تعتبر صناعة التأمين من الصناعات التي تعتمد بشكل رئيسي على القدرة على تقدير المخاطر بدقة، ففي سياق التأمين، يتم تقديم الحماية ضد مجموعة متنوعة من المخاطر المالية التي قد يتعرض لها الأفراد أو الشركات، وعادة ما يتم تقييم هذه المخاطر بناء على بيانات تاريخية وإحصاءات تتعلق بالسلوكيات البشرية والعوامل البيئية.
ومع ظهور البيانات الضخمة، تحولت صناعة التأمين بشكل كبير، حيث أصبح بالإمكان الان استخدام كميات هائلة من البيانات لتحسين تقييم المخاطر، مما يساعد في تقديم منتجات تأمينية أكثر دقة وملائمة لاحتياجات العملاء.
البيانات الضخمة في صناعة التأمين:
البيانات الضخمة تشير إلى الكميات الكبيرة والمعقدة من البيانات التي لا يمكن تحليلها باستخدام الأساليب التقليدية، ويمكن أن تشمل هذه البيانات معلومات متنوعة مثل البيانات الصحية، بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، معلومات عن الأنشطة اليومية للعملاء، بيانات الأرصاد الجوية، وأكثر من ذلك.
هذه المعلومات تأتي من مصادر متعددة مثل الأجهزة الذكية، تطبيقات الهاتف، شبكات الإنترنت، وحتى البيئات الاجتماعية والثقافية.
تتكون البيانات الضخمة من ثلاث خصائص أساسية تعرف بـ “الـ 3Vs”:
- الحجم: الكميات الكبيرة من البيانات التي يتم جمعها.
- التنوع: التنوع الواسع في أنواع البيانات (مثل النصوص، الصور، الفيديوهات، والبيانات الجغرافية).
- السرعة: السرعة التي يتم بها جمع وتحليل هذه البيانات.
تحسين دقة التنبؤ بالمخاطر:
قبل استخدام البيانات الضخمة، كانت شركات التأمين تعتمد على نماذج تقدير المخاطر التقليدية، التي كانت تعتمد في الغالب على البيانات المجمعة من السجلات الطبية، تاريخ الحوادث، والتأمينات السابقة.
هذه الأساليب كانت قاصرة في التعامل مع المخاطر المعقدة والمتغيرة. لكن الآن مع البيانات الضخمة، أصبحت شركات التأمين قادرة على جمع وتحليل بيانات أكثر تنوعًا ودقة.
أحد الأمثلة على ذلك هو استخدام البيانات المستخلصة من الأجهزة الذكية التي يرتديها الأفراد، مثل الساعات الذكية أو أجهزة تتبع اللياقة البدنية، من خلال تتبع النشاط البدني، والنوم، والأنماط الصحية، يمكن لشركات التأمين تقدير المخاطر الصحية بطريقة أكثر دقة، وبالتالي تخصيص خطط تأمينية تتناسب مع احتياجات الأفراد.
كما أن الشركات أصبحت الآن قادرة على تقدير المخاطر المترتبة على عوامل بيئية وعوامل حياة شخصية، مثل المكان الذي يعيش فيه الشخص، وطريقة قيادته للسيارة، وحتى العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة:
الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning) من الأدوات القوية التي تستخدمها شركات التأمين لتحليل البيانات الضخمة.
يتمثل دور هذه التقنيات في القدرة على تحديد الأنماط التي قد تكون خفية أو معقدة من خلال الطرق التقليدية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل سلوكيات الأفراد على الإنترنت وتوقع فرص تعرضهم لمخاطر معينة بناءً على أفعالهم الرقمية.
تستخدم الشركات أيضا تعلم الآلة لإنشاء نماذج خوارزمية تقوم بتحليل مجموعات ضخمة من البيانات لتقديم توقعات دقيقة حول المخاطر، وتساعد هذه النماذج في تسعير المنتجات التأمينية بشكل أكثر دقة، مما يساهم في تحسين تجربة العميل وتقليل التكلفة الإجمالية للشركة.
تخصيص المنتجات والتحسين المستمر:
باستخدام البيانات الضخمة، يمكن لشركات التأمين تقديم عروض مخصصة للغاية، على سبيل المثال، يمكن لمزود التأمين أن يقدم خصومات أو مزايا إضافية بناءً على سلوك العميل، إاذا كانت البيانات تشير إلى أن العميل يتبع نمط حياة صحي أو يستخدم وسائل النقل العام بانتظام، يمكن تقديم خصومات على التأمين الصحي أو تأمين السيارات، في المقابل، إذا كانت البيانات تشير إلى أن العميل معرض لمخاطر صحية أو حادثية مرتفعة، يمكن تعديل شروط التأمين لتتناسب مع هذه المخاطر.
كما يمكن للبيانات الضخمة أن تساهم في تحسين العملية التأمينية بشكل مستمر، فالتحليلات المتقدمة تسمح بتعديل السياسات أو إعادة تقييمها بشكل دوري استنادًا إلى التغيرات في البيئة أو سلوك العملاء.
لذلك أصبحت البيانات الضخمة أحد العوامل الأساسية التي تحدد مستقبل صناعة التأمين. من خلال تحليل هذه البيانات باستخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يمكن لشركات التأمين تحسين تقييم المخاطر، تخصيص المنتجات والخدمات، وتقليل التكاليف المرتبطة بالخسائر أو الاحتيال.
هذا التحول الرقمي يفتح أبواب جديدة لتحسين الخدمة وتجربة العملاء، مما يسهم في بناء بيئة تأمينية أكثر شفافية وكفاءة.