تبدأ شركات التأمين في مصر تطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية المعروف بالمعيار IFRS 17 ” عقود التأمين” – تجريبيا – الشهر الجاري.
الهدف من المعيار ، التأكد من أن شركة التأمين او المنشأة بشكل عام تقدم معلومات صحيحة تعكس هذه العقود ، وتعتبر هذه المعلومات قاعدة لمستخدمي البيانات المالية لتقييم تأثير عقود التأمين على المركز المالي للمنشأة وعلى الأداء المالي والتدفقات النقدية .
وكما هو معروف أن عقود التأمين تدمج ميزات كل من الأدوات المالية وعقد الخدمة وينتج عن العديد من عقود التأمين تدفقات نقدية ذات تقلبات كبيرة على فترات طويلة؛ بهدف تقديم معلومات مفيدة حول هذه الميزات.
ومن ثم فإن المعيار IFRS 17 يجمع بين القياس الحالي للتدفقات النقدية المستقبلية مع الإقرار بالربح خلال الفترة التي يتم فيها تقديم الخدمات بموجب العقد ؛ ويعرض نتائج خدمة التأمين – بما في ذلك عرض إيرادات التأمين)- بشكل واضح عن إيرادات أو مصروفات تمويل التأمين.
المعيار يتطلب من المنشأة تحديد سياسة محاسبية لاختيار ما إذا كان يجب الإقرار بجميع إيرادات تمويل التأمين أو المصروفات في الربح أو الخسارة أو الإقرار بجزء من تلك الإيرادات أو النفقات في إجمالي المداخيل.
تحديات تكنولوجية تواجه لاعبين في القطاع لتطبيق IFRS 17
بعيدًا عن المصطلح الفني للمعيار وتعريفه ودلالته ، إلا أن ما يهم غير المتخصصين ، أن هذا المعيار سيتم تطبيقه تجريبيا وفقا لرؤسات شركات تأمين – ديسمبر الجاري- وسيتم تطبيقه رسميًا في يوليو 2024 ، بحيث يتم اعداد ميزانيات العام المالي الجديد بناءً عليه.
التحدي ليس في المعيار ولا في تطبيقه – رغم ان شركات تأمين قالت انها تواجه بالفعل صعوبات في ذلك بالفعل سواء تكنولوجيا او فنيا ليس هذا توقيت الاستفاضة فيها- لكن التحدي الحقيقي يكمن في تأثير هذا المعيار على الميزانيات ، بمعنى أن هذا المعيار وتطبيقه سيؤدي الي بعض الامور منها وجود انفجارات في الارباح قد تكون إيجابية أو سلبية ، بمعنى ان شركة تأمين قد تفاجئ انها حققت ارباحا مهولة وأخرى تصاب بلعنة انخفاض الأرباح.
أسواق مجاورة طبقت المعيار فعليا ومنها الكويت ، وظهرت تأثيراته علي قوائم مالية لشركات تأمين ، منها قمنا بنشره علي الموقع الالكتروني لمجلة خبري ، وعلي سبيل المثال وليس الحصر ، شركة الكويت للتأمين ، والذي قال رئيسها التنفيذي ، سامي شريف ، تعليقا علي نتائج اعمال التسعة اشهر الاولي من العام الجاري 2023 ” أن تطبيق المعيار المحاسبي الجديد قد يؤدي في أول عامين من تطبيقه الي ظهور قفزات في الأرباح قد تكون إيجابية أو سلبية ، لافتا الي ان حجم هذه القفزات يتضاءل مع مرور الوقت إلى أن تستعيد مستواها الطبيعي مع نهاية العام الثاني من تطبيقها”.
صحيح ان هذه الانفجارات او التأثيرات تكون مؤقتة لمدة عامين حتي تستقر الميزانيات علي المعيار الجديد ، لكن الأهم ، ان هذا المعيار سيكون كاشف الي حد كبير لمستوي المنافسة في الشركات وآلياتها ، وبالتالي سيعمل علي احد امرين.
هل سيكشف المعيار الجديد ممارسات شركات تأمين السعرية؟
أما الأول فهو انكشاف ممارسات شركات تأمين التي تعتمد علي السعر سيبلًا وحيدًا لجلب القسط بغض النظر عن ماهية الخطر وطبيعته حتي وان كان بيع بالخسارة ، اي تغطية خطر بأقل من قيمته الحقيقية وهو ما يظهر تبعاته في اعادة التأمين والأهم ان ذلك سيؤثر علي عميل التأمين نفسه او حامل الوثيقة ، لان شركة التأمين لا يمكنها وفق هذا المعيار ان تجمل الميزانيات حتي وان كان تجميل مشروع.
علي نفس المسافة هناك مشروع قانون شامل وجامع للتأمين ، أخذ في اروقة الرقابة المالية لاسيما في إدارتها السابقة فترات زمنية ليست بالقصيرة ، سواء في اعداده او تمحصيه قبل طرحه للحوار المجتمعي وعرضه على الحكومة حتى وصل الي أعتاب البرلمان ، وخرج بموافقة عليه بشكل عام من مجلس الشيوخ وكذلك من اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب ، ليظل هذا المشروع رهين قرارًا بطرحه للنقاش في الجلسة العامة لمجلس النواب.
بالتأكيد المشاغل والهموم الوطنية الأنية اصبحت اكبر من مشروع قانون التأمين ، وصحيح ايضا ان فقه الاولويات هو الذي يجب ان يخيم علي الاجواء ، فلا عاقل يمكنه الاعتراض علي ذلك ، لكن التحد هو ان شركات تأمين بل شركات التأمين كلها كانت تعول علي مشروع قانون التأمين في مد مظلة حمايته علي شرائح عديدة إلزامًا وليس اختيارًا ، سواء من خلال التغطيات المرتبطة بالمسؤوليات او غيرها.
التعويل علي هذه التغطيات لضمان جلب حصيلة معتبرة من الأرباح بصورة مريحة كان كفيلًا بأن تكتفي شركات تأمين بما جمعته منها ، دون التنازل عن المعايير الفنية المرتبطة بالاكتئاب ، او بمعني ادق لن تجد أمامها حُجة أو مبرر لمنازلات سعرية تضر مراكزها المالية علي الاجل المتوسط وعلي حقوق حملة الوثائق.
البعض قد يري ان القضيتان ، المعيار المحاسبي IFRS 17 ومشروع قانون التأمين ، لا يربطهم رابط ، لكن الحقيقة ان الرباط الذي يجمع كليهما رباطًا يشبه الزواج الكاثوليكي ، اي أنه لا ينفك بينهما.
ما نقصده أنه إذا تم إصدار مشروع قانون التأمين بسلام وفي وقت سريع ، تضمن شركات التأمين أنها لن تلجأ إلى ممارسات سعرية تضرها ، وينكشف أمرها بعد تطبيق المعيار الجديد ، أما تأخر صدور مشروع القانون يعني ان الشركات ستضطر – وفقا لمبرراتها التي نختلف أو نتفق عليها- الي الاستمرار على نفس نهجها في الممارسات السعرية الضارة حينا والمدمرة أحيانا ، وهو ما سيكشفه بصورة جلية بعد إعداد ميزانيتها اعتمادا على المعيار الجديد.
متي تتدخل الرقابة المالية لإشهار سيف المعز وليس ذهبه؟
هنا يأتي دور الرقابة المالية برئاسة محمد فريد ، الذي سيكون أمام خيارين كلاهما مُر ، اما التدخل وإنفاذ قانون التأمين الحالي رقم 10 لسنة 1981 وتعديلاته بالقانون 118 لسنة 2008 ، ولائحته التنفيذية ، لاسيما البنود التي تسمح للرقابة بإشهار سيف المعز وليس ذهبه ، بمعنى انذار شركات التأمين التي ترتفع معدلات خسائرها بصورة متكررة في فروع محددة ، انتهاءًا بشطب الترخيص ، وأما الخيار الثاني يكمن في التهاون مع شركات تأمين ، وهو خيار مستبعد لأن جهة الرقابة دورها إنفاذ القانون أيا كانت نتائجه ، لاسيما وان دور الرقابة حماية حملة الوثائق وليس حماية شركات التأمين.
السؤال الاستفساري الاخير الذي باتت إجابته في خزينة الرقابة المالية نفسها ، هل استعدت شركات التأمين لتطبيق المعيار المحاسبي الجديد؟ وكيف ستتعامل الرقابة المالية بعد اعداد الميزانيات وكشف عوار ميزانيات شركات تأمين وليس كلها كما استلفنا – بالطبع عن حسن نية – ؟