قبل عشرة أعوام ونيف، تحديدًا في 2009، ألقي الدكتور عادل منير، نائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية آنذاك، كلمة خلال الإجتماع الثاني لدول الثماني، والتي تضم مصر وبنجلاديش وماليزيا وأندونسيا ونيجيريا وتركيا وإيران، اشار فيها إلي أن الهدف من الاجتماع تبادل الخبرات والسعي الي تطوير البنية التحتية لنشاط التأمين متناهي الصغر بنوعيه التجاري والتكافلي .
وفي سبتمبر الماضي، عقد الإتحاد المصري لشركات التأمين، مؤتمره الأول للتأمين متناهي الصغر في الأقصر.
رغم الفارق الزمني الشاسع بين إجتماع الدول الثمان وبين مؤتمر إتحاد التأمين، إلا أن العناصر التي دارت المناقشات حولها في كلا الحدثين كما هي لم تشهد أية فوارق، وأغلبها يصب في ضعف الوعي حينا وتكلفة ترويج منتجات هذا النشاط مقارنة بأقساطه أو عوائده أحيانا.
الفارق الوحيد، ان هناك إهتمامًا حكوميًا حقيقيًا علي الأرض بهذا النشاط، تم ترجمته في صورة مبادرات من البنك المركزي فيما سُمي بالشمول المالي، وهو ما استتبعه وضع استراتيجية شبيهة من الكيان التنظيمي- ممثلا في الإتحاد المصري للتامين– اسماها الشمول التأميني، علي إعتبار أن التمويل والتأمين وجهان لعملة واحدة.
الخلفية السابقة ضرورة كمدخل لطرح بعض الأسئلة في حوار مع سمير محمود، أحد المتخصصين في نشاط التأمين متناهي الصغر، وبصفته مدربًا معتمدًا بمركز التأمين متناهي الصغر بميلليمان الامريكية.
وإلي نص الحوار:
مصر عرفت متناهي الصغر في خمسينات القرن الماضي لكنه لم يحظي بالإهتمام الكافي
خبري: بدءً ما هو التأمين متناهي الصغر لاسيما وأن عدد كبير من المتابعين لايدرك ماهيته وأهميته؟
سمير محمود: التأمين متناهى الصغر ، هو ثمرة مشروعات التمويل المتناهى الصغر التي بدأها و طورها الاقتصادى و المصرفي محمود يونس الحائز على جائزة نوبل عام 1979 لمساعدة ملايين الأفراد في بنجلاديش – خاصة الفقراء و ذوى الدخل المنخفض- على انشاء مشروعات تجارية و صناعية صغيرة بل و متناهية الصغر علاوة على تغيير النمط المعيشى لهم بالمساعدة في شراء المنازل و تخفيض قيمة الفوائد على القروض.
أما في مصر فقد مورس فيها التأمين المتناهى الصغر لصالح الفقراء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي، وأُطلق عليه حينذاك التأمين الشعبى ، لكنه لم يستمر طويلًا ولم يحظي بالإهتمام الكافي ، مقارنة بالتأمين التقليدي.
ولا يجب أن نغفل الإشارة الي أن شركة AIG هي أول من أصدر وثيقة للتامين متناهي الصغر في أوغندا في نهاية سبيعنات القرن الماضي وتحديدًا عام 1979 ، ثم أصدرتها في دول أفريقية أخري شركة أليانز، ثم مينوخ ري ، وسويس ري.
خبري: وما هى الفئات التي يستهدفها هذا النوع من التأمين ؟
محمود: الفئات الأكثر عُرضًة للاخطار الاقتصادية و المالية ، سواء بسبب دخولهم المتدنية و الغير منظمة بل و الغير متوقعة ، أو لعدم إمكانية حصولهم على الخدمات التأمينية المعتادة من شركات التأمين التقليدية، وهناك أسبابًا أخري مثل عدم معرفتهم بالتأمين اجمالا- أو ما نسميه ضعف الوعي- أو بسبب تدني مستواهم الإقتصادي.
خبري: ألهذه الأسباب شركات التأمين التقليدية إبتعدت عن تلك الشريحة؟
محمود: بالطبع، لكن أيضًا يجب الإشارة الي أن تلك الشريحة تعاني من إخفاقات مالية أو عدم القدرة علي إدارة شئونهم المالية بما يضمن استدامة سدادهم أقساط التأمين متناهي الصغر حتي وإن كانت بسيطة ، ما يؤدى بهم الى تقليل الاستهلاك المعتاد والذي يستتبعه سلسلة من التصرفات المالية الغير ممنهجة ، مثل بيع الأصول او رهنها او الاستدانة من الغير ، ما يؤدى في النهاية الى وقوع الاسر و الافراد في مستنقع الفقر اللانهائى.
تأمين الـ SME’s يضمن إستدامة التنمية للفئات المستهدفة
خبري: وهل التأمين متناهي الصغر يمكنه أن يلعب دور في معالجة تلك الإشكالية؟
محمود: لا شك في ذلك، بل إن التامين متناهي الصغر دوره الحقيقي يكمن في قدرته علي ضمان استدامة التنمية الحياتية والمعيشية لتلك الفئات.
خبري: كيف؟
محمود: عن طريق توفير غطاء الحماية اللازم من الاخطار المالية التي سلفت الإشارة إليها ، بل إنه يتجاوز ذلك إلي تعويض الخسائر المالية للمشروعات الصغيرة و متناهية الصغر و الافراد ، ومن ثم سيحميهم من العودة مجددًا لمستويات المعيشة المنخفضة أو ما يمكن وصفه بالحياة تحت خط الفقر.
نجاح متناهي الصغر مرهون بالطلب العام العام و توافر قواعد البيانات المحدثة
خبري: إذا كان التأمين متناهي الصغر هام لهذه الدرجة، فكيف يمكن تطبيق قواعده ، أو بمعني أدق كيف يمكن معالجة أخطاره خاصة المرتبطة بعدم ضمان استدامة سداد الأقساط حتي وإن كانت بسيطة؟
محمود: توجد خمسة ركائز أساسية لإنجاح أي مشروع للتأمين متناهي الصغر سواء في مصر أو غيرها، فهي ركائز عامة، أولها البيئة الحاضنة للمشروع و مدى ايمانها به.
خبري: ماذا تعني بالبيئة الحاضنة؟
محمود: أقصد المشرع و المنظم باللوائح و القوانين التي تساعد في رسم خارطة طريق لكل الأطراف.
أما الركيزة الثانية فترتبط بالمجتمع التأمينى ، أقصد الشركات التي لديها الرغبة و القدرة على الاستثمار في تلك المشروعات ، بشرط أن يكون العميل هو المحور الاساسى ، و تكون هناك موائمة بين المكاسب المرغوبة و ما يقابلها من تغطيات توفر الحماية التامينية الواجبة للمستفيدين.
خبري: وما هي الركائز الثلاث الأخري؟
محمود: الطلب العام العام المتمثل في احتياجات الاسر و الأفراد داخل المجتمع ، مع ضرورة توافر قواعد البيانات المحدثة ، التي يُبني عليها الحسابات والدراسات الاكتوارية اللازمة لدراسة معدلات الاخطار يشكل دقيق.
أما الركيزة الرابعة، فتتضمن قنوات التوزيع القادرة على تسهيل مهمة تلك الفئات في الحصول على الفوائد المتوقعة باشتراكهم في مظلة التامين المتناهى الصغر ، وأخيرًا التكنولوجيا التطبيقية المتقدمة القادرة على تحمل كم هائل من البيانات و المعلومات الرقمية و تستطيع إعطاء تقارير مدققة مبنية على مدخلات صحيحة و محدثة.
خبري: عمليًا، هل يمكن لشركات التأمين التقليدية أن تستصدر وثائق التأمين متناهي الصغر أو تمارسه بشكل يتلائم مع تحدياته، أم الأفضل إنشاء شركات مستقلة أو متخصصة فيه؟
محمود: حاليا و منذ فترة ، بدأت بعض الشركات المحدودة في مصر إصدار وثائق تأمين متناهى الصغر ، ونجحت نسبيًا فيه، بل أنها أنشأت قطاعات خاصة داخل هياكلها التنظيمية لتقديم هذا النوع من وثائق التامين ، بشكل منفصل عن بقية قطاعات التأمين الأخرى، الا ان ذلك قد لا يضمن ضرورة فصل البيانات الخاصة بتحميلات الوثائق من مصروفات التشغيل الثابتة و المتغيرة و معدلات الاستثمار و الخسائر و ما إلي غير ذلك.
ولابد من الإشارة هنا، إلي أن جهة الرقابة ممثلة في الهيئة العامة للرقابة المالية، إنتبهت لهذا الأمر، لذلك خصصت موادًا خاصة في مشروع قانون التامين الموحد- الذي يناقشه البرلمان حاليًا بغرفتيه النواب والشيوخ- سمحت فيها بإنشاء شركات متخصصة في التامين المتناهى الصغر ، وهو من وجهة نظري الاطار الأفضل للتعامل على متناهى الصغر.
محاولات الشركات التقليدية حماية ” الصغيرة” تأمينيًا مهمة لكن إنشاء كيانات متخصصة أكثر أهمية
خبري: هل الجانب التوعوي الحالي كاف لهذا النوع التي يتمايز بأنه شديد الخصوصية؟
محمود: من وجهة نظري التي تحتمل الصواب والخطأ، هناك ضرورة مُلحة لتضافر كافة الجهود من الدولة و مؤسساتها و جمعيات رجال الاعمال و المؤسسات المانحة و شركات التمويل و، وكذا الهيئة العامة للرقابة المالية و الاتحاد المصرى للتأمين ، بالإضافة الي الشركات العاملة في السوق المصرية .
ما أقصده أنه يمكن البدء بفرض هذا النوع من التغطيات إلزاميًا علي الفئات المستهدفة سواء عبر عمليات الإقراض أو أثناء إستصدار تراخيص إنشاء المشروعات الصغيرة و المتناهية الصغر ، ولو لفترة زمنية ، علي أن يتم بعد ذلك طرح منتجات تطوعية أو حقن السوق بمنتجات جديدة ومبتكرة بصورة متدرجة ، استهدافا لإستحواذ هذه النوعية من المنتجات على النصيب الأكبر من قاعدة المنتجات المعروضة بالسوق.
خبري: هل هناك شروطًا أو مواصفات يجب أن يتمايز بها التأمين متناهي الصغر مقارنة بالتأمين التقليدي؟
محمود: بكل تأكيد، وأهم هذه السمات أو الشروط أن تكون المنتجات مبسطة خاصة في الصياغات بما لايخل بالقواعد القانونية بالطبع، ومحاولة الوصول للشرائح المستهدفة وبذل الجهد بغرض إستيعابهم لمضامين التغطيات، كما أن هناك ضرورة لسهولة الحصول علي تلك الوثائق بلا معوقات، وتقديم قيمة حقيقية أو بمعني أدق خدمة ملموسة للعملاء، وأخيرًا أن يكون فعال أو مؤثر وقادر علي تلبية إحتياجات العملاء في أي مكان وأي وقت.
خبري: ما المنتجات التامينية التي يستطيع ان يقدمها متناهى الصغر للمجتمع المصرى؟
محمود: مبدئيا ، ونظرًا لديناميكية الاحتياجات المالية و الأسرية المتجددة والمضطردة، ووفقا لترتيب أولوياتها ، لابد و ان يقوم مقدمى الخدمة بدارسة السوق و عمل فحص على ديموغرافية المجتمع حتى يستطيع ان يلبى تلك الاحتياجات.
اما من حيث المنتجات على سبيل المثال فهناك ضرورة لأن تغطى معظم الاحتياجات سواء في نشاط تأمين الحياة، خاصة في حالة وفاة عائل الاسرة ، و كذلك تغطيات الاسر و الافراد طبييا و تكاليف العلاج الطبي بالمستشفيات و الإقامة بها .
اما ما يخص المشروعات الصغيرة و المتوسطة و المتناهية الصغر فهناك الكثير ، منها- ذِكرًا لاحصرًا- الحريق و السطو و الالات و المعدات و فقد الايراد و الحوادث الشخصية للافراد ، و في بعض البلدان الافريقية و الهند و دول اسيا ، يتم تقديم تغطيات على المحاصيل الزراعية ، وما قد تتعرض له من اخطار التقلبات المناخية و الحرارة الشديدة و البرودة الشديدة و الافات و العواصف و تقلبات سعر البيع.