حوار- زينب السيد:
تصوير – جورج عادل :
يحتاج سوق التأمين – اي سوق- للمراجعة ، بهدف إعادة تقييم مكانه ومكانته ، لتعزيز نقاط القوة ومعالجة اوجه الخلل.
التقييم لايجب ان يكون من بين العاملين في القطاع، ضمانا للموضوعية النسبية ، ومن ثم يجب ان يكون هذا التقييم من طرف محايدًا – قدر الامكان- لكن يجب ان يكون متشابكًا ومتداخلًا مع السوق الذي يقيمه، حتي لايكون تقييمه نظريًا او مثاليًا وحالما.
وللأسباب السالفة كان من الضروري اجراء الحوار مع الدكتور خيري عبد القادر والذي يمتلك الخبرتين، العملية كونه خبيرًا استشاريا ومسئول عن ملفات عديدة تخص بعض الجهات في السوق المصرية، ولديه خبرة نظرية، بصفته استاذًا جامعيًا ويحمل درجة علمية تؤهله للتنظير.
وإلي نص الحوار:
خبري: كيف تري سوق التأمين المصرية في مجملها؟
خيري عبد القادر: من وجهة نظري، سوق التامين المصرية ، غنية ، وتتمتع باستقرار منذ فترة كبيرة، كأحد اهم الاسواق العربية الراسخة ، وكانت بؤرة انتشر من خلالها التأمين كصناعة في كافة الاسواق العربية.
ورغم ذلك تراجع مؤشر سوق التأمين ، مؤخرًا مقارنة بالاسواق الاخري، التي نهلت من مصر قواعد التأمين وأساليبه، وهذا التراجع جاء بسبب تطوير الاسواق العربية لانشطتها من خلال التدريب المكثف وصقل مهارات العاملين فيها، علاوة علي إنشاء كيانات كبيرة .
وأما السوق المصرية ، فكانت سوقًا متكاملة حتي 2007 ، نظرًا لممارسة التأمين المباشر من خلال الوحدات القائمة حينذاك، وكذا إعادة التأمين عبر المصرية للإعادة التي تم دمجها في مصر للتأمين ، وتوسعت السوق ونجحت في جذب رؤوس الاموال العالمية، ما ادي الي تراكم خبراتها، بل وشهد زخمًا جعله سوقًا يُشار له بالبنان.
في نفس السياق، أدي دمج المصرية للإعادة، وعدم التوسع في إعادة التأمين الداخلي، او ما يسمي بالـ Co Insurance ، إلي جعل السوق المصرية تحت إمرة الأسواق الخارجية، اقصد اسواق الاعادة بالطبع، بل وانسحبت الشركات العالمية، ولم يتبق سوي ” هانوفر ري” والتي باتت المعيد الرائد لأغلب العمليات والشركات في مصر.
خبري: ما سبب ضعف إعادة التأمين الداخلي، هل بسبب تخوف الشركات من بعضها ، اقصد التخوف من تسريب بيانات العميل والمنافسة عليه كتأمين مباشر؟
عبد القادر: أتفق معك، والشركات او عددًا منها لا يرغب في دخول شركة منافسة لتغطية جزء من المخاطر، بالاضافة الي اعتماد الشركات علي اتفاقات الاعادة التي تبرمها مع معيدي التامين في الخارج.
خبري: أليس هذا تفكير أنوي ، بمعني التفكير في الأنا وليس في ” نحن” بمعني، انه لو تم التفكير بصورة موضوعية فزيادة الاعادة الداخلية تعني الحد من تصدير الاقساط، وبالتالي استفادة السوق من الحصيلة الدولارية التي يتم من خلالها تحويل اقساط الاعادة للخارج؟
عبد القادر: لا اختلف مع ذلك، ولكن ما تقوله يمكن القياس عليه لو أن النظرة للسوق ، نظرة كلية ، وليس نظرة خاصة، بمعني ان كل شركة تسعي لتحقيق اهدافها بغض النظر عن العائد من هذا علي السوق كله.
وحتي نكون منصفين أيضًا، السبب في سعي كل شركة لتحقيق اهدافها، هو تنوع هياكل الملكية، او بمعني أدق، ان رأس المال او هياكل المساهمين تحدد طبيعة سياسة كل شركة ، لاسيما مع وجود شركات برأسمال خاص، واخري براسمال حكومي، وثالثة براسمال مشترك، مصري وأجنبي.
لايوجد تدخلات مباشرة من المساهمين في الإدارة التنفيذية لشركاتهم
خبري: المساهمون يهدفون لتحقيق الارباح وهذا حقهم، لكن معني كلامك ان المساهمين قد يتدخلون في الادارة الفنية للشركة، بمعني إملاء توجهاتهم علي الادارة التنفيذية من الناحية الفنية؟
عبد القادر: تدخل المساهمين في الادارة التنفيذية أمر غير مرغوب فيه، والادارات التنفيذية في السوق المصرية تتم من خلال المدراء التنفيذيين وليس المساهمين ، ولكن في ضوء استراتيجية الشركة او الاستراتيجية التي يحددها المساهمين.
ما اقصده انه لايوجد تدخل مباشر من المساهمين علي الادارة التنفيذية فنيا واداريا بشكل مباشر.
خبري: لايوجد تدخل مباشر، أيعني هذا انه قد يكون هناك تدخل غير مباشر؟
عبد القادر: هذا يخضع لسياسة كل شركة، وهذه السياسات غير معلنة ولا نعرف ماهيتها كمتابعين او متداخلين مع القطاع.
خبري: شركة التأمين نشاطها الرئيسي ليس فقط إدارة الخطر ، ولكن هي جهة تعويض، لان التأمين هو صناعة تعويض، فهل خبرة القائمين علي شركات تأمين، تعكس ذلك من خلال ممارساتهم؟
عبد القادر: دعني اصارحك، خبرات بعض القائمين علي شركات تأمين وليس كلها بالطبع، يحتاج للمراجعة، ليس انتقاصًا منها او تقصيرًا متعمدًا، ولكن بسبب ندرة كوادر الصف الاول بسبب التقاعد او اي امر اخر، والاضطرار الي تولي كوادر من الصفوف التالية مهام ادارية قبل ان ينضجوا إداريًا ، او ان يمارسوا هذه المهام من قبل.
بمعني ان هناك شركات تدار بواسطة كوادر لم يسعهم الوقت للإلمام بكل مناحي التأمين والاعادة، فنيا واداريا، بحيث يؤهلوا بالخبرة لادارة هذه الكيانات في وقت لاحق، وهذا كما اسلفت ليس تقصيرًا منها ولكن ظروف السوق وتعقيداته وتشابكاته هي التي إضطرت لذلك.
دعني أذكر مثالا توضيحيًا حتي لا يُساء فهم ما أقصده، إذا تم تعيين رئيس قطاع في شركة تأمين عضوًا منتدبًا في شركة اخري، دون ان يكون ملمًا علي سبيل المثال بطرق الاعادة، او التسويق، او البيع، او الاكتتاب والاصدار، الا يؤدي ذلك الي صدامات – غير متعمدة بالطبع -، بسبب عدم الإلمام ببعض التفاصيل او كسب خبرات كافية للتعامل معها؟ اظن ان هذا هو ما يحدث في بعض الاحيان ، وهذا عبء اداري ليس سهلًا، فالسيطرة علي كافة الادارات او ضبط ايقاعها وتناغمها لتحقيق الاهداف الموضوعة ، أمرًا ليس سهلًا كما يتخيل البعض.
خبري: معني ذلك ان الرعيل الاول لسوق التأمين يعاب عليه عدم اهتمامه بتفريخ كوادر صف اول وثاني وثالث، لضمان استدامة العناصر القادرة علي ادارة الشركة في اوقات لاحقة؟
عبد القادر: لا يعاب عليها، بل هناك اعذارًا تُلتمس لهم، لان المساهمين كانوا يظنون ان قيادات الشركات خالدة في مناصبها، بسبب النجاح الذي تحقق خلال سنوات طويلة، ما جعلهم يهملون في خلق صف ثاني وثالث، ولكن المساهمون او بعضا منهم لم يُدرك حقيقة الموت التي قد تغافل اي انسان، او ان صداما قد ينشأ بين الادارة التنفيذية والمساهمين، ما يؤدي الي فراغ المنصب ، وما يترتب عليه من تخبط لدي القائمين باعمال هذه الادارات فيما بعد ، للاسباب التي اسلفناها ، او بسبب عدم وجود طموح لدي القيادات الوسطي من الوصول لمناصب تنفيذية عليا وبالتالي هجرة شركاتها لكيانات اخري، وهو ما ينعكس علي الفكر الاداري في قادم السنوات، وهو ما نشهد بعضه حاليًا.
خبري: هل هذه المخرجات كانت سببًا في عدم وصول سوق التأمين في السنوات الماضية للمكانة التي تستحقها ، علي الاقل إذا ما قورنت بالاسواق الاخري؟
عبد القادر: هذا جزء وليس كل الاسباب وهناك اخري، مثل ضخامة رؤوس الاموال ، وانتقاء الاخطار واتفاقيات اعادة التأمين، وغيرها من العوامل المتشابكة والمتقاطعة،ولكنها في المجمل شكلت هذه الصورة.
بعض الكيانات لاتنتقي الاخطار بل تكتفي بقبول كل ما يُعرض عليها
خبري: بصفتك متشابك مع شركات التأمين، كيف تُقيم المنافسة في السوق؟ هل شركات التأمين تنتقي الاخطار التي تكتتب فيها ، ام كل ما يُعرض عليها تقبله؟
عبد القادر: الاجابة علي هذا التساؤل ، سيحدد طبيعة المنافسة، فلو ان السوق ينتقي الاخطار المكتتبة، ففي تلك الحالة ستكون المنافسة محدودة، اما اذا كان يقبل ما يُعرض عليه، ستكون المنافسة غير منضبطة.
لكن اجمالا، لايمكن الحكم بان سوق التأمين تنتقي اخطارها، بمعني ان بعض الشركات بدأت تضع سياستها بناء علي سوابق خبراتها في فرع تأميني معين، او نتيجة محاذير من فروع اخري بسبب الخبرات السلبية عنها ، او بسبب زيادة محاذير قبوله ، او لعدم القدرة علي اعادة تأمينه.
خبري: معني هذا ان كل ما يُعرض من أخطار يتم قبول التأمين عليه؟
عبد القادر: بالطبع كل ما يُعرض يُقبل ، رغم انه يجب رفض بعض الاخطار وعدم تغطيتها.
خبري: وهل يمكن للتأمين رفض الخطر؟
عبد القادر: بالطبع، بل يجب عليه ذلك.
إدارة خطر التأمين ليس مسئولية مُطلقة للشركات والعملاء يجب تحملهم جزءًا منه
خبري: أليس رفض التامين او تغطية خطر ، قرار لابد من اتخاذه بعد استنفاذ كل الوسائل الفنية لترويضه، اليس الرفض المبدئي لتغطية اي خطر يحتاج لمراجعة؟
عبد القادر: بالفعل اتفق معك، لان شركة التأمين حينما تقبل الخطر، يجب ان يستوفي الخطر اركانه، بمعني ان يكون محتمل التحقق وليس مؤكد او مستبعد، ويمكن تقديره، ويجب ان يتوافر فيه وسائل الامان للحد من آثاره في حال تحققه وليس وسائل الامان لمنعه، كما يجب ان يكون الخطر قابل للتسعير الفني، وغيرها من الشروط او الاركان التي إذا توافرت فليس من حق او حتي مصلحة شركة التأمين رفضه.
بشكل عام ، هناك اخطار عالية واخري متوسطة وثالثة اقل من المتوسطة، وكل نوع من ذلك لابد وان يكون له شروط اكتتاب واسعار فنية تختلف عن الاخري.
وادارة التأمين للخطر ليس مطلقًا، بمعني انه يجب ان يتحمل العميل نفسه جزء من الخطر ، او ان يكون جزء من ادارة الخطر،حتي لايتكئ علي شركة التأمين ويظن انها ستعوضه حتي وان كان العميل نفسه مسئولا عن تحقق الخطر، بسبب عدم توفير وسائل الامان الكافية.