تحقيق- دينا مجدي:
ربما تكون الحالة التي يمر بها الإقتصاد العالمي ، هي الأصعب، لتواتر المخاطر الجيوسياسية ممثلة في الأزمة الروسية الأوكرانية والتي اثرت علي العالم من أقصاه لأقصاه، ناهيك عن عدم تعافي الإقتصاد العالمي من الآثار السلبية لجائحة كورونا.
الإنعكاسات السلبية الحالية وكذا المستقبلية لاينكرها إلا مغيب ، لكن في الوقت نفسه، لم تستسلم الدول لهذه المخاطر وبدأت ترويضها لإمتصاص آثارها جزئيًا، مستخدمة أدواتها الدفاعية ، سواء مالية أو نقدية، والتي ما يتم ترجمتها في صورة إجراءات علي الأرض.
وبما أن الدولة المصرية ليست في معزل عن العالم، فقد إتخذت حزمة التدابير المالية والنقدية، في محاولة لتلافي الآثار السلبية للمخاطر العالمية ، في خطوة تستهدف الحفاظ على قيمة الجنيه مقومًا بالدولا قدر الإمكان.
وتنفيذًا للتوجهات الرئاسية، أصدرت وزارة المالية عدة قرارات في ذلك النطاق وعلى رأسها تخصيص 130 مليار جنيه للتعامل مع تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية وتخفيف آثارها على المواطنين، وتحسين الأجور بدءً من شهر أبريل من العام الحالي، وزيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة 25٪ من 24 إلى 30 ألف جنيه لتخفيف عن المواطنين.
وبدوره إتخذ جاء البنك المركزي بعض الإجراءات ، منها رفع معدلات الفائدة بواقع 1% عقب رفعها بـ0.25% في الولايات المتحدة الأمريكية، مع طرح البنوك الحكومية شهادات ذات عائد مرتفع بلغت 18%، والتي أثرت بشكل كبير في احتواء الضغوط التضخمية، عن طريق إمتصاص السيولة، ودعم موقف العملة الأجنبية، فضلاً عن دعم العملاء المودعين بالقطاع المصرفي المصري والحفاظ على حجم الودائع البالغة 6 ترليون جنية مصري.
شوقي : قرارات المركزي أبرزت قدرة القطاع المصرفي على مواجهه الصدمات
الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي وعضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، قال أن سلسلة الإجراءات النقدية التي يتخذها البنك المركزي لم تأتي بفراغ، ولكنها تبرز حقيقة ومدى قدرة القطاع المصرفي المصري على مواجهة الصدمات وامتصاص الأزمات، كما أنها مكنت القطاع من استكماله لجذب المستثمرين الأجانب، فضلًا عن ضخ سيولة إضافية من المواطنين المصريين، مما ساهم في تقليل من حدة التضخم.
ولفت إلى أداء الاقتصاد المصري الذي ساهم في اجتياز أزمة كورونا سابقًا وسط تنفيذ كافة الإجراءات الاحترازية وقدرته على وضع نظرة مستقبلية مستقرة استعدادًا لأية متغيرات قد تطرأ، مشيرًا إلى كافة المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني الذين أشادوا بثبات القطاع المصرفي المصري رغم تداعيات جائحة كورونا التي أطاحت بكثير من الدول.
معطي : مصر نجحت في اجتياز الأزمة.. والبنوك لازالت قادرة على جذب المستثمرين الأجانب
كما كشف أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، عن تداعيات الصراع الروسي الأوكراني على كافة القطاعات المختلفة، كالتجارة الذي تأثر بشكل مباشر وغير مباشر، موضحًا أن مصر تأثرت بوقف استيراد القمح من تلك البلدين وبحثها عن أسواق بديلة بهدف سد الحاجة السكانية، كما تأثر قطاع السيارات من خلال تضرر الأسواق الأوروبية التي تعتبر مُصَدرة لمصر ومستوردة من روسيا وأوكرانيا جميع خامات السيارات.
وسلط الضوء على القطاع السياحي الذي تأثر أيضًا بسبب انقطاع زيارات أفواج السياح الآتي من روسيا وأوكرانيا رغم ارتفاع أعدادهم مؤخرًا وازدهار السياحة وتعزيز الدخل القومي.
وأشاد معطي بأن مصر تجاوزت هذه الضيقات بأقل الخسائر مقارنة بكثير من الدول التي اهتزت بقوة من ارتفاع سعر النفط وماترتب عليه من غلاء أسعار كثير من الصناعات وتكاليف النقل، مؤكدًا أن ارتفاع أسعار السلع لم تكن هي الأزمة وسط مثل هذه الحروب، وإنما هي توافر السلع من الأساس، وهذا ما تفوقت فيه مصر دونًا عن غيرها بتوفير مخزون إضافي من كافة السلع الاستهلاكية رغم توترات التوريد حول العالم.
وعلى الصعيد المصرفي، أبرزت النكبة نجاح البنك المركزي على استكمال اجتذاب المستثمرين الأجانب رغم التخوفات التي ألحقت بهم نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية وفقا لأحمد معطي.
باغا : اعتماد مصر على الاستيراد بشكل كبير يهدد رصيد الدولة من النقد الاحتياطي
بينما يرى الدكتور محمد باغا، الخبير الاقتصادي، أن الأخطار الجيوسياسية وتعاظم أزمة التضخم العالمية التي أشعل فتيلها انتشار فيروس كورونا، فجرت فكرة إنغلاق كثير من الدول على نفسها بهدف توفير حاجة سكانها من السلع الأساسية واحتفاظها بمخزون إضافي من البترول والغاز والقمح والزيوت وغيرهم نظرًا لعدم وضوح الأوضاع المستقبلية.
وأضاف أن هذه الحالة هددت استقرار الاقتصاد العالمي وأفقرته الانتعاش، كما أنها دفعت التضخم المحلي للذروة خاصة لكون مصر دولة مستوردة أكثر من أنها مصدرة، وتوجه البنك المركزي باستهلاك قدر من النقد الأجنبي الاحتياطي يُنذر بالخطر على القطاع المصرفي.
ونادى باغا بتحقيق الرؤية المسبقة من قِبل البنك المركزي قبل خفض النقد الاحتياطي، وذلك من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات والأنشطة التي تدفع بعجلة الإنتاج وتقلل من فكرة الاستيراد، بل تسهم في التصدير للخارج وتوفير العملة الأجنبية، كما شدد على أهمية السيطرة على تسارع المستثمرين على تخزين الدولار.
فهمي : البنوك في حاجة للتوسع في تمويلاتها الاستثمارية لاستيعاب آثار الأزمة
ومن جانبه، أضاف ماجد فهمي، الخبير المصرفي ورئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية السابق، أن أثر الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع الاقتصادي المحلي جاء عميقًا، وسيستمر لعدة سنوات قادمة، ومن المؤكد أن ينعكس على أداء القطاع المصرفي، حيث إن البنوك هي المرآه التي تعكس مدى انتعاش أو تدهور عجلة الاقتصاد، وقد يترتب علي هذه الأزمة تعثر بعض الشركات عن سداد ديون القائمة، بخلاف تراجع كثير من المشروعات الاستثمارية التي تسهم البنوك في تمويلها، مما يطيح بالأخير بناتج أعمال البنوك.
لذا شدد على أهمية استيعاب البنوك لتداعيات هذا الصراع على عملاءهم، وضرورة الاستجابة إلى قانون البنوك الجديد الذي ينص على رفع رؤوس الأموال إلى 5 مليار جنيه كحد أدنى للتقليل من حدة الأزمة.
وطالب فهمي بتوسع القطاع المصرفي في أنشطته الاستثمارية المباشرة المنتجة والتي تعد ركيزة الاقتصاد المحلي وتؤتي بثمارها على المدى القصير، كقطاعي الزراعي والصناعي اللذان يساهمان في تقليل الواردات وزيادة الصادرات للخارج مما يمكنه من الاحتفاظ بالنقد الاحتياطي.