شركتان قابضتان ، الأولى هي مجموعة مالية غير مصرفية نشاطها الرئيسي كان ينصب على التمويل الاستهلاكي، ثم أنشأت لها أذرعًا في التأمين، والأخرى التأمين كان نشاطها الرئيسي قبل أن تفصل ما تبقى من شحوم توابعها، بفصل الاستثمار عن التأمين، ثم الأصول العقارية، لتدخل فيما بعد في أنشطة بعيدة تمامًا عن نشاطها الرئيسي، لتتغنى بعوائد الكثير يعلم أن نسبة كبيرة منها جيئ من الاحتياطيات، بل تآكلت حصتها السوقية وأرباحها الفنية بشكل متتابع.
أجهزة رقابية أكثر إدراكًا
لست مهمومًا بتجميل الميزانيات، فهناك أجهزة رقابية أكثر إدراكًا مني، ولديها من الصلاحيات ما يجعلها قادرة على إعلان الأرقام الحقيقية، دون تجميل ميزانيات أو إضافة المزيد من الأصفار على يمين المعادلة، دون وجه حق، طمعًا في البقاء على كراسيها لأطول فترة ممكنة.
دخولًا في الموضوع.
أطل علينا رئيس إحدى هاتين القابضتين قبل أيام في لقاء مُتلفز، يتغنى فيه بمعدلات النمو التي حققتها إحدى التوابع وتمارس نشاط تأمينات الحياة- مع العلم أنه نادرًا ما يذكر اسم الشركة الأخرى رغم تاريخها الضارب في الجذور، ورغم أن مَن يُديرها وكذا سابقيه من أساطين سوق التأمين وصنايعيته- .
هذا المسئول قال نصًا إن شركته التابعة حققت إجمالي أقساط قيمتها 8 مليارات جنيه، في نهاية 2021/2022 ، المنتهي في يونيو الماضي.
في الجمعيات العمومية للشركات التابعة لهذه القابضة، أصدرت بيانًا صحفيًّا، تُشير فيه إلى أن هذه الشركة حققت 7.8 مليار جنيه إجمالي أقساط في 2019/2020 ، وتسعى لتحقيق 10.4 مليار جنيه في 2022/2023 – أي العام المالي الحالي- الذي سينتهي في يونيو المقبل، وبمعدل نمو يتجاوز 34.1%.
المغالطة
في الحقيقة هذا الرقم وتلك النسبة تتضمن مُغالطة كبيرة، ويُصر القائمون على هذا الكيان الذي سيظل شامخًا بتاريخه وليس بشخوصه القابعين على كراسيه.
الحقيقة أن معدل نمو هذا الشركة لا يتجاوز 2.7% إذا ما قورنت الأقساط المحققة العام المالي الماضي بالسابق، فليس منطقيًا أن يتم وضع سنة أساس كوحدة قياس بين عامين مختلفين، بل الأدق أن تتم المقارنة بين عامين ماليين متتاليين، أو فترتين زمنيتين متقابلتين.
الأهم، هو قياس معدل النمو في العام المالي الماضي وهو 2.7% فقط- بالطبع إذا افترضنا جدلًا أن إجمالي الأقساط الذي أعلن عنه رئيس الكيان القابض حقيقي- مع معدل النمو في العام المالي السابق، بالطبع سيكون أقل بكثير جدًا.
قد يقاطعني أحد المدافعين دون منطق، يقول، مهلًا لماذا لم تضع تأثير وباء كورونا على معدلات نمو هذه الشركة؟ سأجيبه، ومَن قال لك ذلك، لقد وضعته في الحسبان، لكن وضعت في الحُسبان أيضًا أن هذه الشركة التي يُدافع عنها رئيس كيانها القابض أبرمت تحالقًا مصرفيًا مع أحد البنوك الكبرى، ما أدى إلى زيادة أقساطها بقيمة ملياري جنيه في عام واحد!!
هذا على مستوى الشركة القابضة الأولى.
أما عن الثانية، وهي التي يتركز نشاطها الرئيسي على التمويل الاستهلاكي، خرجتُ ببيان صادم وصادق في نفس الآن، صادق لأنه كشف الأرقام الحقيقية للأقساط المباشرة للشركات التابعة التي أنشأها قبل ثلاث سنوات، وصادم لأن هذه الأرقام تتعارض كليةً مع البيانات الموضحة في التقارير الرسمية الصادرة عن جهات رقابية.
كيف تكون الأقساط المُسددة أكثر من المباشرة؟
هذا الكيان القابض، قال إن مجموع الأقساط الذي حققته الشركتان التابعتان في ستة أشهر فقط، خلال الفترة من أول يناير حتى نهاية يونيو الماضي، بلغ 504 ملايين جنيه، موزع بواقع 245 مليون جنيه لشركة الحياة مقابل 259 مليون جنيه لشركة الممتلكات.
في المقابل، أظهرت تقارير الجهات الرقابية الرسمية، أن الأقساط المحصلة بإحدى هاتين الشركتين تجاوزت 1.5 مليار جنيه، تم تحصيلها في الفترة من أول يناير حتى نهاية يونيو الماضي! بل الأكثر من ذلك أن مجموع الأقساط التي حصلتها تلك الشركة بلغت 290 مليون جنيه في شهر يونيو فقط!!
أهل الاختصاص يعرفون أن هذه الأرقام تثير الكثير من علامات الاستفهام، فليس معقولًا أن يكون القسط المُحصل أو المُسدد أكثر من القسط المباشر.
قد يقول أهل المختصين، من الجائز أن يكون القسط المحصل أكبر من المباشر في حالة تركز التحصيل في فترة زمنية معينة، وسأسأل هؤلاء، وهل يعقل أن يكون القسط المحصل أكبر من مجموع الأقساط المباشرة طوال سنوات عمل شركة التأمين؟
تبسيط للفارق بين القسط المباشر والقسط المُسدد أو المُحصل
وللتبسيط للقارئ العادي، إذا قمت ببيع سلعة بـ 100 جنيه، واتفقت مع الزبون أنك ستحصل منه علي ثمن السلعة على دفعات، كل دفعة 25 جنيهًا، كل ثلاثة أشهر، فهل يُعقل أنه بعد أول ثلاثة أشهر حينما يتم سؤال البائع، ما قيمة الدفعات التي حصلت عليها من المشتري خلال الثلاثة أشهر الأولي؟ يجيبك أنه حصل علي 120 جنيهًا!
بالطبع ستسأل، كيف قمت ببيع السلعة بـ 100 جنيه، وحصلت على 120 جنيهًا، ولا يزال لديك أموالًا لم تحصل عليها من نفس المُشتري؟
هذا هو الفارق بين القسط المباشر والقسط المُحصل أو المُسدد، فالقسط المباشر يعني قيمة الأموال التي اتفقت على تحصيلها خلال مدة عقد التامين، أما القسط المحصل أو المُسدد فهو ما سدده العميل فعليًا خلال جزء من الفترة الزمنية أو من مدة التأمين.
السؤال، لمصلحة مَن يتم التباهي بأرقام غير حقيقية؟ ولمصلحة مَن يتم الترويج لمعدلات نمو غير دقيقة؟ هل هذا يخدم القطاع؟ بالطبع لا.
أعلم أن هناك جهات رقابية لا تتهاون في الحق، ولا تخشى فيه لومة لائم، وأعلم أنهم يرصدون كل هذه التقارير، وأنهم في الوقت المناسب سيتدخلون بالإجراء المناسب.