فريد لطفي ، أمين عام جمعية الإمارات للتأمين ، لايخلو محفل دولي أو إقليمي او عربي إلا وتجده حاضرًا فيه ، مُشاركًا في النقاشات التي تدور بجلساته ، متشابكًا كثيرًا مع هموم التأمين عربيًا ، يستفيض في الطروحات التي يعرضها ، مستعرضا المشاكل وحلولها ، لانه يعي ان الحياة بأسرها حلول لمشاكل ، كما قال الفيلسوف الألماني كارل بوبر.
إلتقت مجلة خبري ، أمين عام جمعية الإمارات للتأمين ، علي هامش مؤتمر العقبة الدولي التاسع ، الذي إستضافته المملكة الأردنية الهاشمية شهر مايو ، ونظمه الاتحاد الأردني للتأمين.
لم تقتصر التساؤلات المقتضبة التي طرحُت علي “لطفي ” ، علي السوق الإماراتية ، بل تجاوزتها لأتراح وأفراح نشاط التأمين عربيًا ، لاسيما وأنه استهل المقابلة بالتأكيد علي تشابه الاسواق العربية نسبيًا من حيث الطبيعة الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وبالتالي تتشابك في همومها وآمالها.
أجري الحوار في الأردن – ماهر أبو الفضل :
وإلي نص الحوار :
خبري: بداية ما اختصاصات جمعية الإمارات للتأمين ؟ وهل عضويتها إلزاميًا علي الشركات أم إختياري؟
لطفي: جمعية الإمارات للتأمين تم إشهارها قبل ثلاثة عقود ونصف تقريبا ، بموجب القرار الوزاري رقم 62 لسنة 1988 ، وصدر نظامها الأساسي بقرار وزير الاقتصاد رقم 45 لسنة 1989 .
العضوية في الجمعية إلزامية ، وهي تهدف إلى تنمية وتدعيم التعاون بين شركات ووكلاء التأمين الأعضاء ، ودراسة احتياجات سوق التأمين في الإمارات ، في إطار القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2018 الخاص بإشاء هيئة التأمين وتنظيم أعماله وبشكل يتفق مع التوجيهات الاقتصادية التي يصدرها رئيس الدولة.
خبري: هل عضوية الجمعية قاصر علي شركات التأمين كما في مصر؟
لطفي: بالعكس هي تضم كافة أطياف وأطراف صناعة التأمين الإماراتية ، ومنها شركات التأمين سواء وطنية أو أجنبية ، والاكتواريين ، ووكلاء شركات التأمين الأجنبية والوطنية ، وشركات أدارة محافظ التأمين الطبي TPA ، بالاضافة الي مستشارو التأمين من الشخصيات الاعتبارية او الافراد ، ومعاينو الخسائر ومقدروا الاضرار من الشخصيات الطبيعية والاعتبارية ، والوسطاء.
خبري: كم عدد شركات التأمين في الامارات؟
لطفي: يعمل في سوق التأمين الاماراتية نحو 58 شركة بتنوع أنشطتهم وأساليب عملها.
خبري: هل هذا العدد من الشركات أكبر من متطلبات السوق ام ان السوق يستوعب هذا العدد؟
لطفي: بكل تأكيد هذا العدد كبير مقارنة بحجم السوق ، ولابد من تقليص عددها من خلال الدمج والاستحواذ ، وهي خطوة بدأت فعليا ، لان عدد الشركات كان قد وصل الي 62 شركة ، ولكن أجريت بعض الاندماجات والاستحواذات ، فإنخفض العدد إلي 58 شركة.
سوق التأمين الإماراتية علي أعتاب حركة إندماجات واستحواذات خاصة بين شركات التكافلي
خبري: وهل سوق التأمين الاماراتي بات علي أعتاب مرحلة جديدة من الاندماجات والاستحواذات؟
لطفي: بالفعل هناك حراك للاندماج والاستحواذ خاصة بين الشركات الجديدة التي تمارس التأمين وفق الاسلوب التكافلي او الاسلامي.
عدم قدرة الشركات الإسلامية علي المنافسة لأسباب مرتبطة بالامكانيات وليس بالطلب
خبري: ما اسباب قصر هذه الاندماجات والاستحواذات علي شركات التكافل، هل لانخفاض الطلب علي منتجاتها ام لعدم قدرتها علي المنافسة؟
لطفي: نظرًا لعدم القدرة علي منافسة الكيانات التي وُجدت قبل عقود ، لاسباب لها علاقة بالامكانيات وليست مرتبطة بحجم الطلب او المعروض.
خبري: ما الحد الادني لرؤوس اموال شركات التأمين الاماراتية وإعادة التأمين في حال الرغبة لتأسيس كيان في هذا السوق؟
لطفي: الحد الادني لراس المال المدفوع لشركات التأمين لايقل عن 100 مليون درهم إماراتي ، اما شركات الاعادة فلا يقل حدها الأدني لرأس المال المدفوع عن 250 مليون درهم .
إنشاء كيان عربي للإعادة ضرورة بشرط دعمها فنيا وبرأسمال لايقل عن 600 مليون دولار
خبري: تم دمج المصرية لإعادة التأمين عام 2007 ، و” أريج” لم تعد كما سابق عهدها، في ظل هذه المعطيات وفي ضوء المتغيرات الجيوسياسية المضطردة التي اثرت علي صناعة التأمين، هل السوق العربي في إحتياج مُلح لشركة عربية للإعادة؟ ام ان الصناعة والعولمة جعلت من انشاء كيانات اقليمية او وطنية للإعادة ليس ذا دوي كما في الماضي؟
لطفي: بكل تأكيد المنطقة العربية في إحتياج ضروري لكيان عربي لإعادة التأمين ، ولكن بشرط ان يكون هناك دعم لها، سواء من حيث تدبير رأس المال والذي لايجب ان يقل عن 600 مليون دولار ، او اسناد العمليات لها ، مع تحسين سياسات القبول في الاخطار التي يتم اسنادها لهذا الكيان ان وجد.
الإماراتيين يجأرون من زيادة أسعار التأمين والشركات لم ترفعها بل عادت للمؤشرات القديمة
خبري: إذا كان عدد شركات التأمين في السوق الاماراتية كبير، فلماذا يجأر العملاء من زيادة أسعار التأمين، هل هذا يعني زيادة الطلب وانخفاض المعروض؟
لطفي: ليس زيادة في الطلب ولا انخفاض في المعروض، بل دعني ازيدك الشعر بيتًا ، شركات التأمين الاماراتية دخلت منحني عنيف من المنافسة السعرية فيما بينها.
خبري: كيف تكون هناك منافسة سعرية وفي الوقت نفسه يشكو العملاء من زيادة الاسعار؟
لطفي: دعني أضبط هذه النقطة ، بمعني ان شركات التأمين تأثرت كغيرها من الاثار السلبية لجائحة كورونا وبعد المخاطر الجيوسياسية ، وكانت امام خياران كلاهما مُر ، إما الاستمرار في المنافسة السعرية والتركيز علي الـ Top-Line ، أو تغيير الاستراتيجيات وتعديل الاستهداف ليكون علي الربحية الفنية او الـ Bottom-Line .
الخيار الامثل كان العودة الي الأسس الفنية واستهداف الـ Bottom-Line ومن ثم تم العودة للاسعار القديمة وليس رفع الاسعار ، ولكن العملاء يرون ان العودة للاسعار القديمة هو زيادة في الاسعار خلافًا للحقيقة.
خبري: قلت ان الشركات تأثرت من جائحة كورونا رغم ان فروع كالتأمن الطبي استفاد من هذه الجائحة ، فلماذا تم زيادة اسعار التأمين؟
لطفي: تم زيادة اسعار فروع معينة ليس من بينها التأمين الطبي بل علي العكس تم خفض اسعاره بسبب المنافسة ولكن ايضا دون التنازل عن الاسس الفنية السليمة.
الاتفاق علي مؤشر تسعير بين الشركات الاماراتية كان معنويا وليس مكتوبًا لخطورة المنافسة السعرية
خبري: كيف اتفقت شركات التأمين علي العودة للقواعد الفنية السليمة دون خرقها فيما يخص التسعير، هل هذا نتيجة اتفاق معلن ام العقل الجمعي كان له النصيب الاكبر في ذلك؟
لطفي: لم يكن هناك اتفاقا مكتوب ولكن الوعي الجمعي رأي ان خفض الاسعار سيكون له آثارًا وخيمة ، سواء علي العملاء او الشركات ومساهميها ، ولذا تم الاتفاق معنويا علي عدم الاستمرار في المنافسة السعرية.
المعيار المحاسبي IFRS سيضبط إيقاع المنافسة لانه يكشف ماهية الأرباح المحققة
خبري: هل المعيار المحاسبي الجديد IFRS 17 سيضبط إيقاع اسواق التأمين تسعيريًا؟
لطفي: بكل تأكيد لان هذا المعيار مثلما شُرح خلال جلسات مؤتمر العقبة التاسع ، يفصل بين العوائد الفنية والأرباح الاستثمارية ، ومن ثم فلا محيص – أو مهرب- لشركات التأمين من الالتزام بالأسس الفنية عبر العودة لمؤشرات التسعير المنضبطة التي تضمن تحقيق نتائج فنية مقبولة تنعكس بالتأكيد علي جودة الخدمة وعلي ارباح المساهمين.
خبري: ولكن مساهمو الشركات يستهدفون الارباح الكلية بغض النظر عن روافدها سواء فنية او استثمارية ، فكيف سيضبط المعيار المحاسبي الجديدة هذه الاشكالية لاسيما مع ضغوط بعض المساهمين للادارات التنفيذية لتحقيق مستهدفات لها علاقة بالارباح؟
لطفي: لا اختلف معك ، لكن المعيار المحاسبي سيكون كاشف لنوع الارباح والرافد المحقق منها ، هل هي استثمارية ام فنية ، والوزن النسبي لكليهما في المؤشرات الكلية ، لكن الاهم ان هذا المعيار سيكون كاشف لجهات الرقابة والتي لاتقبل تكبد شركة تأمين خسائر فنية مقابل تعظيم الربح الاستثماري.
خبري: التحديات التي تواجه سوق التأمين العربي؟
لطفي : الاتحاد قوة
خبري: ماذا تقصد؟
لطفي: أقصد أن التحديات معروفة ولكن ما ليس معروفًا او قد يحاول البعض عدم التطرق إليه هو ضرورة وجود تكتل عربي تأميني ، ولكن ليس تكتلا بالمعني الحرفي بمعني إنشاء كيان عربي معين سواء تأميني او لإعادة التأمين ، بل أقصد الاتفاق الجمعي عربيا علي ضرورة التحلي بروح الحيادية في التسعير دون إفراط في المنافسة لضمان تحقيق مكاسب لكافة الاطراف.
ما أعنيه هو ضرورة الاتفاق العربي علي قيم تأمينية محددة من خلال يتم المنافسة ، لأن المنافسة لا تعني ان يكون هناك طرف رابح وأخر خاسر ، بل يمكن ان تكون هناك منافسة جميع أطرافها رابحون ، دون إضرار العميل او التغول علي حقوقه سعريًا ، او تقديم خدمة بسعر أكبر من جودتها ، بل عدالة التسعير التي يعرفها الكافة ويتناساها الكثيرين.
العميل يبحث عن السعر الاقل والجودة الأعلي والمنافسة السعرية تفقده الثقة في التأمين
خبري: هذه جُمل أفلاطونية تشنف الأذان لكنها لاتسمن ولا تغني من جوع ، بمعني ان عدالة التسعير أمرا لا خلاف عليه ولكن واقعيا هناك ما يسمي بسياسة الأرض المحروقة التي تعكس رغبة شركة ما الفوز بمعظم كعكة الأقساط علي حساب مؤشر التسعير للاستفادة من عوائد الاستثمار دون النظر إلي فاتورة ذلك علي الصناعة بشكل عام؟
لطفي: أتفق مع ذلك ، ولهذا هناك عدم ثقة في شركات تأمين بالسوق العربية، ولاحظ انني قلت شركات تأمين وليس شركات التأمين كافة.
خبري: ومن أين تولد الشعور بعدم الثقة؟
لطفي: من المنافسة السعرية ، وتغيير المؤشرات التسعيرية في كل شركة من عام لأخر ، وبالتالي فالعميل نفسه يسعي للسعر الأقل والخدمة المتاحة بأعلي جودة ، ورغم أنهما ضدان متعارضان، لكن هذا حق للعميل او للزبون.
لكن تغيير مؤشر التسعير وتغيير العميل للشركة التي يتعامل معها عامًا تلو الأخر ، بسبب التصارع سعريا عليه ، يفقده الثقة في نشاط التأمين بشكل عام ، لاسيما في حالة وجود تعويض مستحق ، ومماطلة شركة التأمين في سداده تزرعًا بأسباب قد تكون غير منطقية ، او هكذا يراها العميل ، وهذا هو جوهر المُشكلة وأساسها ، رغم انه من المفروض نظريا ان يظل العميل مع شركة التأمين التي يتعامل معها ايا كان مؤشر التسعير الذي تعمل به ، بشرط ضمان مستوي خدمة مقبول ، لان شركات التأمين قبل ان تبيع وعدً بالتعويض هي تشتري ثقة العميل وهو الرصيد الذي لاينضب.
خبري: هل لوسطاء التأمين دور في هذه المنافسة السعرية المشتعلة في سوق التأمين العربية؟
لطفي: بالتأكيد عليهم جزءًا من المسئولية وليست كل المسئولية ، فليس من العدالة تحميل العبء كله علي طرف وإهمال الأطراف الاخري.
سندرس وضع حد أقصي لعمولات الوسطاء بالتنسيق مع مصرف الامارات المركزي
خبري: هل يوجد سقف او حد اقصي لعمولات وسطاء التأمين في السوق الإماراتية؟
لطفي: لايوجد حاليًا ، ولكن هناك مطالب من شركات التامين سندرسها كجمعية بالتنسيق مع مصرف الامارات العربية المتحدة المركزي ، بوضع حد أقصي للعمولات او علي الأقل متوسط عام لنسب العمولات.
نسبة نمو التأمين الاماراتي يدور حول 11% ونتوقع الوصول إلي 13% العام الحالي
خبري: ما متوسط نسبة نمو سوق التأمين الاماراتي؟
لطفي: متوسط نسبة النمو يدور حول 8 إلي 11% واتوقع ان يرتفع إلي 13% العام الحالي.
مساهمة التأمين في الدخل القومي بالامارات 3.5% ولابد من التوسع في التغطيات الالزامية
خبري: ما نسبة مساهمة التأمين في إجمالي الدخل القومي الاماراتي؟
لطفي: تدور حول 3.5% تقريبا
تأمينات الحياة أحد الفرص المتاحة وعلي الشركات إلتقاطها بالمنتجات الجديدة
خبري: ما الفرص المتاحة في سوق التأمين العربي؟
لطفي: الفرص المتاحة تكمن في نشاط تأمينات الحياة والذي لم يصل الي المستوي المطلوب ، وهو ما يجب استثماره من الشركات القائمة او الكيانات الجديدة من خلال طرح منتجات مبتكرة تلبي طموحات العميل وتلائم التغيرات المضطردة.
واود الاشارة الي ضرورة التوسع في التأمينات الالزامية خاصة المرتبط بالمسئوليات ، لانه سيساهم في زيادة مساهمة في التأمين بإجمالي الناتج القومي ، ويعزز مكانة التأمين كنشاط ، ويعمل علي توسيع مظلة الحماية للعميل ، والتوسع في التأمين الاجباري او الالزامي سيحفز العميل للتعرف علي ماهية التأمين وهذا هو خلاصة القول وصفية البيان وما تصبو إليه شركات التأمين وهو زيادة الوعي التأميني.
خبري: من خلال وصفك لفرص وتحديات سوق التامين الإماراتي وبعد ان عرجنا علي السوق العربي ، أتري أن هناك تشابه في الفرص والتحديات عربيا؟
لطفي: بكل تأكيد التحديات متشابهة وكذلك الفرص ، ولذلك طلبت أن يكون هناك إتفاقًا جمعيا بين اسواق التأمين العربية لان ذلك سيعزز من مكانة النشاط علي مستوي المنطقة وبالتالي ستصبح قِبلة للمستثمرين ، ومحفز لشركات إعادة التأمين العالمية.