يمر الاقتصاد العالمي بتحولات نموذجية قد يكون لها آثار عميقة وطويلة الأجل، حيث إنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي بشكل حاد وأن تبلغ معدلات التضخم أعلى مستوياتها منذ عدة عقود. ويرجع ارتفاع معدل التضخم إلى مجموعة من العوامل، و التي منها على سبيل المثال، الدفع بمستويات مرتفعة من المحفزات المالية التي تم ضخها في الاقتصاد في ذروة أزمة كوفيد-19 واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والسلع بسبب الحرب في أوكرانيا. ولهذا فإنه من المتوقع أن تواجه العديد من الاقتصادات الكبرى ركوداً ضخماً خلال 12-18 شهراً القادمة.
ونستعرض في هذه النشرة التحولات التي طرأت على الاقتصاد العالمي و خاصة مخاطر التضخم و أثرها على صناعة التأمين العالمية و التي أفردت لها مجلة “سيجما” الصادرة عن معهد “سويس ري” عدداً خاصاً .
وتجب الإشارة إلى أن التحليل الوارد بالتقرير هو تحليل اقتصادي يميز بين القيم النقدية (الأسمية) للأقساط ، والقيم الحقيقة (بعد أخذ معدل التضخم والمستوي العام للأسعار في الاعتبار) وهذا ما سيلاحظه القارئ من إمكانية ثبات بعض معدلات النمو الحقيقة بالرغم من ارتفاعها بالقيمة الاسمية.
ظهور تأثير ارتفاع التضخم في ارتفاع المطالبات في تأمين الممتلكات
وسيظهر تأثير ارتفاع التضخم في ارتفاع المطالبات في تأمين الممتلكات.. ستتأثر فروع تأمين الممتلكات والسيارات بشكل مباشر.
ومن المتوقع أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي وبيئة التضخم المرتفع على أسواق التأمين.. و سيبدأ ظهور التأثير الرئيسي للتضخم في ارتفاع تكاليف المطالبات في تأمينات الممتلكات أكثر من تأمينات الحياة حيث يتم تحديد منافع الوثيقة منذ البداية. ومن المتوقع أن يتأثر تأمين الممتلكات والسيارات بشكل أكبر على المدى القريب. ففي مجال التشييد والبناء، أدى انقطاع الإمدادات ونقص العمالة إلى زيادة تكاليف الإصلاح وإعادة البناء، وبالتالي ارتفاع المطالبات.
أما فيما يتعلق بالسيارات، ارتفعت تكاليف المطالبات حيث أدى النقص في قطع الغيار إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة والمستعملة ارتفاعاً غير مسبوق. كما سيؤثر التضخم أيضاً على تأمين الحوادث والمسؤولية المتعلقة بالسيارات والمسؤوليات العامة، حيث يتغذى ينعكس التضخم المرتفع على مطالبات الإصابات الجسدية. و بالتالي؛ لمواجهة التأثير السلبى لزيادة تكاليف المطالبات عن الأرباح، تحتاج شركات التأمين إلى فهم أسباب التضخم والخطوات اللازمة لإدارة موازناتها و احتياطاتها وفقاً لذلك.
من المتوقع أن يتجاوز حجم الأقساط العالمية 7 تريليونات دولار أمريكي لأول مرة في عام 2022، وذلك بسبب التشدد في الأسعار.
يتوقع التقرير أن يحدث نمو قوي بنسبة 6.1٪ في إجمالي أقساط التأمين (الممتلكات والحياة) في عام 2022. وبالقيمة الحقيقية، يمكن ترجمة هذا النمو إلى نمو شبه ثابت (+ 0.4٪). وعلاوة على ذلك، من المتوقع، من حيث القيمة الاسمية، أن تتجاوز أحجام الأقساط العالمية 7 تريليون دولار أمريكي بحلول نهاية هذا العام للمرة الأولى على الإطلاق. ويستند هذا التوقع إلى زيادة تشدد الأسعار في تأمين الممتلكات لمواجهة التضخم المرتفع والنمو القوى للأقساط في الأسواق الناشئة. و بالتالي ستكون أحجام الأقساط أعلى بنسبة 17٪ عما كانت عليه في بداية أزمة كوفيد-19، مما يعكس مرونة أسواق التأمين في التعامل خلال فترة الوباء وما بعده.
تشدد الأسعار في فروع التأمين التجاري سيؤدي لنمو قوى للقيمة الاسمية لأقساط التأمين
يؤدي تشدد الأسعار في فروع التأمين التجاري إلى نمو قوى للقيمة الاسمية لأقساط التأمين، بينما سيترجم تأثير التضخم في انخفاض معدل نمو حقيقي.
من المتوقع أن يؤدى تضخم القيم الخاصة بالتعرض للخسارة وتشدد الأسعار إلى تعزيز نمو الأقساط، لا سيما في أمريكا الشمالية وأوروبا. كما سترتفع القيمة الحقيقية لأقساط التأمين العالمية بنسبة 0.8٪ هذا العام.
و من المتوقع في عام 2023 أن تنمو الأقساط العالمية لتأمين الممتلكات بنسبة 2.2٪، ويعتمد ذلك في الغالب على تشدد الأسعار خاصة في فروع التأمين التجاري. ومن المرجح أن يتجاوز نمو الأقساط في الأسواق الناشئة نظيره في الاقتصادات المتقدمة هذا العام والعام المقبل، مع حدوث نمو حقيقي يقدّر بنسبة 3.0٪ في عام 2022 ، و 4.2٪ في عام 2023. كما أنه من المرجح أيضاً أن يكون الدافع الرئيسي لهذا النمو هو الطلب القوى على التأمين الصحي قصير الأجل نتيجة لزيادة الوعى بأهمية التأمين الصحي في أعقاب تجربة وباء كوفيد-19.
تحرّك أسعار الفائدة صعوداً مما سيعزز عوائد استثمارات شركات التأمين على المدى الطويل
ستتعرض أرباح قطاع تأمين الممتلكات إلى بعض الضغوط هذا العام.. حيث يُتوقع أن يتراوح العائد على حقوق الملكية بين 5٪ و6٪ في عام 2022، انخفاضاً من 6٪ في عام 2021، ثم حدوث انتعاش يصل إلى 6.6٪ في عام 2023 مع تحسّن نتائج الاكتتاب وعوائد الاستثمار. كما سيؤدي التباطؤ الاقتصادي والتضخم المرتفع لعدة سنوات إلى انخفاض القيمة الحقيقية لدخل الأقساط وزيادة تكاليف المطالبات. وعلى الرغم من ذلك، يعتبر الجانب المشرق لأزمة التضخم هو اتجاه أسعار الفائدة نحو الارتفاع. وهذا من شأنه أن يعزز عوائد الاستثمار على المدى الطويل مع تحقيق محافظ سندات شركات تأمين الممتلكات لعوائد أعلى بصورة تدريجية.
الوعى المتزايد بالمخاطر بعد جائحة كورونا ساهم في زيادة الطلب على منتجات الرعاية الصحية
في تأمينات الحياة، ساهم الوعى المتزايد بالمخاطر بعد الجائحة في زيادة الطلب على منتجات الرعاية الصحية
بالنسبة لتأمين الحياة، أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن تنكمش القيمة الحقيقية للأقساط العالمية بشكل طفيف بنسبة 0.2٪ في عام 2022. ومن المرجح أن تنخفض أقساط تأمين الادخار، التي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع قطاع تأمين الحياة، نتيجة ظروف السوق المالية المتقلبة و انخفاض الدخل. إلا أنه من ناحية أخرى، سيؤدى الوعي المتزايد بالمخاطر بعد الجائحة، وكذلك قيام شركات التأمين بتغيير نماذج أعمالها لتكون مستعدّة بشكل رقمي لزيادة الطلب على منتجات الرعاية الصحية والحماية. وعلاوة على ذلك، ستدعّم أسعار الفائدة المرتفعة الطلب على منتجات الادخار.
و بالتالي سيشهد قطاع تأمين الحياة في عام 2023 ارتفاعاً في القيمة الحقيقية لأقساط التأمين العالمية بنسبة 1.9٪ ، مع انعكاس التحسن في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة. وكذلك من المتوقع حدوث تحسن معتدل في ربحية قطاع تأمين الحياة هذا العام، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. وسيظهر تعزيز أكبر لعائدات الاستثمار خلال المدى المتوسط إلى الطويل، حيث تبدأ الأصول طويلة الأجل ذات الدخل الثابت في المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين على الحياة في التحول. بالإضافة إلى ذلك، في حين أنه من المحتمل استمرار المطالبات المتعلقة بكوفيد-19 في عام 2022، فقد تنخفض شدة المطالبات مع تزايد قدرة العالم على التكيف و التعايش مع الفيروس.
التوقعات الخاصة بنمو أقساط التأمين العالمية
على المستوى الإجمالي وبالقيم الحقيقة ، من المتوقع أن يتوقف نمو أقساط التأمين العالمية هذا العام إلا أنه سيتمتع بأداء أقوى في عام 2023.
الاتجاهات المستقبلية في أسواق التأمين العالمية
سيؤثر التباطؤ الاقتصادي على نمو سوق التأمين العالمي في عامي 2022 و 2023، مع توقع نمو إجمالي أقساط التأمين (الحياة والممتلكات) بمتوسط سنوى أقل من الاتجاه العام بنسبة1.2٪ بالقيمة الحقيقية. إلا أنه من المتوقع أن يتجاوز إجمالى حجم أقساط التأمين 7 تريليونات دولار أمريكى لأول مرة على الإطلاق بحلول نهاية عام 2022. وسيستمر تشدد الأسعار فروع التأمين فى دعم النمو الاسمى لأقساط التأمين فى تأمين الممتلكات، غير أنه سيتم تعويض ذلك بشكل جزئى من خلال زيادة المطالبات. ويجب أن يحاول قطاع التأمين على الحياة الاستفادة من زيادة الوعى بالمخاطر والإقبال على التفاعل الرقمى. ومن ناحية أخرى، يعد الجانب الإيجابي المتوقع حدوثه هو أن تدعم أسعار الفائدة المرتفعة بمرور الوقت ربحية الصناعة من خلال تحقيق عوائد استثمار أعلى.
نمو إجمالي الأقساط العالمية (الحياة والممتلكات) بصورة ثابتة فى عام 2022 بالأرقام الحقيقية
يتوقع التقرير انعكاسا للظروف الاقتصادية الحالية، أن يتسم وضع أسواق التأمين بالثبات هذا العام. وعلى المستوى الإجمالى، سيظل معدل النمو ثابتا بشكل أساسى فى إجمالى الأقساط العالمية (الحياة والممتلكات معاً، كما يوضح الشكل رقم 4).
وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن يتجاوز إجمالى أقساط التأمين، بالقيمة الأسمية، 7 تريليون دولار أمريكى لأول مرة على الإطلاق بحلول نهاية هذا العام. وقد تم بناء التقديرات الخاصة بزيادة إجمالى الأقساط على أساس التعافى القوى في السوق من المستويات المنخفضة التى سببها كوفيد-19واستمرار تشدد السعر فى تأمين الممتلكات ونمو الأقساط بشكل أقوى فى الأسواق الناشئة على وجه الخصوص . ومن ثم، عند هذا المستوى، ستكون أحجام الأقساط العالمية أعلى بنسبة 17٪ مما كانت عليه في نهاية عام 2019 قبل اندلاع أزمة كوفيد-19. وتعكس الزيادة خلال تلك الفترة الزمنية البالغة ثلاث سنوات المرونة الإجمالية لأسواق التأمين على مدار فترة الوباء، وكذلك الانتعاش القوى فى العام الماضى. ويجدر الإشارة هنا إلى أن الانخفاض في الأقساط العالمية الناتج عن صدمة كوفيد-19 كان أقل حدة من الانخفاض الذى شوهد خلال الأزمة المالية العالمية (فى الفترة 2008-2009) ومع وجود معدل نمو أعلى من الاتجاه العام بنسبة 3.4٪ بالقيمة الحقيقية لعام 2021.
سيبقى النمو الحقيقى دون الاتجاه السائد على مدى العامين المقبلين
تشير التوقعات إلى أن الوضع على المدى المتوسط سيشكل تحدياً لقطاع التأمين. وعلى المستوى الإجمالي، من المتوقع أن يتبع توقف نمو الأقساط العالمية هذا العام نمو أقوى في عام 2023 ولكنه لا يزال أقل قليلاً من الاتجاه السائد حالياً (معدل النمو السنوي المركب 2011-2020: 2.4٪).
كما يتوقع أن يؤدى تضخم المطالبات إلى تعويض تشدد الأسعار فى تأمين الممتلكات، وكذلك انخفاض الطلب على وثائق الادخار فى تأمين الحياة بسبب انخفاض الدخل المتاح نظرًا لارتفاع مستويات التضخم. ومن المرجح أن يستمر تشدد الأسعار فى أسواق التأمين على الممتلكات التجارية و التأمين ضد المسؤولية لا سيما في الأسواق المتقدمة، مع تحسن في معظم مجالات الأعمال حيث تسعى شركات التأمين إلى تعويض تأثير التضخم المرتفع. وفى التأمين على الحياة، من المتوقع أن يؤدى التضخم المرتفع إلى تآكل نمو القيمة الإسمية للأقساط. إلا أنه فى الوقت نفسه، من المتوقع أن يظل الطلب قوياً على منتجات الحماية.
مزيج من الرياح المواتية والرياح المعاكسة (التحديات والفرص) تشكل آفاق صناعة التأمين
يتوقع التقرير أن تكون الفترة خلال 2022-2023 بمثابة فترة انتقالية لصناعة التأمين وذلك لأنها تتنقل خلال تلك الفترة بين التضخم المرتفع والنمو المنخفض. ومن ثم يمر القطاع بفترة من عدم الإستقرار على المدى القصير والمتوسط.
العوامل التي تؤثر على نمو قطاع التأمين بشكل سلبى
▪ تأثير الحرب في أوكرانيا. ستشهد الأسواق الروسية والأوكرانية خسارة كبيرة فى الدخل الناتج من أقساط التأمين بسبب الصراع الدائر على أراضيهما والعقوبات الدولية التى تم فرضها. كما سيؤثر الصراع أيضاً على معنويات عملاء التأمين ويحد من الطلب على التأمين.
▪ استمرار التضخم فيما يتعلق بالمطالبات.. سيظهر تأثير الصراع في المقام الأول من خلال ضغوط الأسعار الإضافية التى تزيد من مستوى المطالبات. ومن المتوقع أن تواجه فروع الممتلكات والحوادث والرعاية الصحية احتمال التعرض لمطالبات أكثر من غيرها.
العوامل التى قد تؤثر على نمو قطاع التأمين بشكل إيجابى:
▪ ارتفاع معدلات الفائدة.. سيساهم ذلك فى تعزيز عائدات الاستثمار لشركات التأمين.
▪ زيادة الوعى بالمخاطر بعد الجائحة.. هناك طلب أكبر على منتجات التأمين على الحياة حيث زاد وعى المستهلكين بالمخاطر التى قد يواجهونها أثناء الوباء.
▪ تشدد الأسعار.. من المتوقع أن يصل حجم التضخم فيما يتعلق بالمطالبات إلى تشدد الأسعار في فروع التأمين التجارية والشخصية غير المرتبطة بالحياة هذا العام والعام المقبل.
ترتيب أكبر أسواق التأمين في العالم
في عام 2021، نما إجمالي القيمة الحقيقية لأقساط التأمين العالمية بنسبة 3.4٪. وسجل قطاع تأمين الممتلكات نمواً بنسبة 2.6٪مدفوعاً بتشدد أسعار فروع التأمين التجارية فى الأسواق المتقدمة. وعلى الجانب الآخر، فى الصين، والتى تعد أكبر الأسواق الناشئة، تقلص حجم أقساط تأمين الممتلكات بنسبة 0.7٪ حيث أدى إلغاء تعريفة التأمين على السيارات إلى إثارة منافسة شرسة بين شركات التأمين و بالتالي خفض الأسعار.
وفى تأمين الحياة، انتعش نمو الأقساط العالمية بقوة (+ 4.5٪) في كل من الأسواق المتقدمة (+ 5.4٪) والأسواق الناشئة (+ 6.7٪، باستثناء الصين).. حيث تقلصت أقساط تأمين الحياة فى الصين بنسبة 2.6٪ بسبب الإقبال الضعيف على وثائق الادخار.
دور الاتحاد المصري في تطوير سوق التأمين
يسعى الاتحاد المصري دائماً إلى دعم وتطوير سوق التأمين المصري وذلك بمحاولة إطلاع السوق على المستجدات العالمية والتطورات التكنولوجية والاتجاهات العالمية الحديثة فيما يتعلق بصناعة التأمين. كما يقوم الاتحاد أيضاً من خلال النشرات التي يصدرها بعرض التقارير العالمية التي تخص صناعة التأمين على مستوى العالم والتي تصدر عن مؤسسات تأمينية عريقة أو مراكز بحوث عالمية. وقد كان الاتحاد المصري سابقا في هذا الشأن حيث قد أصدر نشرة توعية وبيان صحفي بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية لتنبيه العملاء ألى الآثار التضخمية و اختلاف سعر الصرف و ضرورة مراجعة مبالغ التأمين لتفادي تطبيق شرط النسبية أو حصول العميل على مبالغ أقل من خسارتهم الحقيقة بسبب عدم كفاية مبلغ التأمين.