أن تؤسس شركة لتأمينات الحياة داخل السوق المصرية، تحدِ حتى وإن كانت ضألة نسب إختراق التأمين فرصة للنمو، فشركات التأمين ما وجدت إلا لترويض خطر قائم أو مستحدث، لكن أن تؤسس الشركة وبعدها يستيقظ العالم كله على جائحة تأكل الأخضر مع اليابس وتؤثر على إقتصادات العالم، فالتحد أصعب، فما بالك لو أن آثار الجائحة لم تقتصر على الأثر الاقتصادي رغم أهميته؟ بل تجاوزته إلى أن قطفت في طريقها أرواح مئات الالاف من البشر؟ يبدو أن التحد الذي كان صعبًا بات مستحيلًا، لاسيما وأن أهم خطر تراهن شركات تأمينات الحياة على ترويضه هو خطر الوفاة نفسه؟ بالطبع بجانب التغطيات والبرامج الأخري.
دعنا من كل هذا، فالنتيجة والأرقام المحققة بعد هذه التحديات لها ما لها من دلالات لاينكرها إلا مغيب أو غير موضوعي.
نموذج كشركة ثروة لتأمينات الحياة تأسست وسط هذا الركام الضخم من المآسي والتحديات، لكن إذا كنت العِبرة بالنهايات، فنتائج ثروة حياة المحققة خلال عاميها الأول والثاني، بخلاف ثلاثة أشهر من عامها الثالث، تحفزك لطرح التساؤل الأهم، وهو كيف تحققت تلك الأرقام؟.
الشخص الوحيد القادر علي إجابة هذا السؤال هو بيتر مجدي، العضو المنتدب السابق للشركة، وهو الأصغر سٍنا حينذاك بين الأعضاء المنتدبين، فليس معني أنه غادر الشركة أن نتجاهله لأنه الأفضل في شرح روشتة العمل التي نجح من خلالها ليس في علاج العرض بل المرض نفسه.
وإلي نص الحوار:
صافي المطالبات الى الأقساط لم تتجاوز 29% وهي الأقل مقارنة بالمنافسين
خبري: حصلت ثروة حياة علي رخصة مزاولة النشاط في مارس 2019، وبعدها بشهور قليلة صدر قرار من جهة الرقابة تلزم فيه الشركات بتضمين وثائق التأمين نسبة العمولة التي يتقاضاها الوسيط وكانت الشركة اول من طبقته في يناير 2020، بعدها إنتشرت جائحة كورونا في فبراير، ما ادي الي إغلاق الأسواق وفرض الحظر وما إلى ذلك من أخطار ومخاطر، فكيف تعاملت كعضو منتدب للشركة حينذاك مع كل هذه المخاطر؟
بيتر مجدي: دعني أزيدك الشعر بيتًا، مع إنتشار جائحة كورونا أضطرت ثروة لتأمينات الحياة لإرجاءإطلاق قنوات البيع الفردي بسبب تفشى الوباء، والاعتماد الكلى على قنوات التأمينات الجماعية، ورغم ذلك إنتهي العام المالي الاول في يونيو ٢٠٢١ وحققت الشركة حينذاك 58 مليون جنيه أقساط مباشرة، وبلغ إجمالي حقوق المساهمين 105 مليون جنيه. والأرقام الايجابية لم تكن قاصرة على المؤشرين السالفين، بل تجاوزته إلي تحقيق ٢٩% نسبة صافي المطالبات الى صافي الأقساط، وهي الأقل مقارنة بكافة شركات الحياة والطبي في السوق، علي الرغم من ارتفاع نسب الوفاة وارتفاع استهلاكات عملاء الطبي.
نسبة العمولات وتكاليف الإنتاج مقارنة بإجمالي الأقساط لم تتجاوز 17.8%،
وإذا كان الشيئ بالشيئ يُذكر، ووفقًا للأرقام الرسمية، بلغت نسبة العمولات وتكاليف الإنتاج مقارنة بإجمالي الأقساط 17.8%، وهي أيضا اقل نسبة بين كل الشركات العاملة في الحياة والطبي، ناهيك عن أن إجمالي التكلفة (مصاريف إدارية وعمومية + مصاريف العمولات وتكاليف الإنتاج الى أجمالي الأقساط المباشرة) لم تتجاوز 32.5% لشركة في عامها المالي الثاني فقط.
خبري: وكيف تحققت هذه النتائج رغم هذا الكم الهائل من التحديات؟
مجدي: قبل الولوج في تفاصيل كيف تجاوزنا هذه التحديات، لابد من وضع الصورة كاملة فما ذكرته في مقدمتك الاستهلالية هو جزء من التحديات وليس جُلها ، فالعام المالي الثاني كان الأكثر إثارة، ومتخم بالتحديات بشكل لم نكن نتخيله حتي في أكثر السيناريوهات تشاؤمًا.
علي كلِ، دعني أجيب عليك بشكل مباشر وبشكل مبسط قدر الإمكان.
بنهاية العام المالي الثاني لشركة ثروة لتأمينات الحياة في يونيو 2021، وكما قلت سلفًا استطعنا تحقيق ١٠٦ مليون جنية اقساط مباشرة، وسددنا 59 مليون جنيه مطالبات او منافع ، بل وحققنا مليون جنيه أرباح قبل الضرائب وهو رقم ليس ضئيل إذا ما قورن بطبيعة وخصوصية شركات التأمين بشكل عام وشركات الحياة بصورة خاصة.
ثروة حياة اول شركة قطاع خاص تصل بمحفظة اقساطها المباشرة الى +100 مليون في عامين منذ التأسيس
خبري: هذا هو السؤال، كيف حققت شركة تأمينات حياة ارباح في عامها الأول من التأسيس، رغم أنه من المعروف فنيًا، ان أي شركة تأمينات حياة لا تحقق أي ارباح، بل بالعكس تتكبد خسائر، على الأقل في سنواتها الخمس الأولي وفقًا للدراسات العلمية المدققة؟
مجدي: أوافقك الرأي، بل أنه من غير المتوقع فنيًا أن تحقق شركة تأمين الحياة أي أرباح تشغيلية في سنواتها الأولي، أو قبل مرور أربع الى خمس سنوات، واظن- وليس كل الظن أثم- ان شركة ثروة لتأمينات الحياة تعتبر الاولى التي حققت المعادلة الصعبة وهي زيادة حجم الاقساط المباشرة وتحقيق أرباح في نفس الوقت رغم ما تخللها من فترات امتدت لخمسة أشهر شهد فيها العالم ومصر بالطبع إعلاق كلي وكامل للأسواق المحلية والعالمية بسبب وباء ورغم ذلك تحقق ارباح.
خبري: ألم تعتمد ثروة حياة علي مجموعة ثروة كابيتال في تحقيق الأرقام المرتبطة بالأقساط المباشرة، البالغة 106 ملايين جنيه، وهو بالطبع أمر مقبول ومستساغ؟
مجدي: هذا ما قد يتبادر للذهن لدي أي إنسان يعمل يعمل بسوق تأمينات الحياة، لكن دعني اضيف رقم قد يكون له دلالة أكبر ويجيب عن استفسارك، وهو أن ثروة لتأمينات الحياة اصدرت أكثر من ٢٠٠ عقد تأمينات حياة مؤقت وطبي طويل الاجل بأجمالي ١٠٦ مليون اقساط مباشرة في نهاية السنة المالية الثانية، منها ٣ وثائق فقط خاصة بمجموعة ثروة كابيتال القابضة.
وأزيدك الشعر بيتًا، أن ثروة لتأمينات الحياة منذ حصولها على رخصة مزاولة النشاط حتى نهاية العام المالي الثاني من مزاولة النشاط لم تطلق بعد ذراعها الاقوى وهو قنوات البيع الفردي.
ثروة حياة اول من طبقت قرار الرقابة المالية بكتابة عمولات الوسطاء في الوثائق
وإذا أردت الإستزادة ، ففي نهاية ديسمبر ٢٠١٩ – أي بعد ٧ أشهر فقط من الحصول على الرخصة النهائية لمزاولة النشاط- أصدر مجلس ادارة الهيئة العامة للرقابة المالية قرار رقم ١٨١ لسنة ٢٠١٩ في ديسمبر من نفس العام، بشأن ضوابط الافصاح عن قيمة العمولات المستحقة لوسطاء التامين، وكانت شركة ثروة لتأمينات الاولى واظن الوحيدة – وفقا لما نما إلي علمنا من الوسطاء- التي طبقت القرار واقصد الوحيدة اي التي بادرت بتطبيقه فور صدوره وتحديدًا في يناير 2020 ومنذ ذلك التاريخ الى الان كافة الوثائق الجماعية التي تم اصدارها تتضمن اسم الوسيط، ورقم قيده بالهيئة وأجمالي قيمة العمولات المستحقة على للوثيقة.
خبري: أليس البدء بالتأمينات الجماعية في هذا المناخ الأصعب هو خيار كان يحتاج لمزيد من الدراسة أو على الأقل التآني؟
مجدي: بالفعل، منذ تاريخ حصول الشركة على الترخيص النهائي لمزاولة النشاط وجدنا أنفسنا امام تحد خاص وهو حتمية الدخول في منافسة اقل ما يقال عنها انها صعبة جدا رغم ان عُمر الشركة لا يتجاوز بضعة أشهر مقارنة بشركات عالمية تستحوذ على ما لا يقل عن ٨٠% من الاقساط المباشرة في قناة التوزيع الجماعي.
وكما تعلم، تأمينات الجماعي سواء الحياة او الطبي طويل الاجل سوق صعب بسبب عدد الشركات المتنافسة العاملة به ، خاصة الشركات العاملة في تأمينات الطبي من جهة ، ناهيك عن تدني اسعار التامين في هذا الفرع بالذات بسبب المنافسة الشرسة.
أضف الى كل ما سبق، انتشار جائحة كورونا ، وتأثيرها السلبي على الاسواق والشركات في كافة المجالات على مستوى العالم وليس فقط مصر.
هذه الشركات بعضها كان يوفر ميزة التامين على الموظفين سواء تامين حياة او/وطبي قبل الجائحة، لكن بعد الجائحة أصبح من الصعب على أي عميل تحمل أي أعباء إضافية- نظرًا لضعف الوعي- لسداد قسط التأمين، لاسيما بعد توقف حركة البيع والشراء وغلق الاسواق، علاوة علي ذلك فإن التامين أصبح رفاهية بالنسبة لشركات كثيرة جدا والاولوية اصبحت القدرة على الوفاء بدفع الأجور للعاملين، لاسيما مع اللغلق الكامل للأسواق، وحظر التجوال وبقاء الموظفين بمنازلهم، لان اي مؤسسة كانت أمام خيارين اما الإبقاء علي العمالة قدر الإمكان او تسريح جزءً منهم لترشيد الإنفاق، ومن ثم فالحديث عن تأمين حياة في هذا التوقيت وتلك الظروف لا يمكن وصفه إلا بالعبث.
خبري: إذا كان إعتماد ثروة حياة علي قناة التوزيع الجماعي في عاميها الماليين الأولان، فهل يعني ذلك أنها إعتمدت علي عناصر ذات خبرة في هذا النوع لتضمن جلب المزيد من العملاء أو المتاح منهم ، لاسيما وأنها أصدرت 200 عقد جماعي رغم كل التحديات؟
مجدي: لم تلجا ثروة لتأمينات الحياة الى تعيين اعضاء فريق البيع الجماعي من ذوي خبرة في هذه القناة بل العكس صحيح ، الشركة قررت الاعتماد على فريق صغير في السن، ليس لديه خبرة سابقة نهائيا في قنوات البيع الجماعي لتأمينات الحياة وكان متوسط أعمارهم اقل من ٣٠ سنة.
عدد أعضاء الهيكل الإداري لم يتجاوز 24 كادر بسبب الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة
خبري: وكم بلغ عدد فريق شركة ثروة الإداري أقصد الغير مختص بالبيع ؟
مجدي: أجمالي عدد فريق ثروة لتأمينات الحياة الإداري ٢٤ موظف
خبري: أليس هذا العدد ضئيل ، لاسيما وأنه معروف ان متوسط عدد الفريق الإداري لشركات تأمينات الحياة المنافسة لا يقل عن ٢٠٠ إلي ٥٠٠ شخص ؟
مجدي: ملاحظة منطقية ، لكن دعني اوكد لك ان هذا كان مقصودًا ومخطط له منذ البداية ، فاول قرار صدر لشركة ثروة لتأمينات الحياة او أول أهداف استراتيجيتها، بناء وتأسيس كل ركائز الشركة على أحدث ما وصلت اليه تكنولوجيا المعلومات فيما يخص البنية التحتية. وبالفعل تعاقدت ثروة على أحدث البرامج بتكلفة تعدت 1.5 مليون دولار او ما يعادل ٢٥.٥ مليون جنية مصري تقريبا.
هذه التقنيات والبرمجيات استطاعت تغيير عملية التشغيل الإداري داخليا بشكل الكامل من طريقة يدوية – تعتمد على العنصر البشرى- إلى الميكنة الرقمية – أي تعتمد على التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي-.
ودعني أضع مثلًا حيًا، منذ سداد العميل لقسط وثيقة تامين جماعي الخاصة بشركته لدى ثروة لتأمينات الحياة وحتي سداد ثروة لتأمينات الحياة عمولة الوسيط الحر لاتزيد عن ٢٤ ساعة ، ويتم تحويل قيمة العمولة الى حساب الوسيط البنكي مباشرة توفيرًا للجهد والوقت في غصدار اية شيكات مصرفية.
ومثال اخر له علاقة باسترداد العملاء للمصاريف الطبية – او ما يطلق عليه reimbursement- هذه العملية لاتستغرق أكثر من ٧٢ ساعة بحد اقصى من تاريخ استلام الشركة لطلب الاسترداد من العميل الى ان تقوم بتحويل قيمة الاسترداد المستحقة الى الحساب البنكي للموظف في الشركة المتعاقدة مع ثروة لتأمينات الحياة.
ومن هذا كله يمكن القول أن ثروة لتأمينات الحياة نشأت في ظروف هي الأصعب تاريخيًا بُحكم التحديات التي ولدت في خضامها، لكن الأن اصبحت مطمئنًا علي مستقبلها لكفاءة العاملين فيها، ولنجاح الشركة تجاوز ما واجهته ولا أظن أنها ستواجه مثله مرة أخري.