لاشك أن التحول الرقمي والاقتصاد الرقمي ، أصبحا جناحي التنمية الشاملة وقد أصبحا ضرورة ملحة وحتمية لجميع دول العالم، ومن المتوقع أن يصل حجم إجمالي الإنفاق العالمي في مجال الإتصلات وتكنولوجيا المعلومات حوالي 4.1 تريليون دولار أمريكي، وهذا التحول الرقمي يحتاج إلى استثمارات ضخمة لوضع استراتيجيات رقمية متكاملة لقيادة التحول الرقمي في العالم وعلى مستوي كل دولة.
50% من الوظائف التقليدية ستختفي من العالم في 2030
ويعيش العالم الآن عصري الثورات الصناعية الرابعة والخامسة التي تعتمد على الذكاء الصناعي وتكنولوجيا النانو,وتحليل البيانات الضخمة حيث ستختفي حوالي 50% من الوظائف التقليدية في العالم بحلول عام 2030، وستظهر وظائف وفرص عمل جديدة للشباب تعتمد على المعلوماتية والإبداع والإبتكار وريادة الأعمال بنسبة 50%, وسوف يتعاظم الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء ودور الروبوت في جميع مناحي الحياة.
ويقول الدكتور كلاوس شواب – مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ” أن الثورة الصناعية الرابعة والإقتصاد الرقمي سيغيران من شكل العالم وشكل المنتجات وأساليب الإنتاج ” , حيث ستصبح معظم المنتجات ذكية وستظهر نظم النقل الذكية والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.
الإقتصاد الرقمي يُعزز النمو الإقتصادي للدول بحوالي 5 أضعاف مقارنة بالطرق التقليدية
ويعزز الإقتصاد الرقمي النمو الإقتصادي للدول بحوالي 5 أضعاف مقارنة بالطرق التقليدية الأخري, حيث وصل معدل الإقتصاد الرقمي حوالي 25% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي والذي يقدر بحوالي 100 تريليون دولار أمريكي, ويقدر حجم الإقتصاد الصيني حوالي 16.4 تريليون دولار و يقدر معدل الإقتصاد الرقمي بحوالي 35% منها, بينما يقدر حجم الإقتصاد العربي بحوالي 3.8 تريليون دولار ويقدر معدل الإقتصاد الرقمي بحوالي 6% منها , وهي نسبة متواضعة جداً, ولهذا يجب علي الدول العربية التحول نحو الإقتصاد الرقمي المستدام والآمن.
ويغير الإقتصاد الرقمي النظرة العالمية إلي خلق القيمة المضافة, ولن يغير الطريقة التي نحول بها مواردنا إلي نتائج إقتصادية ذات قيمة مضافة فحسب, بل سيعيد تحديد وجهات نظرنا بشأن الموارد المتاحة وكيفية الإستفادة منها لمواجهة التحديات الجيوسياسية والإقتصادية والإجتماعية الحالية. ولهذا تسعي معظم الدول إلي التحول إلي الإقتصاد الرقمي المبني علي تطبيقات تكنولوجيا المعلومات الذكية والمعرفة والإبداع والإبتكار. ويعتبر الإقتصاد الرقمي أهم الموارد الإقتصادية بالعالم حيث يساهم في إنتاج القيمة المضافة, ويشكل التعليم اللبنة الأولي لذلك, ويقدر حجم المواقع والمنصات الإلكترونية عالميا حوالي 2 تريليون موقع, وعدد الهواتف الجوالة حوالي 9 مليار موبايل, كذلك يبلغ عدد مشتركي الإنترنت حوالي 5مليار مشترك حول العالم بنسبة إنتشار أكثر من 63% , أيضاً يقدر عدد متعاملي وسائل التواصل الإجتماعي حوالي 4.6 مليار مستخدم بنسبة حوالي 58% .
وتقدر حجم البيانات الرقمية في العالم حوالي 50 يوتا بايت ,وكل هذه العوامل ساعدت علي إنتشار التجارة الإلكترونية أحد أفرع الإقتصاد الرقمي و التي تقدر حجمها عالميا بأكثر من 15 تريليون دولار , حيث إزدهرت حركة التجارة الإلكترونية عالمياً من تبادل المعلومات وبيع وشراء السلع والخدمات والتسويق الإلكتروني و هي في زيادة سريعة ومضطردة, وخاصة مع تقدم التطبيقات الذكية لتكنولوجيا المعلومات وظهور العالم الإفتراضي ثلاثي الأبعاد , وتطبيقات الهواتف الذكية التي تستخدم الجيل الرابع, وبداية الجيل الخامس للإتصالات ,وظهور الجيل الثاني من الإنترنت والحوسبة السحابية ,واستخدام تطبيقات إنترنت الأشياء التي سوف تساهم في إنتشار نظم النقل الذكية والسيارة ذاتية القيادة وتطبيقات المدن الذكية والمصانع الذكية والمنتجات الذكية, وكذلك تطوير منصات التجارة الإلكترونية وبوابات الدفع الإلكترونية الآمنه.
مصر ستدخل مجموعة العشرين بعد زيادة الإنتاج والتصدير إلي 100 مليار دولار
ومن أهم أسباب ضرورة التحول إلى الإقتصاد الرقمي عوامل الندرة والإستنزاف للموارد الريعية والطبيعية, ورفع الكفاءة والفاعلية لتقديم الخدمات الحكومية المختلفة للمواطن عبر الوسائل إلإلكترونية والموبايل على مدار 24 ساعة يوميا, مما يوفر الكثير من التكاليف والوقت والجهد, وزيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل جديدة وتحقيق المساواة والشفافية والمحافظة على البيئة في ظل خطط التنمية المستدامة.
وقد أعلن فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2018 مبادرة التحول الرقمي للحكومة المصرية وضرورة التحول إلي الإقتصاد الرقمي في ظل تطبيق خطة الإصلاح الإقتصادي الطموحة ورؤية مصر2030 للتنمية المستدامة, والتي تتماشي مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة , و تجدر الإشارة أن عدد مشتركي الإنترنت في مصر يقدر بحوالي 60 مليون مشترك, وحوالي 97 مليون من حاملي خطوط الموبايل ,وما يقرب من 50 مليون مشترك في وسائل التواصل الإجتماعي, و كلها عوامل تساعد علي تقديم الخدمات الرقمية للمواطن, وقد نجحت التجربة في تنفيذ خطة التحول إلي الاقتصاد الرقمي في محافظة بورسعيد حيث يتلقي المواطن في بورسعيد حوالي 155 خدمة حكومية رقمية من خلال تطبيقات الهاتف المحمول أو اللابتوب أو من خلال المراكز التكنولوجية التي أنشأتها الحكومة, كما بدأ العمل في 5 محافظات أخري لتقديم جميع الخدمات الحكومية للمواطن رقمياً.
ولهذا أطلقت الحكومة المصرية القمر الصناعي طيبة-1 للإتصالات والإنترنت السريع عريض النطاق لتوفير شبكة إتصالات وإنترنت فضائية لتغطي المحافظات الحدودية مثل الوادي الجديد وتوشكا وحلايب وشلاتين بالخدمات الرقمية, وتكون شبكة داعمة وبديلة للشبكة الأرضية التي تم تطويرها بكابلات الألياف الضوئية حتي وصلت سرعة الأنترنت في مصر حاليا حوالي 45 ميجا بت في الثانية, بينما تصل في المدن الذكية الجديدة ومنها العاصمة الإدارية الجديدة حوالي 200 ميجابت في الثانية.
وطبقاً للتقارير الإقتصادية لبرايس ووتر هاوس كوبر أكبر بيت إستشاري عالمي تحتل مصر مراكز متقدمة عالميا طبقا للناتج المحلي الإجمالي, وهي ثاني أكبر إقتصاد عربي وأفريقي, ومن المتوقع بعد تطبيق الإصلاحات الإقتصادية وزيادة الإنتاج والتصدير إلي 100 مليار دولار أمريكي, أن تدخل مصر مجموعة العشرين بحلول عام 2030 بينما ستكون الصين الأولي عالميا عام 2030 .
وببساطة التجارة الإلكترونية هي عمليات إجراء وتسهيل المعاملات الإلكترونية ومنها عمليات البيع و الشراء وتبادل المنتجات والسلع والخدمات والمعلومات باستخدام شبكة الإنترنت بين الشركات والشركات الأخري أو الشركات مع الأفراد, ومن أشهرها عمليات حجز الطيران والفنادق وشراء الهواتف الذكية والكتب وغيرها, وهي تجارة عابرة للحدود والقارات تتم عبر العالم الإفتراضي من خلال شبكات الحوسبة السحابية , حيث يتم التعامل من أي مكان وعلي مدار اليوم 24×7 مما يوفر الكثير من التكاليف والوقت والجهد.
ويجب على الحكومة المصرية توفير الإطار العام والبيئة القانونية والتشريعية, وكذلك تشجيع المستثمرين وشركات القطاع الخاص وريادة الأعمال والشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص PPP للعمل علي زيادة ومضاعفة الصادرات المصرية من السلع والخدمات لدول العالم من خلال بناء وتطوير منصات التجارة الإلكترونية لعرض جميع السلع والمنتجات والخدمات المصرية وتسويقها وبيعها إلكترونيا لجميع الأفراد والشركات في دول العالم علي أن يتم الدفع من خلال بوابات الدفع الإلكتروني العالمية والعربية.
ومن الجدير بالذكر أن أكثر من قيمة 90% من حجم التجارة الإلكترونية العربية تذهب للخارج للشركات العالمية الأجنبية ولا يتم الإستفادة منها للشركات العربية, حيث أن حجم التجارة الإلكترونية العربية يقدر بحوالي 1% من التجارة الإلكترونية العالمية علي الرغم من أن حجم سكان المنطقة العربية يقدر بحوالي 5% من سكان العالم, مما يعطي فرصة مضاعفة حجم التجارة الإلكترونية العربية حوالي 5 مرات , كما أن آفاق التجارة الالكترونية بسرعة نموها اليوم أصبحت بالمنظور العالمي هي النافذة التي ستطل منها الشعوب العربية ومنها مصر نحو آفاق أرحب للتبادل التجاري العالمي, حيث يتوقع أن تصل لما يقارب ثلث اجمالي المبادلات الاقتصادية العالمية عام 2030 على أقل تقدير وفقا للتقديرات الإحصائية الدولية، وتلقي هذه التقديرات الضوء على أهمية تطوير منظومات التجارة الإلكترونية وما يلحق بها من ضرورات تشريعية وتنظيمية وتكنولوجية وتجارية وتنظيم التفاهمات البينية والدولية والإقليمية لهذا الغرض.
وتتلخص عمليات التجارة الإلكترونية في أربعة عمليات هي البحث في منصات التجارة الإلكترونية عن السلع والخدمات من خلال محركات البحث المختلفة , ثم الشراء وإبرام العقود , ثم دفع القيمة المالية من خلال بوابات الدفع الإلكتروني, ثم الحصول علي السلعة أو الخدمة للمتعامل من خلال إدارة سلاسل التوريد.
ويعتبر أمازون وعلي بابا من أهم منصات التجارة الإلكترونية العالمية , وفي مجال نقل الركاب يعتبر أوبر أهم منصة وتطبيق للهواتف الذكية عالمياً.
وقد تعددت وسائل الدفع الإلكتروني من إستخدام بطاقات الإئتمان ومن إستخدام نقاط البيع في المتاجر وماكينات الصراف الآلي بالبنوك والأكشاك الإلكترونية , ومواقع الإنترنت وتطورت إلى إستخدام الهواتف الذكية والمحفظة الإلكترونية وغيرها من الوسائل الذكية.
وأنشئت شبكات أنظمة بوابات الدفع الإلكترونية لتسهيل المدفوعات بالتعاون مع البنوك وشركات الإئتمان العالمية مثل فيزا وماستر كارد ومقدمي الخدمات والمتاجر باي بال , وفي العالم العربي فوري وأي فايننس ونقودي وغيرها , وذلك من خلال بروتوكولات آمنة SSL , وذلك لضمان الأمن والسرية للمعلومات البنكية والحماية وعدم التزييف.
ونظراً للفجوة الرقمية بين الدول العظمي والدول النامية والعربية , فأنه مازال هناك تحديات تواجه الدول النامية و العربية منها ضعف الممارسات التجارية والتشريعات والقوانين التي تواكب البيئة الرقمية والبنية التحتية التكنولوجية, والتي بدورها تنظم حركة التجارة الإلكترونية وتحميها من أعمال القرصنة الإلكترونية المختلفة, مما يؤدي إلي ضعف الثقة في التعاملات الإلكترونية, ومازالت معظم الدول ليس بها قوانين تضمن أمن وسرية وخصوصية المعلومات وقوانين التجارة الإلكترونية وقانون التوقيع الإلكتروني e-Signature وقوانين تبادل المعلومات والشفافية , التي تحفظ وتحمي حقوق جميع الأطراف.
وختاماً, أتمنى من الحكومة المصرية إعطاء حوافز وتسهيلات وتشجيع الشركات والمناطق الحرة على بناء منصات للتجارة الإلكترونية وعلى سبيل المثال منصة للتجارة الإلكترونية لبيع الأثاث المصري في مدينة دمياط للأثاث , ومنصة لبيع المنتجات الجلدية في مدينة الروبيكي ومنصات لبيع منتجات القطن المصري.
نائب رئيس الإتحاد العربي للإقتصاد الرقمي
مستشار تطوير الأعمال كلية كامبردج الدولية بريطانيا