ليس صعبًا الحصول على حصة سوقية ، من أقساط التأمين على مستوى القطاع، لكن من الصعب تحمل فاتورة هذه الحصة ، إذا كان أسلوب المضاربة السعرية ، وليس المنافسة الموضوعية– فالإختلاف بينهما كبير- سلاح وحيد ، لبلوغ الهدف، فلم تعد الحصة السوقية مغنمًا فى حد ذاتها ، وإن كانت مهمة فى الوقت نفسه.
تعاظم أهمية الحصة السوقية أو الـ market share وقيمتها ، مرتبط بعلاقتها بالنتائج الفنية المحققة ، أو ما يُعرف بفائض الاكتتاب التأمينى، لدلالتها ، على اعتبار أنها مؤشر ، لانتقاء الخطر حينا ، وتسعيره بشكل يتناسب مع المعايير الفنية أحيانا أخرى.
زيادة الحصة السوقية لسبع شركات وإنخفاضها في 14 شركة في 2020
البيانات الرسمية الصادرة من الجهات الرقابية، كشفت عن إرتفاع الحصص السوقية لسبع شركات تأمين ممتلكات، وخمس حياة، في 2020، مقابل إنخفاض الحصة السوقية لـ 14 شركة ممتلكات ، و8 شركات حياة، فيما حافظت ثلاث شركات ، علي نفس حصصهم السوقية، منها إثنتان في الحياة والثالثة في الممتلكات.
علي كلِ، تغني البعض بحصته السوقية، وأنه نجح بكفاءته- أو هكذا يعتقد- في زيادتها، ولم يقتصر الأمر علي ذلك، بل زاد أخرون الطين بلة ، بإيهام البعض – مستغلين سذاجة عوام الناس- أنهم ، علي مقربة من دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
سألني أحدهم، ما رأيك؟ ألم أقل لك يومًا ، أننا قادرون علي تغيير معادلة السوق؟!! ، وأننا سنصبح رقمًا في معادلة نموه؟؟؟ ، بل أننا خلال سنوات ليست ببعيدة ، سنصبح في قائمة العشر الكبار Top ten ؟.
تظاهرت بالبلاهة ، وأجبته بالفعل نجحت في القفز بحصتك السوقية ، لنسبة لا ينكرها إلا مُغيب، لكن كيف وصلت لها؟ أجابني والإبتسامة كادت تشق فًكيه ، ليس مهمًا كيف، المهم النتيجة، أليس هذا مبدًأ ميكافيليًا ، فالغاية تُبرر الوسيلة ، سألته مجددًا عن العوائد الفنية المُحققة ، أو الأرباح الفنية؟ ، اجابني –مستغلًا بلاهتي- أنه نجح في تحقيق ربح كُلي للشركة وللمساهمين – يقصد بالربح الكلي هنا ، العوائد الفنية مضافًا إليها عوائد الأموال المستثمرة- .
لم أتمادي في هذا الجدل البيزنطي، فيبدو أنني أخفقت في توصيل ما أريده من سؤالي، تركته وشأنه، قبل أن أعود للبيانات الرسمية م، ُحللًا لأرقامها، بخصم التعويضات المباشرة والمصاريف العمومية ، والإنتاجية من الأقساط المباشرة، بغية الوصول للأرباح الفنية.
يا لها من مفاجأة!! ، شركات ملأت الدنيا ضجيجًا ، وأسمعت في منافسيها ما قاله مالك في الخمر، هالوا التراب علي أترابهم، متباهين بالحصة السوقية التي حققوها، رغم أن الحقيقة المُرة ، هي أنهم حولوا شركاتهم من الربح للخسارة، بعد أن أصابوا فائض الإكتتاب بالعجز.
هم مدركون لهذه الحقيقة، لكنهم نجحوا في تحقيق أرباح كلية ، رغم عجز النشاط !!، من خلال الأرباح التي حققوها من استثمار أموال حملة الوثائق، والتي عوضت من خلالها عجز النشاط التأميني، وتجاوز هذه الكارثة التي لايعرفها إلا المتخصصون.
أهمية الإرتباط الشرطي بين الحصة السوقية وفائض الإكتتاب
ما أريد أن أناقشه ، مرتبط بأهمية الحصة السوقية للأقساط المباشرة من عدمها، وأهمية الارتباط الشرطي المطلوب بين تلك الحصة ، وبين فائض الإكتتاب التأميني، لتحقيق وفورات من الأرباح الفنية، دون الاعتماد علي عائد الاستثمار.
لم أطالب بعدم المنافسة، لكن السؤال ، ما هو اساس المنافسة ؟ هل وفق آليات وأسس مدروسة؟ فيما يُعرف بالسياسة الإكتتابية لكل شركة تأمين؟، والدراسات الإكتوارية التي تهدف جُلها لتحقيق شركة التأمين أرباحًا من النشاط الفني؟ أم أن هذه الأسس وتلك الدراسات باتت نظريات لاتثمن ولا تغني من جوع؟!!!.
المنافسة في حد ذاتها أمرًا طيب ، بل ومطلوب، لقدرتها علي فرز الغث من السمين ، لكن ليست المنافسة التي تضر بالعميل، وهو الرقم الأصعب والأهم في أي معادلة تسويقية، فبدونه لن يكون هناك استثمار، ولا فرص عمل، كونه المُستهلك والمُشغل لأي نشاط.
خطوات الجهة الرقابية – المسئولة عن قطاع التأمين، وهي الرقابة المالية – أسرع وأوسع من السوق، لقيام الرقيب بدوره عبر إصلاحات رقابية ، بقرارات مُلزمة حينا، وإصلاحات تشريعية أحيانا أخرى.
أهمية التقرير السنوي للسياسة الاستثمارية
أخر إجراءات جهة الرقابة، كانت بإلزام شركات التأمين ، بتقديم تقريرًا سنويًا لسياستها الاستثمارية ، في قوائمها المالية، مع عدم تضمين صافي الأرباح القابلة للتوزيع ، بما تم ترحيله او إحتجازه من أرباحًا محققة ، في سنوات سابقة.
إلزام الشركات بتقرير سنوي عن السياسة الاستثمارية، سيجُبرها علي تحويل قطاعات الاستثمار، لرقم فاعل بعد أن كانت مفعولًا به وفيه، أقصد موظفين إدارة فقط وليس واضعوا سياسات ، ما سيغير من طبيعة الممارسة داخل سوق التأمين ، ومن ثم سينعكس ذلك علي نتائجها.
قامت الجهة الرقابية بدورها، لتظل الكرة في ملعب الشركات، فليس من الصعب أن تضيف لأرصدة الأقساط المزيد من الأصفار ، كل ما عليك هو أن تنحى معايير الاكتتاب الفنى جانبًا، تلقيها على قارعة الطريق، وتكتفى بسلاح واحد، ومنصة وحيدة تنطلق من خلالها، أقصد الممارسات السعرية، رغبة فى جمع الأقساط للاستفادة من عوائد استثمارها من ناحية، وكما قلت التباهى بالحصة السوقية من ناحية أخري.
لكن هل لهذا الأسلوب أعراض جانبية ؟، قد تتطور تلك الأعراض لتصبح مرضًا عضالا يصعب الشفاء منه؟ ، بالطبع، نعم، فكما أن الإنسان يكتب ما يقرأ ، كذلك المعطيات ستؤدى لنتائج ، تتسق وتتفق مع طبيعة وماهية المعطيات نفسها.
ودون تفلسف، فإن المضاربة السعرية ، ستضيف كما قلت أصفارًا على يمين رصيد الأقساط ، لكن فاتورتها ستتعاظم يومًا تلو الآخر، ومن بينها تآكل الأرباح الفنية ، أو ما يُعرف إصطلاحًا بفوائض الاكتتاب التأمينى، ناهيك عن عدم القدرة على إعادة المخاطر ، لدى شركات ذات تصنيفات ائتمانية، والتى تمثل الظهير الإستراتيجى وغطاء الحماية لشركات التأمين المباشر.
للممارسات أو المضاربات السعرية فوائد، منها تعظيم حصيلة الأقساط والاستفادة من عوائد استثمارها، ومن ثم تعويض الخسارة الفنية، لكن، وآه من لكن، لن تجد شركة التأمين ظهيرًا إستراتيجيًا قويا، أقصد معيد تأمين يمكنه قبول تلك المخاطر بهذه الأسعار، ليس فقط لسوء النتائج الفنية، لكن لأن شركات الإعادة تتجرع مرارة الخسارة الفنية ولا تتذوق حلاوة عوائد الاستثمارات التى حققتها شركة التأمين، واستندت عليها لتعويض الخسارة الفنية.
طريق مضمون للحصة السوقية
هناك طريق آخر ومختلف، ستصل به لنفس الحصة السوقية، ولكن بوتيرة أبطأ، إلا أنها ضامنة لنقطتين، أولاهما استدامة معدلات النمو، وثانيتهما كسب المزيد من ثقة العملاء فى صناعة تقوم فى الأساس على شراء وبيع الوعد، أى وعد بالتعويض، الطريق هو الالتزام بمعايير الاكتتاب الفنى، وعدم تدخل الإدارة التنفيذية بأى شكل- تلميحًا أو تصريحًا- لمسئولى الاكتتاب لاتخاذ قرارات تتعارض مع المعايير الفنية.
قد يمتعض البعض، ولسان حاله يقول “اللى إيده فى الميه مش زى اللى إيده فى النار”، فى إشارة إلى ضغوط المساهمين فى “””بعض الشركات””” على الإدارات التنفيذية لتحقيق رقم معين من الأقساط!! بغض النظر عن تأثير ذلك على شركة التأمين فى الأمد المتوسط وليس الطويل.
متي تتحلي الإدارة التنفيذية بشجاعة الاعتذار؟
هنا، يجب أن تتحلى الإدارة التنفيذية بشجاعة الاعتذار عن الاستمرار فى المنصب، خاصة وأن الانصياع لضغوط المساهمين، أو أى جهة، ستترتب عليه نتائج كارثية، منها على سبيل المثال، تدخل جهة الرقابة وإلزامها بزيادة رؤوس الأمول لدعم القاعدة الرأسمالية وتقوية المخصصات، وفى حال عدم الاستجابة، سيكون الخروج من السوق قرارًا حتميا ستتخذه الجهات الرقابية، حماية للعملاء بشكل خاص وللسوق بشكل عام.
أيضًا يمكن وضع خطة طموح تستهدف بها الربحية المحققة من النشاط التأمينى دون إغفال الحصة السوقية ، من خلال تعزيز التواجد داخل سوق التأمين ، عبربعض الأسلحة والمنصات الدفاعية، من بينها تحديث المنتجات وابتكار الجديد الذى يتلاءم مع احتياجات العملاء فى ضوء المخاطر المطردة.
لابد أيضًا من التسلح بالتصنيف الائتمانى ، والذي لم يعد ترفًا أو شعارًا تتباهى به وتتماهى من خلاله، لأنه أصبح أداة رقابية جديدة يتم من خلاله تقويم السلوك التأمينى حينًا واستشراف فرص النمو من خلاله أحيانا.