في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تتمتّع المعايير المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بأهمية كبرى لتحقيق نمو مستدام وميزة تنافسية على الصعيد العالمي، وتطبيق ممارسات الاستدامة تستغرق فترات زمنية طويلة، وبالرغم من انتهاج الشركات لتلك المعايير، لكن غالباً ما تمتد الأهداف والتطلعات إلى سنوات بعيدة لعام 2030 و2040 و2050.
سلامة الكوادر في الشركات
كرّست العديد من الشركات وأصحاب الأعمال تركيزها على سلامة كوادرها الفنية، وتشغيل سلاسل التوريد الخاصة بها منذ سنوات بعيدة. وتحسباً لأي اضطرابات في الأسواق، تفرض الشركات معايير لتجاوز ضعف الإمدادات وتراجع العولمة. كما وتسعى بعض الشركات والحكومات جاهدة لإيجاد مصادر آمنة للطاقة والسلع الأساسية، لاتخاذ قرارات تعزز الأهداف المرجوة على المدى القريب في ملف الاستدامة. في الوقت الذي تنشغل شركات أخرى في تحقيق منظومة غذائية أكثر مرونة واستدامة.
استعدت العديد من الشركات لتجنب تأثير الاضطرابات على استقرار جدول أعمال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. ولا تزال مبادرات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات سليمة حتى الوقت الراهن على المستويين العالمي والمحلي.
شهدنا تغيرات جذرية في توقعات المستثمرين والعملاء حول أهمية الاستراتيجية المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على مدى السنوات القليلة الماضية، وذلك بهدف التعامل مع كافة التحديات والاضطرابات العالمية. كما وأصبحت الاستراتيجية المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات عنصراً أساسياً لاتخاذ القرارات الصحيحة، التي تضم أهدافاً تتمثّل في ارتفاع مستوى المخاوف المالية، والمخاطر، والنزاهة التشغيلية، والأثر المترتب على العملاء.
الشركات لاتنتظر تفويضًا من السلطات الحكومية
وفي ظل بيئة الأعمال الحالية، لم تعد الشركات تنتظر تفويضاً من السلطات الحكومية للمباشرة في الأعمال. إذ ستكون الشركات استباقية في رحلاتها مع مراعاتها لمعايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وذلك لمواجهة الأمور المعقدة والمصاعب التي قد تحد من تقدّم الشركات وريادتها.
السؤال الأهم يكمن في كيفية ضمان الشركات لمرونة أعمالها بالتزامن مع تطبيق معايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في الوقت الراهن والمستقبل؟ ونذكر خمس خطوات يُمكن أن تساعد في تعزيز طموحات الشركة وتطوّرها ومواكبتها للمعايير العالمية.
• إعداد استراتيجية قابلة للتكيّف مع مختلف الظروف
تتجه العديد من الشركات نحو الطريق الصحيح لمواكب مستقبل مزدهر ومستدام من خلال تطبيق معايير “نجمة الشمال” – والتي يسميها البعض مهمة الشركة أو الغرض من الشركة أو روح الشركة. ولكن من دون تحديد المبادئ والخطط التوجيهية، تضع الشركات نفسها أمام خطورة عالية، وبالتالي عدم القدرة على التعامل مع الأزمات، وطرح قرارات فورية، أو إجراء عمليات لا تتفق مع معاييرها الأساسية، ما قد يعرضها لاتهامات بالاحتيال أو غسل الأموال.
عندما تكون أهداف الشركات واضحة، تضع المجالس القيادية والأعضاء التنفيذيون خارطة طريق مرنة بدلاً من خطة ثابتة تجري مراجعتها سنوياً أو بصورة نصف سنوية. ويقدّم أصحاب الشركات مجموعة من السيناريوهات والمعالم التي تحثهم على تغيير المسار أو السرعة في العمل، ما يتيح إجراء تعديلات سريعة وحاسمة فور الكشف عن وجود اضطرابات وأحداث تخريبية.
تساعد الاستراتيجية الديناميكية والتكيفية القادة وأصحاب الشركات أيضاً على الاستجابة الاستباقية لتجاوز الأزمة. وعلى سبيل المثال: هناك تنافر بين المستثمرين، الذين يدفعون من أجل تقديم الاستراتيجية المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في عالم الشركات، بسبب قلقهم بشأن المقايضات المتصورة حول الأهداف الاستراتيجية الأخرى. ونظراً لأن الشركات تواجه المزيد من التقلبات، فإن السيناريوهات المحدّدة بوضوح والمعالم التي تؤدي إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة تُظهر سرداً ونهجاً أكثر استقراراً لجميع أصحاب المصلحة.
• الانتقال من الالتزام إلى التطبيق على أرض الواقع للحفاظ على استراتيجية الشركات ورؤيتها
للتعامل مع المشكلات التشغيلية قصيرة الأجل التي يسببها اضطراب معين، تتخذ الشركات قرارات للحد من تأثير تلك التحديات على مسيرة الشركة وأهدافها المستقبلية. وتجسد الأزمة الحالية هذا التوازن الصعب؛ فعلى سبيل المثال العودة إلى استخدام الفحم ليحل محل صادرات الغاز الروسية، حيث تجد الشركات صعوبة أكبر في تحقيق أهداف الاستدامة في المستقبل. وفي الوقت نفسه، جعلتهم الأزمة أكثر وعياً بالحاجة إلى طاقة متجددة آمنة ومنخفضة التكلفة لتجنب اضطرابات السوق المماثلة في المستقبل.
نؤمن أنه كلما تمكنت الشركة من الوفاء بالتزاماتها بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على نحوٍ أسرع، فإن جدول الأعمال المتعلق بها سيواجه معاناة أقل من تقلبات المشهد الجيوسياسي. وستكون فرق القيادة التي أحرزت تقدّماً في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على دراية جيدة بخياراتها وفهم الآثار المترتبة على قراراتها.
تتخذ الشركات الرائدة نهجاً رائداً وعملياً للانتقال من الالتزامات الشاملة المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إلى تحقيق تقدّمٍ ملموس، إذ تحرص تلك الشركات على خلق قيمة حقيقية مع وضع طموحات العملاء في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في الاعتبار، وتدريب المديرين على كيفية تقييم القرارات والمفضالات بطريقة تتماشى مع التزامات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
• اكتشاف نماذج أعمال جديدة ومبتكرة للتصدي للتحديات التشغيلية
تجد العديد من الشركات في القطاع الصناعي طرقاً جديدة لتحقيق التوازن بين المطالب المزدوجة لبناء المرونة في أعمالها من جهة، وتعزيز أهداف الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من جهة أخرى.
أصبح نظام التدوير وسيلة فعّالة للشركات، لتقليل متطلبات المواد، ومعالجة النفايات، وتحقيق الاستقرار في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. فعلى سبيل المثال لمواجهة النقص في بعض السلع، مثل: النيكل أو الليثيوم، يُمكن للشركات استخراجها من النفايات لخلق بيئة مثالية، وخفض التكاليف، وتقليل النفايات في طبيعة الحال. ويشمل نظام التدوير أيضاً تحسين الاستخدام من خلال نماذج أعمال جديدة ومبتكرة، مثل تلك التي تقدّم المنتجات كخدمة ومنصات الاقتصاد التشاركي.
وبحسب الدراسة التي أجرتها شركة بين أند كومباني بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، نجد أن أصحاب الشركات تضع خطط معينة لسلسلة التوريد لمضاعفة حصة الإيرادات من المنتجات والخدمات الدائرية بحلول عام 2030. وتدرك تلك الشركات أن المنتجات المصممة جيداً، ونماذج الأعمال الدائرية لا يُمكنها فقط إعداد الأعمال للتغلب على تحديات الإمدادات ونقصها، ولكن أيضاً تحسّن من قدرتها على البقاء والتطوّر والازدهار في مستقبل منخفض الكربون.
• تشكيل شفافية ووضع خطط تتبع مدروسة للتخفيف من حدة المخاطر وإيجاد حلول مثالية
سيتطلب العقد المقبل سلاسل توريد لا يُمكنها تحمل الصدمات والتغيرات فحسب، بل ستمكّن أيضاً المؤسسات والشركات من الاستجابة لأصحاب المصلحة للتوريد في الداخل والخارج.
عندما يطالب الموظفون والمستثمرون والعملاء بفهم تعرض المؤسسة لمخاطر أو مشكلة معينة، فإن هذا الأمر يُعد بالغ الأهمية ويمثّل أولى علامات الاضطراب، ويتطلب الموضع الشفافية الحقيقية، فهي المفتاح الأمثل لتجاوز التحديات.
تستثمر بعض الشركات في سلاسل التوريد والعمليات. كما يُمكن لتقنيات التتبع معرفة كل مادة خام تدخل في المنتج، وتتبع كيفية استخدام المنتج، وتحديد مكان التخلص منه. كما أنها توفّر البيانات اللازمة لعمل تنبؤات وتشغيل السيناريوهات وتحسين العمليات ديناميكياً. ويُمكن للشركات إثبات إظهار عملياتها ومنتجاتها المستدامة، وبناء علاقات وطيدة مع العملاء والمورّدين.
• إقامة شراكات منهجية للتطوير والتقدّم
لا يُمكن للشركات التصرف بمفردها عندما يتعلق الأمر بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حيث أن أفعال الشركات وكافة عملياتها لها تداعيات عالمية خاصة خلال الأزمات.
ولتجاوز الأزمات القصيرة الأجل وتحقيق أهداف طويلة الأجل في عالم أكثر تغيّراً واضطراباً، سيكون النهج المنهجي أكثر أهمية من أي وقت مضى. إذ يُمكن للشركات أن تتعامل مع أولئك الذين يشاركونها نفس الاهتمامات لتحقيق النتائج المرجوة، بما يتضمن المنظمات الحكومية والشركاء الخارجيين الآخرين. ومن خلال التعاون مع منظومة أوسع، يُمكن للجهات الفاعلة في الصناعة التكيّف مع الواقع الجديد بطريقة لا تقوض التزاماتها ولا تعيق تقدّمها بشأن تطبيق الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
كما هو الحال مع جميع الأنشطة التجارية، تحتاج الشركات إلى اتباع نهج معين، إذ تضع الشركات الرائدة مبادئ واضحة حول طريقة توجيه جهود الشراكة المبذولة، فضلاً عن مراجعة شراكاتها لضمان المواءمة المستمرة، وتوفير الشفافية لأصحاب المصلحة حول أنشطة الشراكة وفعاليتها.
لن تتسم هذه الشراكات بالسهولة أو تتحرك بسرعة مثل المبادرات الداخلية، إلّا أن المهمة الصعبة المتمثلة في العمل على وتيرة واحدة تبني صناعات مستدامة ومستقبلية.
والشركات التي تعتمد في خططها على المرونة خلال الأزمة الحالية لن تضطر إلى التراجع عن التزاماتها بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، لأنها تواجه حقبة مهمة لإثبات نفسها. وتستكشف الشركات الناجحة بدائل مبتكرة، مسترشدة بإحساس قوي بالهدف واستراتيجية مرنة.
في الختام نلاحظ أن الاضطرابات والأزمات لا يُمكن أن تقضي على الطموحات بتحقيق الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، بل تجعلها أقوى.