي تم تجنبها أو إزالتها من الغلاف الجوي. ويمكن تحقيق ذلك إما عن طريق:
- المشاريع التي تتجنب أو تعمل على تقليل انبعاث الغازات الدفيئة مثل مشاريع الطاقة المتجددة أو احتجاز غاز الميثان.
- مشاريع الإزالة أو العزل مثل إعادة التشجير أو احتجاز الكربون المباشر أو المشاريع المماثلة.
لمزيد من المعلومات عن البصمة الكربونية يمكن قراءة عدد 282 من نشرة الاتحاد “قياس البصمة الكربونية – نظرة تأمينية”.
أسواق الكربون
يسمح سوق الكربون للمستثمرين والشركات بتداول أرصدة الكربون وتعويضات الكربون في وقت واحد. مما يخفف من الأزمة البيئية، ويخلق أيضاً فرصاً جديدة في السوق.
حيث أن التحديات الجديدة تفتح دائما المجال لخلق أسواقاً جديدة، فأزمة المناخ المستمرة وارتفاع الانبعاثات العالمية ليست استثناء، لذلك الاهتمام بأسواق الكربون يعد أمر جديد نسبياً.
لذلك تلعب أسواق الكربون الدولية دوراً رئيسياً في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بطريقة فعالة من حيث التكلفة.
ويتزايد عدد أنظمة تداول الانبعاثات حول العالم. وإلى جانب نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات (EU ETS)، فإن الأنظمة الوطنية تعمل بالفعل أو قيد التطوير في البلاد الاتية: كندا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسويسرا والولايات المتحدة.
وتتكون أسواق الكربون من نوعين مختلفين:
- أسواق الالتزام (أو الامتثال)
- الأسواق الطوعية
أ. أسواق الالتزام
تسمح أسواق الالتزام للمشاركين بشراء وبيع أرصدة الكربون أو تعويضات الكربون من أجل الالتزام بقواعد أو لوائح معينة تتعلق بانبعاثاتها.
وفي هذا النوع من الاسواق، تضع الحكومات أو المؤسسات المتعددة الأطراف متطلبات تجبر جهات معينة (جهات خاصة أو حكومات) على المشاركة في الالتزام بقيود السوق. ويكون عادةً هناك حد للكمية المسموح بها من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تنتج عن أنشطة المشاركون في السوق، مما يتطلب من الجهات التي تتجاوز الحدود المفروضة شراء أرصدة كربون إضافية من الجهات التي لديها بدلات فائضة.
ب. الأسواق الطوعية
تعمل الأسواق الطوعية خارج أسواق الالتزام ولكن بالتوازي معها، مما يسمح بتداول تعويضات الكربون التي لا يتم شراؤها أو بيعها في أسواق الالتزام لتلبية متطلبات انبعاثات غازات الدفيئة التي تفرضها الهيئات التنظيمية.
ولا يمكن استخدامها لتحقيق المساهمات المحددة وطنيًا أو غيرها من أهداف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بموجب نظام التزام معمول به مثل اتفاقية باريس. ومع ذلك، يمكن استخدامها لدعم الالتزامات البيئية للشركات أو الأفراد.
دور صناعة التأمين تجاه مخاطر أسواق الكربون الطوعية
يرتبط سوق الكربون الطوعي بمخاطر مالية متعددة، سواء بالنسبة للبائعين أو للمشترين. ولهذا السبب، يعد دور التأمين ذو أهمية كبيرة في أسواق الكربون الطوعية.
حيث تمثل ايضاَ احد المخاطر الأساسية في الكوارث الطبيعية والأحداث الجوية القاسية والتي من الممكن ان تؤثر على استكمال المشروع واستمرارية أرصدة الكربون أيضًا. على سبيل المثال: يمكن أن يتعرض مشروع التشجير والذي ينتج أرصدة الكربون الي حريق غابة مما قد يؤدي إلى فقدان وخسارة تلك الأرصدة.
وقد تتطلب التقنيات المتقدمة لمعالجة آثار تغير المناخ استثمارات كبيرة جدًا. فهناك عدد من التقنيات التي يجري تطويرها لإزالة الكربون، ولكن لا يزال هناك نقص في الاستثمار. خاصة في حالة استخدام بعض التقنيات المتقدمة، فإن تكاليف رأس المال الأولية مرتفعة نسبياً، وتحتاج هذه المشاريع بالضرورة تدخّل من صناعة التأمين وتوفير المطلوب للمستثمرين ومطوري المشاريع الذين يخاطرون برؤوس أموالهم من خلال تأمينها.
ومما سبق نجد ان دور صناعة التأمين اصبح لا غنى عنه في جميع خطوط الأعمال. فقد يلعب التأمين دوراً كبيراً فيما يلي:
- التخفيف من المخاطر المرتبطة بتداول أرصدة الكربون
- تطوير مشاريع تعويضات الكربون.
- العمل على زيادة الثقة في أسواق الكربون.
- المساعدة في توسيع نطاق أسواق الكربون الطوعية من خلال تغطية مخاطرها
- تمكين شركات التأمين من إجراء تقييم لأسعار مشاريع تعويضات الكريون وتقديم المشورة من جانب إدارة المخاطر للمؤمن له، مما يحد من مخاطر شركة التأمين.
وبالإضافة إلى ما سبق يمكن لشركات التأمين أن تستثمر في مشاريع إزالة الكربون طويلة الأجل كمستثمرين مؤسسيين وذلك مع موازنة التزاماتها على المدى الطويل وتحقيق أهدافها الخاصة بخفض الكربون إلى الصفر.
فقد ذكر أحد التقارير أنه بحلول عام 2030 يمكن أن تصل قيمة أسواق الكربون الطوعية إلى 50 مليون دولار من الإيرادات السنوية، ويمكن أن يوفر السوق وحده فرصة بقيمة 3.5 مليار دولار لصناعة التأمين والذي بدوره تساعد في تخفيف مشاكل الثقة حول صرف التعويضات.
ونظرًا للمخاطر المالية العالية المرتبطة بهذه المشاريع، يمكن لشركات التأمين بدورها إعادة التأمين على مخاطرها أيضًا. ولكن نجاح هذه المشاريع يمكن أن يحقق عوائد عالية جدًا لصناعة التأمين. ولن تستفيد شركات التأمين فقط، بل إن هذا من شأنه أن يشجع على تطوير المزيد من التكنولوجيات الخضراء، وبالتالي زيادة الطلب على منتجات التأمين.
جدير بالذكر، أن عمليات الشراء الآجلة في سوق إزالة الكربون أصبحت شائعة بشكل متزايد. حيث أعلنت إحدى الشركات الكندية التي تعمل في التجارة الالكترونية عن التزامها بشراء أرصدة إزالة الكربون من بعض الشركات الأخرى . مما يخلق خطر التخلف عن السداد المرتبط بهذه المشتريات المسبقة طويلة الأجل والتي يمكن أيضًا معالجتها من قبل صناعة التأمين.
ومن خلال تقييم المخاطر المرتبطة بأسواق تعويضات الكربون، يمكن لصناعة التأمين أن تساعد في تحسين معايير التسليم، وتوفير خدمات إدارة المخاطر، والشفافية.