يبدو ان تحقيق معدلات نمو بنسب كبيرة في أقساط التأمين المباشرة حاليًا بات أكثر إثارة للأسئلة الاستفهامية والاستفسارية ، لاسيما مع الضغوط الإقتصادية الناتجة عن المخاطر التي لم تعد خافية علي ذي بصيرة.
إعلان الإدارة التنفيذية لشركة رويال للتأمين عن مؤشر نمو إكتتاباتها في النصف الأول من العام المالي الحالي ، كان محور التساؤل عن كيف تولد النمو ؟ بمعني هل إكتسب شرعيته من إعادة تقييم الأصول بعد تحرير سعر الصرف، أم أنه من عمليات جديدة؟ وإذا كان الشطر الثاني هو الإجابة عن التساؤل ، فهل كان عنصر التسعير هو الأداة التي إستخدمتها الشركة للوصول إلي مبتغاها؟ وهل هناك رفاهية في الأساس لشركات التأمين للمارسات السعرية غير المنضبطة؟
الأسئلة السالفة وغيرها طُرحت علي رأس الإدارة التنفيذية للشركة ، أحمد حسن درويش ، العضو المنتدب لرويال للتأمين ، والذي يشغل في الوقت نفسه منصب عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للتأمين ، ما سمح بالولوج في تفاصيل مرتبطة بأتراح صناعة التأمين محليا وعالميا دون الإنكفاء علي التفاصيل الخاصة برويال كلاعب ضمن اللاعبين العاملين في سوق التأمين المصرية.
وإلي نص الحوار:-
خبري: دعني أبدأ بسؤال إستهلالي عن أبرز المؤشرات المالية للشركة في النصف الأول من العام المالي الحالي 2022 /2023 ؟
أحمد حسن درويش: رفعت شركة رويال للتأمين ، محفظة أقساطها المباشرة ، لتتجاوز 758.4 مليون جنيه في أول ستة أشهر من العام المالي الحالي 2022/2023 ، بزيادة تتجاوز 100 مليون جنيه ، مقارنة بالفترة المقابلة من العام المالي الماضي 2021/2022 ، بنسبة نمو تقترب من 13.2%.
وحققت الشركة في نصف عام ، ما يصل إلي 75.4% من المحقق في العام المالي السابق بأكمله ، والبالغ 1.06 مليار جنيه ، رغم الضغوط الإقتصادية العالمية التي أثرت علي إقتصادات الدول المختلفة.
من ناحية أخري سددت شركة رويال للتأمين تعويضات لعملائها بلغت 334.5 مليون جنيه في أول ستة أشهر من العام المالي الحالي 2022/2023 – خلال الفترة من أول يوليو حتي نهاية ديسمبر – .
ومن بين تلك المؤشرات ما يتعلق بمحفظة الاستثمارات ، والتي تجاوزت 1.2 مليار جنيه في نصف عام ، مقابل 1.1 مليار جنيه هي إجمالي الاستثمارات في العام المالي الماضي بالكامل ، ما يعني ان قيمة الزيادة تصل الي 100 مليون جنيه .
الوزن النسبي من العمليات الجديدة في معدلات نمو أقساط رويال للتأمين 90%
خبري: من أين تولدت الأقساط المباشرة او مولدات النمو التي لجأت إليها رويال في ظل حالة التضخم المرتبطة بالركود العالمي نتيجة الأخطار الجيوسياسية؟
درويش: يوجد جزء طبيعي او ما يسمي بالنمو الطبيعي Organic Growth وله اسبابه منها إعادة تقييم الاصول بعد تحرير سعر الصرف الفترة الأخيرة ، بالإضافة الي العمليات الجديدة.
الحريق والهندسي والحوادث الشخصية الأبرز تأثيرًا في الإكتتابات
خبري: ما الوزن النسبي للنمو الطبيعي او الناتج عن إعادة تقييم الأصول والنمو المرتبط بالعمليات الجديدة؟
درويش: الوزن النسبي للنمو المرتبط بإعادة تقييم الأصول لايزيد عن 10% ، مقابل 90% من معدلات النمو تولدت عن العمليات الجديدة أو جلب عملاء جدد ، خصوصًا في فروع مثل الحريق والهندسي والحوادث الشخصية بأنواعها.
خبري: البعض قد يحسب أن القفزات في معدلات نمو الإكتتابات المباشرة مرتبط بإستخدام الممارسة السعرية ؟
درويش: دعني أكون حسن النية لمن يحسب في عقله هذا ، وسأزيدك من حُسن الظن قصيدًة ، وأحسب أن دافعهم هو غيرتهم المحمودة علي شركة رويال للتأمين وحرص هؤلاء علي حاضرها ومستقبلها، ولكن دعني أطمئن أفئدتهم ، ففي الوقت الحالي لا توجد رفاهية للممارسات السعرية ، او الممارسات الغير منضبطة فنيًا.
خبري: ولما لاتوجد رفاهية ؟ البعض يري ان الوقت الحالي هو الأفضل في تلك الممارسات، إستهدافًا لنقطتين، الأولي الاستفادة من عوائد الاستثمار لاسيما مع وفرة المنتجات المصرفية الادخارية بالعوائد المُغرية ، والثاني محاولة لمواجهة الركود الذي يتأثر به التأمين نتيجة التضخم وبسبب رغبة البعض ترشيد الانفاق علي حساب بند التأمين؟
درويش: قد يكون هذا مبررًا له وجاهته ، لكن هل شركات التأمين يمكنها تحمل فاتورة تلك الممارسات منفردة؟ أظن أنه لايمكن لاي شركة تأمين تحملها ، وبالتالي ستلجأ إلي معيدي التأمين لتغطية جزءً من الأخطار سواء من خلال برامج الإعادة الإتفاقي أو الإختياري، وهنا معيدي التامين ليسوا في متسع لقبول أية أخطار معدومة العائد الفني، لانهم تحملوا ضريبة الركود العالمي وأخطاره ، ولا يمكنهم التساهل في قبول عمليات معروفة فنيا أنها بلا عائد.
السعر يقود التسويق والضرورة تُحتم التنبه لخطورته علي سلامة المراكز المالية
خبري: قد تكون لوجهة نظرك ما يبررها نظريًا ، ولها من الوجاهة التي لا يضحض منطقيتها ، لكن هل العميل يعي هذا؟ بمعني هل عملاء شركات التأمين سواء أشخاصًا إعتباريون أو طبيعيين يتفهمون أهمية التسعير العادل ؟ أم أنهم ينجرفون للأقل وليس للأفضل؟
درويش: هذا صحيح ، بعض وليس كل العملاء يلهثون وراء السعر وليس الخدمة ، ولا أنكر أن السعر لايزال يشكل عاملًا مؤثرُا في قرارات العملاء ، وأنه يقود عملية التسويق ، لكن علي شركات التأمين التنبه لخطورة ذلك ليس فقط لتأثيره علي هوامش الربحية الفنية وتآكلها ، ولكن لتأثيره علي المدي الطويل في سلامة وإستقرار المراكز المالية ، وأحسب أن شركات التامين تعي ذلك وتتنبه له فعليًا وإن كنت غير منوط بالحديث نيابة عنها.
نراهن علي تعظيم الأرباح الفنية من خلال تجويد الخدمة وإبتكار التغطيات الملائمة
خبري: ألا يُشكل ذلك تحديًا ؟ بمعني ، أنك تقول أن التسعير يقود التسويق أو يُشكل وزنا معتبرًا منه ، وفي المقابل شركات الإعادة تعاني ضغوطًا بسبب الأخطار الجيوسياسية والتي رفعت من معدل التضخم عالميًا ، لاسيما وأن أوربا علي سبيل المثال لم تشهد من قبل معدلات كبيرة للتضخم تصل الي 8 و9% كما في الوقت الحالي؟
درويش: دعني أعرج علي شركة رويال للتأمين بصورة خاصة بصفتي القائم علي إدارتها التنفيذية ، توجهاتنا العام المالي الحالي منذ بدايته إختلف كليًا عن ذي قبل ، بمعني أننا تجاوزنا مرحلة اللهث وراء الأقساط رغبة في تحقيق حصة سوقية نثبت بها أننا قادرون علي المنافسة، وهذا تحقق بالفعل ، ومنذ بداية العام المالي الحالي إنتقلنا للمربع الأخر وهو ليس فقط اللهاث بل النهم لتحقيق أكبر معدل من الربحية الفنية ، حتي وإن كان علي حساب الحصة السوقية لسببين.
أما عن السبب الأول وكما اسلفت أننا أثبتنا تواجدنا بالفعل في السوق كرقم فاعل ومؤثر فيه ، وأما السبب الثاني فله علاقة بالرغبة في تعظيم العائد الفني الذي يعد المؤشر الحقيقي لقياس كفاءة شركة التأمين.
خبري: هل الإصرار الذي ألحظه في كلامك عن عدم التنازل عن الربحية الفنية له علاقة بضغوط من معيدي التأمين؟ بمعني أن التنازل عن مؤشر التسعير العادل قد يضطر رويال إلي إعادة تغطياتها لدي شركات ليس علي درجة متقدمة من التصنيف؟
درويش: ليس كذلك ، بل لاسباب عديدة أسلفت بعضها ، وأما غيرها فله علاقة بالزيادات الضخمة في قطع غيار السيارات ، بالإضافة الي إرتفاع تكلفة الخدمة في التأمين الطبي ، ما يعني أن التنازل في مؤشر تسعير في هذين الفرعين كمثال قد يؤدي إلي نتائج وخيمة ، ومن ثم فلن ننساق وراء ممارسات للتباهي بحصيلة الأقساط دون جدوي فنية ، وبالتالي فلا مجال إلا بيع الخدمة بالسعر العادل.
خبري: السعر العادل بالنسبة لشركة رويال للتأمين أم بالنسبة لمؤشر التسعير في السوق؟
درويش: السعر العادل للعميل او الزبون كما يتم وصفه ، بمعني السعر الذي يتناسب مع جودة الخدمة ، ولن أخفيك سرًا أن عملاء ليس بقليلين أصبحوا فطنين لأهمية الخدمة ومدي ملائمتها للسعر ، هذه نقطة ، أما عن ثانيها ، فمرتبط بظروف كل عميل، بمعني أن مؤشر التسعير قد يختلف بين عميل وأخر يمارسان نفس النشاط ، ولكن يختلفان في معدل الخسائر ، وكفاءة تحصيل الأقساط ، وغيرها من العوامل التي بناءً عليها يتم وضع السعر العادل، ففي النهاية المسألة ليست خط مستقيم أو ” مسطرة” علي كل العملاء الإلتزام بها دون أية إعتبارات أخري ، كما اسلفت.
جائحة كورونا فترة ذهبية للتأمين الطبي بسبب الوعي الجمعي لأهمية تغطياته
خبري: معني ذلك أن فرع مثل الطبي يمكن تقديم مؤشر تسعير لعميل مختلف عن عميل أخر بناءً علي معدل الخسائر؟
درويش: معدل الخسائر عامل مهم ، لكن هناك عوامل أخري منها طبيعة النشاط نفسه، وبما أنك ذكرت فرع الطبي، فليس خاف علي أحد أن هناك زيادة كبيرة في تكلفة الخدمة خاصة بعد تفشي جائحة كورونا وبسبب عمليات الإغلاق وكذلك التضخم ، وبالتالي فمن الضروري وضع سعر فني عادل حتي وان كان معدل الخسائر للعميل جيدة، وذلك لسبب بسيط، ان العميل قد لايكون من متجاوزي الخسائر في سنوات سابقة، لكن هناك خطرًا محتملًا، وان المرونة الزائدة قد تهدد سلامة المركز المالي لشركة التأمين نفسها.
خبري: هل التحديات التي تواجهها صناعة التأمين حاليًا هي استثنائية بسبب الأخطار الجيوسياسية وقبلها كورونا وما تبعها مؤخرا من التضخم ؟
درويش: بكل تأكيد هي ظروف استثنائية لم نعهدها من قبل كصناعة تأمين عالمية وليس فقط محلية ، وهي مجموعة من تراكم التحديات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
خبري: مهلًا ، لن أختلف معك، لكن هل الصورة بهذه القتامة رغم واقعية مفرداتها؟ بمعني ألا يوجد من بين ثناياها بصيصًا من أملِ ، كاستثمار التحديات لتسويق التأمين كغطاء حمائي للأخطار التي يواجهها الإقتصاد الكلي ؟
درويش: بالطبع شركات التأمين لن تترك فرصة كهذه ، لكن الصورة ليست أفلاطونية كما تظن ، فالتحديات علي أرض الواقع أعمق من مفردات قد تلوكها الألسنة ، وهي ليست دعوة للتشاؤم بل للتعامل بواقعية مع ظروف فُرضت علينا ولم نكن ضمن أسبابها.
لكن حتي لا تصفني بأنني من دعاة نظرية شوبنهاور التشاؤمية ، دعني أخبرك بما ليس سِرًا ، أن العملاء الأفراد اصبحوا أكثر إدراكا لأهمية التامين ، لعدم قدرتهم علي تحمل الزيادات المتسارعة في قطع غيار السيارات علي سبيل المثال ، وبالتالي فشركات التأمين بدأت تتجه إلي شريحة العملاء الأفراد وزيادة وزنهم النسبي من محفظة العمليات ، لاسيما وأن هذه الشريحة ينطبق عليها قانون الأعداد الكبيرة ، وهو ما يساعد شركات التأمين علي تفتيت الخطر.
نقطة أخري دعني أعرج عليها ، وهي أن الأزمات هي الفرصة الفضلي لتسويق التأمين، وسأدلل علي ذلك بجائحة كورونا والتي رغم نتائجها إلا أنها كانت تمثل فترة ذهبية للتأمين الطبي، بسبب الوعي الجمعي بأهمية هذه التغطيات سواء علي مستوي الأفراد أو المؤسسات.
والنقطة الأهم ، هي ان الوعي الجمعي لم ينحصر في أهمية التأمين الطبي كخدمة ولكن لقدرته علي مساندة العميل ، لاسيما مع عدم قدرة الأفراد علي تحمل التكاليف الطبية دون داعم ومعضد لها ، وهو ما يلعبه التامين كصناعة.
نضوج أسواق التأمين لا يرتبط بتاريخ نشأتها ولكن بسرعة تعاطيها مع المتغيرات
خبري: إذا ما عقدنا مقارنة بين السوقين السعودي والمصري ، نلحظ أن العملاء في المملكة العربية السعودية يجأرون من إرتفاع أسعار التأمين ، وفي مصر العكس ، شركات التأمين هي من تجأر من إنخفاض الأسعار !! ألا يثير ذلك من التساؤلات الإستفهامية ؟
درويش: أظن أن ذلك بسبب فارق النضوج.
خبري: قد أتفق معك لو كان السوق السعودي سابق من حيث النشأة لصناعة التأمين المصرية ، ولكن العكس ، بمعني ، أن تاريخ صناعة التأمين المصرية ضارب في الجذور علي عكس الأسواق الأخري؟
درويش: النضوج لا يعني المدة الزمنية لنشأة الصناعة ، ولكن بمقدار تطورها أو بمعني أخر، سرعة تعاطيها مع المتغيرات خاصة التكنولوجية ، وهذا لايعيب صناعة التأمين في مصر ، فلكل سوق ظروفها إقتصاديًا وإجتماعيًا.
خبري: ماذا تقصد بالتعاطي التكنولوجي مع المتغيرات؟ أتقصد أن السوق السعودي كانت اسرع في وتيرة الرقمنة؟
درويش : هذا جزء ، والجزء الأخر له علاقة بحجم البيانات المتاحة التي تسمح لشركات التأمين بتقدير الخطر بصورة دقيقة ، والإطلاع علي بيانات العملاء سواء الحاليين أو حتي الجُدد ، ومن ثم سينعكس ذلك كله علي المؤشرات الكلية.
نقطة أخري، أود الإشارة إليها وهي أن الوزن النسبي ربما الأكبر في اقساط السوق السعودي مُحقق من تغطيات إلزامية كالتأمين الطبي والسيارات.
خبري: أتخلص من ذلك أن المقارنة بين السوقين المصرية والسعودية ليست عادلة بالشكل الكافي؟
درويش: هذا صحيح ، وعدم العدالة هنا لايعيب السوق المصرية ولكن كما اسلفت له علاقة بحجم البيانات المتاحة في السوق السعودي، بالإضافة الي التطور التكنولوجي المتسارع.
المنافسة في السوق ستظل قائمة لأنها لازالت بِكرًا بدليل توافد اللاعببن الجدد
خبري: بصفتك عضوًا في مجلس إدارة الكيان التنظيمي وهو الاتحاد المصري للتامين، وهذا الكيان متشابك مع السوق بحكم تكوينه ، علاوة علي وجود تعاون كبير بينه وبين الجهاز الرقابي، فلماذا لا يتم استثمار هذا التعاون في معالجة نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة؟
درويش: ومن قال أننا لا نفعل ذلك؟ لكن يجب أن لا نغفل أن سوق التأمين المصرية كبيرة وليست بالسهولة بمكان معالجة نقاط الضعف بوتيرة سريعة كالأسواق الأخري التي لايمكن مقارنتها مع مصر ، علي الأقل من حيث الكثافة السكانية.
ولكن دعني أزيدك الشِعر بيتًا ، تشخيص المرض في حد ذاته مؤشر لوجود إرادة حقيقية للعلاج ، فليس من المقبول أن ندفن رؤسنا في الرمال، نعترف أن هناك نقاط خلل، لكن لايجب أن نتمسك بنصف الحقيقة ونتجاهل نصفها الأخر ، وهي أن القائمين علي الصناعة تنظيميا ورقابيًا إتخذوا العديد من الإجراءات التي تمثل بنية أساسية يتم البناء عليها ، ومنها ذِكرًا وليس حصرًا ما يرتبط بملف التأمين الإجباري علي السيارات ، ومجمعة السفر ، مرورًا بالاصلاح التشريعي او صياغة مشروع قانون جديد للتأمين ، وأخيرًا وليس أخرًا الضوابط المرتبطة بتأمين الائتمان والضمان.
وأعلم أنك مهموم بملف الممارسات السعرية ، وأنك داعم لنمو السوق بدافع وطني، لكن تعلم أنه من المستحيل أن يتم الإتفاق علي مؤشر تسعير ، فبخلاف أنه يتعارض مع الإتفاقيات الدولية كإتفاقية تحرير الخدمات، وكذا التشريعات المحلية مثل قانون المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية ، إلا أن المنافسة في حد ذاتها في مصلحة العميل، ولكن من المهم أن لاتميل إلي منحي يهدد سلامة المراكز المالية للشركات ، وهو ما لم يحدث من قبل ، بل الأكثر من ذلك أن السوق لايزال نامِ ، ولاتزال تولد فيه كيانات جديدة ، ولجميع تلك المؤشرات دلالات علي أن سوق التأمين المصرية لازالت بِكرًا.
خبري: ومن قال أن الغرض هو وضع مؤشر تسعير ، ولكن الغرض عدم الإخلال بالمعايير الفنية، أو علي أقل تقدير أن ترتفع أسعار التأمين بنفس زيادات الأسعار في كافة الخدمات ، لكن ما يحدث العكس ، بمعني أن الخدمات تشهد زيادة في وقت تتراجع فيه أسعار التأمين كقيمة وليس كرقم ، والبعض يحيل هذه الممارسات إلي اتكال شركات تأمين علي اسواق الإعادة خاصة الوحدات التي لاتتمتع برصيد من الخبرات او ذات تصنيف مرتفع؟
درويش: بدءًا لست مع وجهة النظر التي تقول ان شركات التأمين إذا ما واجهت ضغوطًا من شركات الإعادة الكبري، تلجأ إلي شركات ذات تصنيفات أقل ، والسؤال، أليست هذه الكيانات جميعها مُدرجة في القائمة السنوية التي تضعها الرقابة المالية؟ فما الخطا الذي يُرتكب إذًا؟
الأهم ، أن المنافسة السعرية لايمكن تحميل طرف واحد جميع مسبباتها ، بمعني أنه لايمكن ان نتهم الشركات أنها من تقود هذا الإتجاه علي إعتبار أنها هي المنوطة بالإصدار ، ولايمكن تحميلها للوسطاء، بدعوي أنهم قد يلوحون بعدم إسناد المحفظة لشركات التأمين إلا في حالة خفض السعر ، ولايمكن أن نحمل العميل مسئولية تلك الممارسات السعرية بدعوي أنه يضغط نحو مؤشر التسعير وليس الخدمة.
ما أقصده ، أن المسئولية مشتركة بين جميع الأطراف، ولايمكن أن يتحمل طرف المسئولية كاملة ، دون ان تشاركه الأطراف الأخري.
نقطة أخري أود الإشارة إليها وهي أن السوق المصرية لازالت بِكرًا حيث لازالت تشهد دخول لاعبون جدد ، ولازالت بعض التغطيات لم يتم إختبارها او تسويقها بعد ، مثل الأخطار الإلكترونية Cyber Risks ، وبالتالي ستظل المنافسة موجودة حتي نصل إلي مرحلة الإكتفاء ، وهذا لن يحدث لأن السوق المصرية ضخمة ومعروف عنها أنها سوقًا خصبًا للخدمات والسلع.
توقف الممارسة السعرية مرتبط بحجم فاتورة الخسائر وعدم القدرة علي تحملها
خبري: لا أختلف معك في أن المنافسة السعرية ستظل قائمة ، ولكن إلي أي مدي؟ بمعني أنه أليس إنعكاس هذه الممارسة علي الأرباح الفنية مؤشر يجب التنبه له؟
درويش: المنافسة السعرية معروف عنها أنها تصل لمرحلة معينة وتتوقف لاسباب لها علاقة بضخامة فاتورتها او علي الأقل خطورة الاستمرار فيها.
ما أقصده أن فروع مثل التأمين الطبي ، أظن أن الممارسة السعرية فيه تقلصت بصورة كبيرة ، لأسباب لها علاقة بإرتفاع أسعار الخدمات او تكاليفه بسبب التضخم ، وأن اي تهاون فيه سيكبد شركة التأمين خسائر تفوق قدرة بعضها علي التحمل ، وهو ما حفز الشركات علي التريث والتعقل في المنافسة لمرحلة أظنها بلغت الرشد.
خبري: أتقصد أن بلوغ مرحلة رُشد الممارسة مرتبط بحجم الخسائر المتكبدة او التي قد يتكبدها اللاعبون في حال الاستمرار في المضاربات السعرية؟
درويش: بكل تأكيد ، والدليل علي ذلك ان المنافسة السعرية في الطبي تقلصت ولكن ليس بسبب الخسائر ولكن بسبب إرتفاع تكلفة الخدمة ، وأن خفض السعر سيؤثر علي سلامة شركة التأمين والأهم أنها ستؤثر علي مستوي الخدمة المقدم للعميل.
خبري: ولماذا لم تنسحب تلك الرشادة علي فرع السيارات التكميلي؟ أليس هناك إرتفاعا كبيرا في قطع الغيار بسبب الظروف التي يعلمها القاصي والداني؟
درويش: الممارسة في فرع السيارات ستنضبط بكل تأكيد ، فهي ليست بعيدة عن منطقة رشادة القرار الإكتتابي، لاسباب ذكرت بعضها في سؤالك وأخري لها علاقة بالإجراءات التي تتخذها جهة الرقابة، فيما يخص ملف الخسائر ومعدل تكراره في كل فرع تأميني.
وبالمناسبة الدورة الطبيعية لاي سوق هو ارتفاع خسائره ثم الوصول لمرحلة إلتقاط الأنفاس ثم مرحلة التدبر فيما جري وكيفية تجاوزه مستقبلًا وصولًا للغاية وهي مرحلة الإنضباط في الممارسات ، ليكون أساسها الخدمة وليس السعر.
خبري: صناعة التأمين نشأت منذ ما يزيد عن قرن، أليس هذا كاف للإنتهاء من الدورة التي اسلفت ذِكر مراحلها؟
درويش: الوصول لمرحلة النضوج لايعتمد فقط علي تأريخ نشأة الصناعة ، بل علي إكتمال السوق وتشبعه ، وليس خاف علي أحد أن السوق المصرية لازالت متعطشة للاعبين جُدد ومنتجات جديدة ، لانه مجتمع متنوع الحاجات وبالتالي تتعدد الأخطار التي يواجهها.
وبما أن المعروض لايزال كبيرًا مقارنة بحجم الطلب بسبب ضعف الوعي وأشياء أخري، فستظل المنافسة السعرية قائمة إلي حين ، لكن هذا لايعني الإستكانة وعدم التحرك لضبط إيقاعها وهو ما يحدث رقابيًا وانظيميًا.
خبري: البعض يعقد مقارنات بين البنوك وشركات التأمين، هل المقارنة في حد ذاتها منطقية؟ مع الوضع في الإعتبار خصوصية كل نشاط؟
درويش: نظريًا المقارنة عادلة لأن البنوك والتأمين وجهان لعملة واحدة ، علي الأقل في الدول المتقدمة او الناضجة علي مستوي الثقافة المالية ، لكن في مصر بالطبع هناك خصوصية بين نشاطي التامين والبنوك ، وبالتالي فالمقارنة قد لا تكون عادلة مرحليًا وليس بصورة كلية.
وبشكل عام لايزال التامين كصناعة يحتاج لجهد من كافة أطرافه دون استثناء ، بدءًا من العميل نفسه مرورًا بالشركات والوسطاء ، إنتهاءً بالكيان التنظيمي والجهاز الرقابي.
خبري: كيف تري الضوابط التي صدرت عن الرقابة المالية والمرتبطة بوثائق تأمين الائتمان والضمان؟
درويش: بتجرد يمكنني القول أنها ضوابط جيدة للغاية ، وتوقيتها ملائم للغاية لاسيما وأنها صدرت نتيجة بعض الممارسات وليس كلها بالطبع.
خبري: ما طبيعة الممارسات التي تقصدها؟
درويش: ممارسات لها علاقة بالشروط الفنية ، وحتي لا يتم فهم وجهة نظري في سياق أخر ، الشروط التي كان يتم العمل بها قبل وضع الضوابط الجديدة ، كانت تمنح جهة الإقراض أريحية في التسهيل الائتماني، ليس تعمدًا بالتأكيد، لكن هذه الأريحية مبعثها أن هناك جهة أخري ستتحمل أية خسائر ، وهذه الجهة هي شركة التأمين.
جهات تمويل تعاملت بأريحية في التسهيلات الائتمانية متكئة علي تغطيات التأمين
خبري: هل تقصد أن جهات الإقراض كانت تتساهل في منح الائتمان؟
درويش: لا أقصد هذا ، ولكن شروط التغطية تتضمن ذلك، بمعني ان 90% من الخطر علي الأقل تتحمله شركة التامين ، وبما ان هناك جهة او طرف أخر سيتحمل فاتورة الخطر، فمن ثم ستكون هناك أريحية ولكن دون تعمد كما أسلفت ، وهو طبيعي بالمناسبة ، مثل إطمئنان شركة التأمين نفسها في الاكتتاب لوجود معيد تأمين سيتحمل جزءً كبيرا من فاتورة التعويض، وكإطمئنان العميل نفسه بشكل عام بوجود تغطية تحميه ، وبالتالي سيشعر بالأريحية النسبية.
خلاصة القول ، أن التأمين تساهل نسبيًا في تأمين الائتمان والضمان ولذلك تدخلت جهة الرقابة بالضوابط التي تم الإعلان عنها مؤخرا.
خبري: نظريًا لا أختلف معك ، لكن إلي اي مدي تساهلت شركات تأمين ما إضطر الرقابة المالية للتدخل بفرض ضوابط جديدة في هذا النوع من الأخطار؟
درويش: لا أملك المعلومات الكافية عن ماهية الممارسات التي يمكنني الإستناد عليها لتفسير سبب التدخل الرقابي، ولكن ما أعلمه أن هناك ممارسات إضطرت الرقابة للتدخل ووضع ضوابط للإكتتاب في هذا النوع.
خبري: هل رويال للتأمين تزاول تأمين الائتمان والضمان؟
درويش: أمارسه ولكن وزنه النسبي ضئيل لا يتجاوز 1 او 2 % والاتفاقيات المرتبطة بها طاقاتها الاستيعابية ليست كبيرة تتراوح من 2 إلي 3 مليون للخطر الواحد ، ونحن لم نسع لزيادة الطاقة الاستيعابية في هذا النوع من المخاطر.
شركات التأمين لا تقيس الجدارة الائتمانية للعميل ولكن كفاية إجراءات الائتمان
خبري: هل شركات التأمين لديها الخبرة الكافية لدراسة الجدارة الائتمانية للعميل في أخطار الائتمان تحديدًا؟
درويش: دعني أتحدث بإيجاز ليس مُخلًا في هذه النقطة ، أولًا هناك إختلاف في تعريف التعثر بين شركات التامين في بعض الأسواق وبين معيدي التأمين في أوربا ، منها علي سبيل المثال ان التعثر في اوربا يعني إفلاس العميل ، أما في شركات التأمين ببعض الاسواق الناشئة فعدم سداد العميل مستحقات شركات التأمين لثلاث أقساط متتالية هو بمثابة تعثر.
النقطة الثانية وأظنها إجابة لتساؤلك ، الجدارة الائتماينة بمعناها الشامل الخاصة بالعميل ليست مسئولية شركة التأمين ولكن شركة التأمين تدرس مدي إتخاذ البنك علي سبيل المثال الإجراءات الكافية المرتبطة بالجدارة الائتمانية للعميل.
الأهم إجمالًا أن الرقابة المالية حينما إشترطت ان يكون مسئول الاكتتاب والتعويضات لديه خبرة كافية بتأمين الائتمان والضمان ، فهي بذلك تسعي لضبط أية ممارسات غير متعمدة قد تهدد سلامة شركة التأمين ، وفرضها نسبة تحمل علي العميل، الغرض منه اشراك العميل نفسه في المسئولية لاتخاذ العناية اللازمة قبل منح الائتمان.
ودعني أخبرك أن المسئول عن هذا الفرع في شركة رويال للتأمين لديه الإدراك والخبرة الكافية والإلمام المطلوب بتأمين الائتمان بما يتسق مع ضوابط الرقابة المالية.
المطالبة بوضع أسعار استرشادية عودة للوراء وكفاية المخاطر مع رأس المال حل أفضل
خبري: هل السوق في حاجة لتدخلات رقابية بغرض ضبط إيقاع ممارساته خاصة التي تخل بمعايير الإكتتاب الفني؟
درويش: هناك أصوات كانت تطالب بوضع اسعار استرشادية وهو ما يعني العودة للوراء ولا يتسق مع التغيرات المتسارعة ، ولكن هناك إجراءات أخري أكثر فاعلية والرقابة تعمل بها مثل مدي ملائمة حجم المخاطر المكتتبة مع رأس المال ، وكذلك المعايير المحاسبية الجديدة.
خبري: بعض الأسواق تدخلت بإجراءات يمكن من خلالها ضبط التسعير دون المساس بالسعر مثل السوق السعودي؟
درويش: السوق السعودي وضع حدود قصوي للعمولات ولم يتطرق إلي الأسعار.
خبري: أليس وضع حد اقصي للعمولة سيحافظ علي مكاسب شركة التأمين الفنية ، بمعني أن عدم وجود حد اقصي للعمولة يجعل شركات تأمين تحت ضغط الوسيط ورحمته في بعض الأحيان ، فإما أن تقبل بمنحه نسبة كبيرة كعمولة حتي وإن كان علي حساب مكاسبها الفنية او يلوح بنقل المحفظة لشركة أخري؟
درويش: وهناك خيار ثالث لم تذكره وهو رفض شركة التأمين قبول العملية من الاساس طالما أنها غير مُربحة فنية.
ما أقصده هنا ان وسيط التامين لايملك صلاحيات الاصدار وانما السلطة مخولة بالكامل لشركة التأمين، وبالتالي فإن قبول ضغوط وسطاء إن وجدت لمجرد الاحتفاظ بالعملية حتي وان كانت ليس ذات جدوي فنية ، او عائد فني مقبول ، هي مسئولية شركة التأمين ، وهذا ليس جلدًا للذات.
خبري: إذا رفضت كشركة تأمين هناك شركات أخري ستقبل رغبة في حصة سوقية بغض النظر عن تقييم الحصة فنيا؟
درويش: كل شركة تتحمل مسئولية قراراتها ، وقد يكون مقبولا ان هناك نهم للحصة السوقية ولكن ليس للحد الذي يؤدي إلي تآكل الأرباح الفنية.
الرهان علي العائد الاستثماري لتعويض الخسارة الفنية رهان خادع
خبري: البعض يعول ويراهن علي العائد الاستثماري لتعويض الخسارة الفنية؟
درويش: الرهان علي العائد الاستثماري لتعويض الخسارة الفنية رهان خادع ، بمعني ان العائد الذي يجب ان تستهدفه شركة التأمين هو الربح الفني وليس الاستثماري ، لان نشاطها الرئيسي هو التامين وليس الاستثمار ، هذه نقطة.
النقطة الثانية ، ماذا لو تأثر العائد الاستثماري؟ أليس في هذا خسارة مُركبة فنيًا واستثماريًا؟ أظن ان التركيز علي تحقيق عائد فني من نشاط التأمين يجب أن يكون هو الشغل الشاغل للشركات ، وان يكون عائد الاستثمار إضافة لرصيد الأرباح وليس كل الأرباح.
الأهم أن تقييم شركة التأمين فنيا يجب أن يكون علي الأرباح الفنية لأنه يعبر عن مدي سلامة الاكتتاب.
خبري: نظريًا أتفق معك ، لكن عمليا بعض المساهمين في شركات تأمين يضغطون علي الإدارة التنفيذية لتحقيق هامش ربح بغض النظر عن قنواته سواء فنية او استثمارية ، وبالتالي تلجأ الإدارة التنفيذية للمنافسة الغير منضبطة لجلب المزيد من السيولة والاستفادة من عوائدها الاستثمارية وتحقيق اهداف المساهمين وهو الربح دون الإكتراث بسلامة الاكتتاب؟
درويش: ليس بالضرورة استهداف تحقيق ربح فني من خلال ضبط الاكتتاب سيؤثر سلبًا علي عائد الاستثمار ، فيمكن الجمع بين الحسنيين ، اي عائد الاستثمار وفائض الاكتتاب ، قد تكون المعادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
خبري: هل هناك من يستغل الطاقة الاستيعابية من معيد التأمين بصورة خاطئة من خلال المنافسة السعرية اتكاءًا علي تلك الطاقة ؟
درويش: لا أظن ذلك ، فالأساس أن منح طاقة استيعابية من شركة إعادة التأمين لشركة التأمين ، مرتبط بتحقيق الثانية نتائج جيدة، وان اساءت شركة التامين استخدام تلك الطاقة الاستيعابية بصورة خاطئة ، سترفض شركة الاعادة منحها مرة اخري في العام التالي.
وفي النهاية الطاقة الاستيعابية تمنح شركة التأمين أريحية في الإكتتاب بصورة أفضل وليس أريحية في المنافسة الغير منضبطة فنيًا.
نستهدف زيادة الوزن لتأمينات الأفراد إلي 30% مقابل 70% للشركات
خبري: ما هي بوصلة رويال للتأمين خلال الفترة المقبلة؟
درويش : رويال للتأمين إستطاعت أن تثبت نفسها كلاعب مهم في السوق ويمكنها الاستحواذ علي الحصة السوقية التي ترغب فيها.
المرحلة الحالية إنتقلنا لمربع المنافسة علي الخدمة لتعظيم الربحية الفنية بغض النظر عن الحصة السوقية ، هذه نقطة.
النقطة الثانية أننا سنركز علي شريحة الأفراد وزيادة وزنهم النسبي من محفظة الأقساط ، لتفتيت الخطر من جهة، ولأن المنتجات الفردية هي مولد حقيقي للنمو ، وفرصة تسويقية أفضل ، ولذلك ندرس أربع منتجات جديدة موجهة جميعها لهذه الشريحة.
خبري: ما الوزن النسبي الحالي والمستهدف لشريحة الأفراد أو individual والشركات او Corporate من محفظة عمليات رويال للتأمين؟
درويش : الوزن النسبي للأفراد 5% مقابل 95% ، ونستهدف زيادة الوزن النسبي للأولي لتصل الي 30% مقابل 70% تكون من نصيب تأمين الشركات او المؤسسات.