في ضوء مؤتمر المناخ COP27 الذى سيُعقد غدًا بشرم الشيخ ، سنسلط الضوء على التغيرات المناخية وتأثيراتها على صناعة التأمين وما تمثله من فرص وتحديات .
بدءًا ، تمثل صناعة التأمين أحد أذرع التنمية الاقتصادية لكل دول العالم من خلال الدور الذي تقوم به في تحمل المخاطر التي تواجه الافراد والمؤسسات وتوفير التغطيات التأمينية للتعامل مع هذه المخاطر والتي من خلالها يقوم قطاع التامين بتحمل كافة المخاطر التي تواجه المجتمع سواء افراد او مؤسسات وحمايتهم مما يتعرضون له من اخطار وذلك من خلال دفع التعويضات حال تحقق أحد هذه الاخطار.
وتتميز صناعة التأمين بقدرتها على نمذجة العديد من المخاطر بشكل كمي وإمكانية تسعيرها اكتواريا ًمن خلال العديد من الأدوات والأساليب الكمية والرياضية التي من خلالها يمكن توقع احتمالية الخسائر الناتجة عن هذه المخاطر ومدى إمكانية نقلها الى قطاع التأمين وتحمله نيابة عن الافراد والمؤسسات المختلفة وهذا ما يميز قطاع التأمين عن غيره من القطاعات الأخرى.
وعلى مدى تاريخ صناعة التأمين أثبتت هذه الصناعة قدرتها على التعامل مع ما يستجد من مخاطر قد تواجه الافراد والمؤسسات والمجتمع والدول بشكل عام وقدرتها على توفير التغطيات التأمينية المختلفة والتي من خلالها يتم تخفيض الخسائر الناتجة عن هذه المخاطر حال حدوثها ، ويأتي في مقدمة هذه المخاطر ما يواجه العالم منذ سنوات من تغيرات مناخية غير مستقرة سوف يترتب عليها مخاطر مختلفة تواجه الافراد والمؤسسات مما يعنى انه يجب على شركات التأمين والهيئات الرقابية دراسة مخاطر التغيرات المناخية وتأثيرها على صناعة التأمين وهو ما تهدف اليه هذه الورقة من تسليط الضوء على التغيرات المناخية وما يتولد عنها من مخاطر مختلفة تمثل تهديداً شديدا للأفراد والمؤسسات والمجتمع باسره وكيف يمكن لشركات التأمين الاستجابة لهذه التغيرات والحلول التي يجب تقديمها للتعامل مع مخاطر التغيرات المناخية للتأكيد على دور صناعة التأمين في التعامل مع مخاطر التغيرات المناخية .
ماهية التغيرات المناخية
يتمثل تغير المناخ في ما يواجه العالم من أحداث مناخية معينة (مثل موجات الحر والفيضانات وحرائق الغابات والعواصف) ، وعلى المدى الطويل ، التحولات الأوسع في المناخ مثل التغيرات في هطول الأمطار وتقلبات الطقس الغير مستقرة ، تغير مستوى سطح البحر وارتفاع متوسط درجات الحرارة (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، 2014)،حيث تؤثر الخسائر المتعلقة بعوامل المخاطر المادية بشكل مباشر على التزامات شركات التأمين من خلال المطالبات المتزايدة ، وقد تمتد المخاطر المادية إلى ما هو أبعد من التأثير المباشر للكوارث الطبيعية ، على سبيل المثال من خلال تعطيل سلاسل التوريد.
يمثل تغير المناخ تهديدًا خاصًا لصناعة التأمين، والذي بدوره يخلق خطرًا إضافيًا على المجتمع ، و نظرًا لدور صناعة التأمين في المساعدة على التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية وبالتالي فإن تجهيز صناعة التأمين بأساليب عملية وتحليلية لتقييم الآثار المالية لتغير المناخ يمكن أن يساعد في (إعادة) شركات التأمين لإدارة المخاطر المالية المتزايدة ذات الصلة بشكل استباقي وإمكانية تقييم اثار تغير المناخ بشكل افضل.
حيث تحتاج الشركات إلى دمج تغير المناخ في استراتيجية الأعمال ، والحوكمة ، وإدارة المخاطر ، والاستثمار ، واتخاذ القرارات المتعلقة بالاكتتاب ، وتصميم المنتجات ، ومعالجة المطالبات والعمليات و قد يؤدي الفشل في ذلك إلى جعل الشركات عرضة للتقاضي والتحدي من جانب العملاء وتزايد الضغط التنظيمي ، وايضاً غير قادرة على تكييف نماذج أعمالها مع بيئة الأعمال والاقتصاد المتغيرة.
في الوقت نفسه ، هناك فرص للقطاع لدعم التحول ، على سبيل المثال من خلال تصميم منتجاته لدعم تطوير هذه التقنيات الناشئة والتمييز بين أقساط التأمين لتحفيز سلوكيات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
دور شركات التأمين في المعركة العالمية ضد تغير المناخ
تلعب شركات التأمين دورًا حاسمًا في المعركة العالمية ضد تغير المناخ: فهي تدفع المطالبات عندما يعاني العملاء من خسائر ناجمة عن الطقس القاسي ؛ كما ان لديهم قدرة كبيرة على القيام باستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية لدعم التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره ، ويمكن لخبراتهم في إدارة المخاطر أن تساعد الحكومات والشركات والمجتمعات على تطوير المرونة في التعامل مع التغيرات المناخية .
كما يعُرض تغير المناخ شركات التأمين لمخاطر مالية متزايدة. يمكن أن تؤدي الأحداث المناخية المتكررة والشديدة إلى ارتفاع المطالبات وتقليل قيمة الاستثمارات العقارية بما يؤدى الى التأثير على عملاء شركات التأمين، ولا سيما تلك الشركات العاملة في قطاعات كثيفة الكربون والتي تكون إما غير قادرة أو غير راغبة في تطوير خطط قوية للتحول المناخي نظرًا لأن التقنيات الصديقة للبيئة أصبحت أرخص وأدخلت الحكومات مزيدًا من الإجراءات السياسية ، وعندها تبدأ مخاطر التحول في الظهور داخل محافظ الاستثمار والاكتتاب الخاصة بشركات التأمين.
إن تقييم المخاطر المالية الناجمة عن تغير المناخ ليس بالأمر الهين نظرًا لعدم التأكد في تنبؤات النماذج المناخية طويلة الأجل، ونقص البيانات، والقيود المفروضة على الأدوات المتاحة ، وبالنسبة لشركات التأمين نجد انها في وضع جيد للمساهمة في هذا التقييم من خلال الاعتماد على خبرتهم في نمذجة مخاطر الطقس المتذبذبة حيث يمكن من خلال تسخير هذه الخبرة التحول من الوعي إلى العمل.
ونظرًا لحالات عدم اليقين المتأصلة في ظهور العواقب المادية لتغير المناخ، وفي انتقال المجتمع إلى اقتصاد منخفض الكربون وقادر على التكيف مع المناخ، يجب ان يدرك العاملون في قطاع التأمين الصعوبات والقيود التي ينطوي عليها السعي إلى تحديد آثار المخاطر المالية على التزامات التأمين. ومع ذلك ، فإن الدروس والتحديات التي يمكن أن تنشأ من السعي للإجابة على هذه الأسئلة ، باستخدام الأدوات الموجودة ، لها دور حاسم سوف تلعبه خلال السنوات القادمة.