قبل عشرة أيام أبلغني أحد المصادر أن رئيس القابضة للتأمين على وشك الرحيل؛ لأسباب ليس هذا توقيت ولا مكان الولوج في تفاصيلها، فهناك من أولى بتناولها بصورة رسمية وليست إعلامية.
الخميس الماضي ذهب الرئيس لمقرِّ الشركة مودعًا العاملين فيها وكأنهم في حاجة لوداعٍ! وأُعلن الخبر بصورة رسمية، وأنه استقال -تأدبًا- بعد تفويض من الجمعية العمومية لوزير قطاع الأعمال العام لإعادة تشكيل مجلس الإدارة.
طوينا الصفحة بما فيها، فليس من الفروسية ولا الشهامة الأدبية أن نهيل التراب على من غادر موقعه.
مقطوعة كلامية لا تشنف الأذن
دون إسهاب رغم أهميته، خرج علينا الرئيس المُستقيل -تأدبًا- بمقطوعة كلامية عنونها بـ “آن للفارس أن يترجل”!!! ظانًّا أنها ستشنف أذان من لم يتبقَ لديهم أذن للسمع في الأساس.
لن أخوض في تحليل عنوان المقطوعة الكلامية، التي امتدح فيها نفسه واصفًا ذاته بالفارس المُترجل!، لكن يهمني أن أخوض فيما حاول دسَّه في تلك المقطوعة من أرقامِ، لا سيما المرتبطة بنشاط التأمين، واهمًا غير المتابعين أنها إنجازات!.
من بين تلك الأرقام، تلك التي أشار فيها إلى أنه نجح في زيادة الأقساط -يقصد إجمالي الأقساط وليس الاكتتاب المباشر- من 13 إلى 20 مليار جنيه، خلال سنوات أربع، أي أنه حقَّق نموًا بلغ 53.8% كنسبة مُركبة على أساس سنوي.
رقم مغرٍ يفتقد الدقة
حقًّا الرقم مغرٍ، والانطباع الأول لغير المتابعين أنه حقَّق فتحًا لم يحققه سابقوه، لكن غاب عنه أن إجمالي أقساط سوق التأمين -وفق البيانات الرسمية المُعلنة والمتاحة من الرقابة المالية- شهدت نموًا خلال ثلاث سنوات فقط من 2018 إلى 2021 نحو 61%، لترتفع من 29.5 مليار جنيه في يونيو 2018 لتصل إلى 47.5 مليار جنيه في يونيو 2021، وبالطبع نسبة النمو ستزيد عن 61% بعد الإعلان عن مؤشرات يونيو 2022.
معنى ذلك أن نسبة النمو التي ادَّعى أنها إنجاز هي في حقيقة الأمر إخفاق يُنسب عليه وليس له.
هذا من حيث الشكل، أما عن المضمون لم يُفصح لنا صاحب المقطوعة عن ماهية تلك الأقساط ومعدلات نموها، أعني كيف تولدت؟ لم يذكر أن نسبة كبيرة منها جاءت بسبب إعادة تقييم الأصول بسبب تحرير سعر الصرف، أي أنها لم تكن بسبب عمليات جديدة، أو زيادة الأسعار في أضعف الإيمان، ولكن بممارسات يعلم القاصي والداني بمعانيها وما أعنيه.
وأما عن النقطة الثانية، وهي جوهرية أيضًا -من وجهة نظري المتواضعة- لم يُعرِّج قليلًا على الحصص السوقية للشركات التابعة، التي يتباهى أنه نجح في أن تكون 10 شركات بدلًا من 4، واصفًا إياها بأنها كانت تعمل في جُزر منعزلة، رغم أنه كان نائبًا لرئيس القابضة خلال عمل تلك الشركات كجزر مُنعزلة!.
تآكل الحصة السوقية بنسبة 4.6 % خلال ثلاث سنوات
تسلَّم الرجل الشركات التابعة وحصة الشركتين الحكوميتين من الأقساط المباشرة 39.1% في يونيو 2018، لتنخفض إلى 34.5% في يونيو 2021 -وفق الأرقام الرسمية المُعلنة-.
إجمالي إيرادات مصر للتأمين -بناءً على قائمة المركز المالي المجمعة للقابضة في 30 يونيو 2021- تراجعت إلى 5.6 مليار جنيه في العام المالي 2020/2021 مقارنة بإجمالي إيرادات بلغت 5.8 مليار جنيه في العام المالي السابق.
المساحة تضيق على تحليل بيانات الشركات التي رحل عنها وهي مثخنة بالجراح.
لم نسعَ لأن ننكئ في النتائج الجراح تحليلًا -على الأقل بعد رحيله- لولا مقطوعته الكلامية التي لم تشنف أذان العاملين بل أرقت مضاجعهم صباح مساء.
إتهام السابقين تلميحًا دون تصريحِ بالتقصير
يتباهى بأنه تسلم الشركات الأربع جُزرًا منعزلة، وهو بذلك يتهم السابقين تلميحًا دون تصريحِ بالتقصير -وهم أولى بالرد عليه- ورحل منها “بعد أن نزل عن حصانه مترجلًا”، تاركًا خلفه عشر شركات!! لكن غاب عنه ذكر أنه شارك في إنشاء شركات تُمارس أنشطة مشابهة للأنشطة التي تُمارسها الشركات الخاضعة لولايته، ليفتح ثغرات جديدة للمنافسة الذاتية، وكأنَّ الجسد العليل في حاجة لأمراضِ جديدةِ تزيد من عِلَّتِه وجعًا.
لم يسترق قلبه ذات يوم من صراخ آبائنا ممن أفنوا حيواتهم في مصر لتأمينات الحياة، وقرَّر أن يكشف عنهم غطاء العلاج الطبي، تاركًا إياهم فريسة لأوجاع التضخم، وارتفاع تكاليف العلاج، وكأن جزاء إحسانهم أن يُطلق عليهم رصاصة الرحمة؛ رغم أنهم أولى بأن يضمد جراحهم تقديرًا لما بذلوه حبًّا وطوعًا.
ملامة المريدين جراء مكاشفتهم ووليدة شجنهم
يا مَن تصف نفسك بالفارس المترجل، لولا أن المساحة تضيق، والوقت ثمين، لفنَّدت مقطوعتك الكلامية -رغم أنه كلام صامت- حرفًا حرفًا، كُف عن إنجازاتك التي لم تعد تشنف أذان أحد.
أخيرًا، أحسب أن مريديك ممن استفادوا من وجودهم في كنفك، من غير أبناء الشركات الناضحة جباههم بعرق المحبة والولاء، سيلوموننا، ولن نحسب لملامتهم دفعًا، حتى وإن كانت وليدة شجن في نفوسهم جراء مكاشفتهم؛ لأنهم لا يحسبون أن قول الحق في وجه جائر مهما كانت ضريبته أهون ألف مرةٍ من جحوظ الضمائر بشحوم الباطل، الذي لا يستر في دولة الحق؛ لأنها إلى قيام الساعة.