فوجئت سوق التأمين المصرية باستثناء قيادات شركاته ، بقرارًا صادر عن الرقابة المالية يحوي في طياته مجموعة ضوابط جُلها يرتبط بتأمين الائتمان والضمان ، حقيقة ، بُحت الاصوات التي نادت بضرورة التدخل الرقابي ليس للتقييد علي الشركات ولكن لضبط إيقاع المنافسة الذي أخذ منحي مختلف عن طبيعة الممارسات الفنية.
علي كلِ ، الضوابط في صورتها الكلية وجوهرها لاغبار عليها ولايمكن لموضوعي أن يتجاهل فلسفتها وما تحويه من معاني وأهداف وإشارات نبيلة، لكن كان التساؤل حول بعض الضوابط المرتبطة بإلزام شركة التامين دراسة الجدارة الائتمانية للعميل، التساؤل هنا ليس في أحقية شركة التأمين ولكن في كفاءة عنصر التأمين علي قياس الجدارة في قطاع ليس مُلمًا بتفاصيله كالمصرفيين أنفسهم؟ ، ناهيك عن الضوابط المرتبطة بنسب التحمل ؟، وأخري لها علاقة بإعادة تأمين هذه الأخطار؟ ومدي قدرة الشركات علي التكيف معها ؟ ، والأهم مدي وفرة العناصر التي لديها خبرة كافية بتأمينات الضمان والائتمان خاصة في الإكتتاب والتعويضات؟.
الهدف من الأسئلة ليس إثارة غريزة الفضول لدي بعض المتابعين بل هو محاولة لفهم فلسفة قرارات الرقيب ، رغم أن دلالالتها الأولي تؤكد نبلها وصدق أغراضها ، وما كان أنسب للإجابة علي التساؤلات المرتبطة بتأمينات الضمان سوي مصطفي أبو العزم، العضو المنتدب للجمعية المصرية للتامين التعاوني، علي إعتبار أن الجمعية تتمايز بتأمينات الضمان وتتفرد فيه، لاسيما المرتبط بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ، وأما السبب الثاني فله علاقة بمصطفي أبو العزم نفسه بإعتباره أكثر إنغماسًا في هذا الملف شديد الخصوصية قبل تقلده منصب العضو المنتدب.
الحوار بالطبع لم يركز فقط علي تأمينات الضمان رغم أهميته ، بل تعرض لأمور أخري متشابكة ومرتبطة بهموم القطاع وتحدياته ، وكيف يمكن مواجهة هذا الكم الهائل من الأخطار المستحدثة بسبب ظروف خارجية ليس للسوق المصرية جريرة فيها ، أدت إلي نتائج نعاني بعضها حاليا او علي الأقل حتي وقت قريب مثل أزمة السيولة الدولارية وكيف تم التعامل معها ، وأسئلة أخري سنعرضها تفصيلًا في الحوار التالي.
وإلي نص الحوار:
أجري الحوار – ماهر أبو الفضل:
جهات التمويل رحبت بضوابط الضمان لأن فلسفتها حماية السوق وليس تقييده
خبري: وضعت الهيئة العامة للرقابة المالية بعض الضوابط المرتبطة بتأمين الائتمان والضمان ، أثارت جدلًا ليس حول ماهية الخطر ولكن حول الضوابط نفسها مثل قياس الجدارة الائتمانية وتوزيع الخطر علي أكثر من معيد تأمين ونسب التحمل المفروضة إلزاما علي العميل ، كيف تري الضوابط علي إعتبار أن جمعية التأمين التعاوني أكثر إلتصاقًا بهذا النوع من التغطيات لتمايزها فيه؟
مصطفي أبو العزم : قبل الدخول في تقييم الضوابط ، أود أن أشير إلي أنها لم تصدر بأمر فوقي ، أو بمعني أن سوق التأمين لم تفاجأ بها ، بل بالعكس جري حوارًا مجتمعيًا حولها دعت له الرقابة المالية وحضره مسئولي وقادة صناعة التأمين في مصر، وهو أمر يُحسب لها ، وحينما صدرت لم تخرج عن الإطار الذي جري النقاش حوله ، أقصد أسباب إصدار ضوابط في هذا التوقيت وفلسفتها والغرض منها ، هذا من حيث الشكل.
أما أما فيما يخص المضمون ، فأري انه من الموضوعية بمكان التأكيد علي أهمية هذه الضوابط لأكثر من سبب ، الأول أنها صدرت في توقيت غاية الدقة، لاسيما مع إرتفاع معدل التضخم بسبب الأخطار الجيوسياسية العالمية والتي لاينكرها موضوعي.
وأما السبب الثاني وهو المهم من وجهة نظري، أن الرقابة المالية تستهدف أمران لاينفكان عن بعضهما البعض، الأول ان دورها حماية العميل ، والثاني أنها تسعي لتعزيز سوق التامين كصناعة ومن ثم تسعي لحمايته او تقوية مناعته ، وبالتالي فليس الغرض من الضوابط تقييد حرية السوق ، ولا الحد من نموه، بل بالعكس هي – أقصد الرقابة المالية- إستهدفت تقوية مناعة السوق ضد أية أخطار محتملة ، فليس معني أن صناعة التأمين تقوم علي ترويض الخطر، أن تقبل أي خطر مهما كانت حدته ، لان هذا ليس منطقيًا لاسيما مع وجود شركاء استراتيجيين – أقصد شركات الإعادة- هم جزءً من التغطية بحكم تحملهم نسب معينة من الأخطار.
تعجب البعض من إشتراط عناصر مؤهلة لإكتتاب وتعويضات الائتمان يثير الدهشة
دخولًا في تقييم الضوابط رغم أننا في الحوار المجتمعي الذي ضم مسئولي الشركات استفضنا فيها نقاشًا ، ودعني أخبرك أننا توقعنا فيما يخص نسب التحمل التي ستتضمنها التغطية واالبالغة 25% ستثير إمتعاض جهات التمويل، لكن كافة الشواهد أكدت عكس ما توقعناه بل وجدنا إرتياحًا وقبولًا، لانها – اي مؤسسات التمويل- في نهاية الأمر لا تسعي لإلقاء المسئولية علي شركة التأمين، لان التأمين إن تحمل الخطر بسبب تساهل جهة التمويل في عام فلن يتحمله في عام أخر، وبالتالي فبذل العناية الواجبة قبل منح التمويل هو أمر له فائدة علي كافة أطراف الضمان او الائتمان ، سواء شركة التأمين او جهة التمويل نفسها ، وكذلك العميل.
وفيما يخص قياس الجدارة الائتمانية واشتراط وجود خبرة لدي مسئولي الإكتتاب والتعويضات بهذا النوع من المخاطر ، أمر ليس مستغرب، بل الغريب ان تكون العناصر البشرية ليس لديها إلمام بطبيعة الخطر ، وإذا إفترضنا جدلًا رغم عدم واقعيته ان السوق يعاني من ندرة هذه العناصر، فإنه من الممكن الاستعانة بعناصر خارجية او مستشارين متخصصين ، لفترة زمنية مؤقتة حتي يتم تدريب العناصر المسئولة عن الاكتتاب والتعويضات وإكسابهم الخبرة اللازمة عن تأمين الضمان من خلال الدورات التدريبية.
وإذا تحدثنا عن جمعية التأمين التعاوني، فكما أسلفت في تساؤلك، نحن نتمايز في تأمينات الضمان والائتمان ، وتمايزنا لم يكن صدفة، بل بسبب وجود عناصر بشرية وكفاءات فنية قادرة علي التعامل مع أخطار تأمين الائتمان والضمان بصورة مثالية ، وكافة نتائج الأعمال والأرقام تدلل وتبرهن علي هذا.
خبري: لن أعرج علي مناقشة ماهية بعض الضوابط لكن دعني أختذل السؤال في فلسفة الـ 25% تحمل التي ستلتزم بها جهة التمويل من التعويض في حال تحقق الخطر، هل تم وضع نسبة تحمل بشكل عام بسبب التساهل في منح الائتمان إتكالًا علي شركات التأمين، ليس تعمدًا بالطبع وليس الغرض من التساهل أن يكون ذا تأثير سلبي علي شركة التأمين بل إطمئنانا لها؟
أبو العزم : أتفق معك أن عدد قليل من جهات التمويل وليس كلها ، لن أقول تساهلت ، بل لم تجري الدراسة الكافية خاصة في الاخطار التي تتحمل شركات التأمين فيها أكثر من 95% كحد للتغطية ، وهو أمر مفهوم ، ولذلك وضعت الرقابة شرط نسبة التحمل تحفيزا لأطراف التغطية خاصة جهة الإقراض وشركة التمويل ببذل العناية الواجبة ، للحد من اية آثار سلبية او تعويضات ، لان العميل وهو محور إهتمام الهيئة سيكون له نصيب من هذا التأثير.
لكن هناك نقطة غاية في الأهمية غفل البعض عنها دون عمدِ، وهي ان نسبة التحمل ستكون ثابتة في كل التغطيات ، بالإضافة الي أن شروط التغطية ستكون موحدة ، وبالتالي فلا مجال لإستخدام نسبة التحمل سلاحًا للمنافسة ، بمعني ان تغري شركة التأمين العميل- وهو هنا جهة الإقراض- بعدم تحملها اي جزء من الخطر ، ومن ثم فتوحيد الشروط ونسب التحمل يخدم السوق ، ومن ثم ستكون المنافسة علي الخدمة وهو غاية أهدافنا ومرامينا.
توحيد شروط تأمين الضمان فرصة للمنافسة علي الخدمة وليس الممارسة السعرية
خبري: ولماذا أغفلت عنصر التسعير؟ بمعني أن توحيد الشروط اقتصر علي الشروط الفنية وليست المالية، ومن ثم فمن الممكن ان تلجأ شركة التأمين لخفض السعر لجذب العميل؟
أبو العزم : دعني أفترض حُسن النية في التساؤل ، وأفترض جدلًا اشتخدام شركات التسعير أداة من أدوات المنافسة وليس الخدمة ، فماذا ستكون النتيجة؟ وما هي أثاره؟ بالطبع الأثار ستكون كارثية إذا تحقق الخطر ولم يكن هناك تسعير منضبط فنيًا، وبالتالي لن تتأثر جهة التمويل نفسها بإستجابتها للسعر الأقل وكذلك العميل، بل شركة التأمين نفسها لن تسلم من فاتورة هذه المنافسة والتي علم القاصي والداني مرارتها فنيا وماليًا ، ومن ثم فأستبعد ان تلجأ الشركات للمنافسة فيما بينها مستخدمة عنصر التسعير، وسيكون محور المنافسة علي الخدمة وبالتالي سينضبط السوق وستجني كافة الأطراف ثمار هذا التحسن والإنضباط.
خبري: وما فلسفة توزيع الخطر علي أكثر من معيد تأمين لاسيما مع ندرة شركات الاعادة المتخصصة في تأمينات الضمان والائتمان بصفة عامة؟
أبو العزم : فلسفة توزيع الخطر الذي سيتم إعادته هو نفس فلسفة تفتيت الخطر علي أكثر من عميل، لضمان استدامة النمو من ناحية وللإطمئنان علي قدرة الشركة لسداد التعويضات ، وهو ما ينسحب علي شركات الإعادة.
ما أقصده ، قد يكون هناك ندرة في شركات الإعادة المتخصصة ، علي إفتراض أننا قمنا بدراسة مسحية شاملة، فالسؤال واجب الطرح، ماذا لو تركزت تأمينات الضمان والائتمان لدي معيد تأمين واحد من سوق تأمين كاملة؟ بالطبع النتائج والسيناريوهات ستكون كارثية إذا تحقق الخطر ، لاسيما إذا كان هذا الخطر لدي عميل واحد.
ما أعنيه، أن هناك عميل قد يكون لديه خطر قام بتوزيعه علي أكثر من شركة تأمين، وإذا أعادت شركات التأمين جزء من هذا الخطر لدي معيد تأمين واحد ، فبالتالي سيتركز هذا الخطر لدي شركة الإعادة، وإذا إفترضنا تحقق الخطر ، أليس في ذلك خطورة علي شركة الإعادة وكذلك شركات التأمين؟ بالطبع هذا الشرط او الضابط المرتبط بتوزيع الخطر الواحد علي أكثر من معيد تأمين الغرض منه حماية السوق كما اسلفت ذِكرًا.
الشركات ستضطر لتغيير برامج إعادة التأمين منعًا لتركز الخطر الواحد
خبري: هل معني ذلك أن شركات التأمين ستلجأ إلي تغيير برامج إعادة تأمينها؟
أبو العزم : بكل تأكيد وسيدفعها للبحث عن شركات إعادة أكبر في الملاءة المالية، وسيتم تنويع شركات الإعادة وهو ما يحمي السوق.
التضخم ليس شرًا مطلق بل فرصة لإبتكار منتجات غير نمطية
خبري: لا صوت يعلو علي صوت التضخم وتأثيراته ، هناك مدرسة تري التضخم شر مطلق وأخري تراه خيرًا مطلق ولكل مدرسة مبرراتها ، أتري ان الحُكم الحدي او الذي يميل كلية إلي اتجاه واحد حُكم موضوعي؟ بمعني اليس للتضخم آثارًا إيجابية وسلبية في نفس الآن؟
أبو العزم : بكل تأكيد الحُكم الحدي غير موضوعي، وبكل تأكيد هناك آثارًا سلبية للتضخم مرتبطة بشح السيولة ووفرتها لدي الكثيرين وإذا إرتبطت عدم الوفرة مع ضعف الوعي بأهمية التأمين بالتالي ستكون النتيجة ترشيد الإنفاق علي حساب التأمين.
أما الجانب الإيجابي فهو مزدوج ، بمعني ان شركات التأمين ستلجأ أمام هذا العنصر الضاغط لدراسة آليات وحلولأ غير نمطية والتعامل مع التضخم كفرصة لإبتكار التغطيات الغير نمطية التي يمكن من خلالها جلب العميل ، وأما النقطة الثانية فلها علاقة بإعادة تقييم الاصول ، لاسيما وأن التضخم جاء بسبب تحرير سعر الصرف، وإعادة تقييم الاصول يعني زيادة أقساط التأمين وهو ما تستثمره شركات التأمين ماليًا والاستفادة من تلك العوائد، وتستثمره فنيا بالتحوط في تقييم الأخطار.
إختبارات الإجهاد رفعت مناعة الشركات وحصنتها من تأثيرات الأخطار الجيوسياسية
خبري: الجانب الإيجابي نظريًا مقبول ، لكن عمليًا الغالبية يعلم أن استجابة العميل لإعادة تقييم الاصول ليست بالصورة المطلوبة ربما لعدم إدراك أهمية التأمين والإعتقاد خطأ ان هذا تكلفة إضافية لايرغب في تحملها ، وربما لوجود منافسة بين الشركات ما دعي بعضها لزيادة السعر بصورة لا تتوائم مع طبيعة الخطر؟
أبو العزم : كل شركة وشأنها ولكن بصورة عامة أتفق معك أن الاستجابة ليست علي المستوي المطلوب، لكن المضرور في النهاية سيكون العميل لانه سيفاجأ بتعرضه لشرط النسبية، ومن ثم سيحصل علي تعويض لايتوائم مع طبيعة الخطر وتأثيره ، وهو ما سيحفزه مستقبلًا للإستجابة لنداءات شركات التأمين بإعادة تقييم الأصول إذا لزم الأمر كما هو حادث حاليا بسبب إرتفاع معدل التضخم بعد تحرير سعر الصرف.
خبري: إختبارات الاجهاد أو الـ stress tests التي أجرتها الرقابة المالية الفترات الماضية، هل كانت ذا جدوي في ظل الظروف الضاغطة حاليًا؟
أبو العزم : أزعم أنه لولا إختبارات الإجهاد لما تجاوزت سوق التأمين المصرية الآثار السلبية لبعض الظروف العالمية منها جائحة كورونا ثم الأخطار الجيوسياسية ، وبالتالي أعتقد أن إختبارات الإجهاد رفعت مناعة سوق التأمين وحصنته من الأخطار الجيوسياسية ، وبالتالي تعافي من كبوات الآثار الضاغطة عالميا وإنعكست علي الإقتصاد المحلي.
خبري: هل تعامل معيدو التأمين مع شح السيولة بالمرونة المطلوبة؟
أبو العزم : أغلبهم تفهم الوضع ، لاسيما وأنه بسبب اوضاع عالمية وليس للسوق المحلية فيها جريرة أو ذنب ، ولا أنكر أن البعض إمتعض ولم يتفهم ، لكن في النهاية تجاوزناها ، ومن ثم أيضًا فلن تغفل شركات التأمين دور الداعمين والمعضدين من شركات الإعادة ، ولن تنسي من تخلي عنها ، رغم أنهم أقلية ، فالظروف الضاغطة كاشفة وهو ما نتعلم منه علي المستوي الشخصي قبل المستوي العملي.
خبري: هل يمكنك تفسير ذلك بصورة أكثر وضوحًا؟
أبو العزم : بعض شركات الإعادة لم تتفهم أزمة السيولة الدولارية وهم عدد قليل كما اسلفت ، ولكن بعد إنفراج الأزمة بسبب تعضيد الجهاز الرقابي والكيان التنظيمي ، فوجئت هذه الشركات أننا إنتهينا من تجديد اتفاقيات الإعادة لدي أخرين ، وشعروا بالندم لكن بعد أن مضي وقته.
خبري: بعض شركات الإعادة ومنهم هانوفر ري إستبقت هذه الأزمات الغير معروفة سلفًا بفتح حسابات مصرية بالجنيه المصري وليس حسابات دولارية، هل هذا الإجراء كان داعم لهانوفر ري وتعزيز مكانتها في السوق المصرية؟
أبو العزم : من وجهة نظري أن ما قامت به هانوفر ري ، يُحسب لها ، وهي خطوة يمكن وصفها بالذكية ، لاسيما وأن أهمية الخطوة التي إتخذتها في سوابق السنوات ، بفتح حسابا مصرفيًا بالجنيه ، ظهرت بصورة جلية في الأوقات الحالية خلال أزمة الدولار.
هيمنة شركة إعادة واحدة علي السوق ليس صحيًا في المدي الطويل
خبري: هناك شبه سيطرة لهانوفر ري في سوق التأمين المصرية ، وهذه السيطرة لها تفسيران من مدرستين مختلفتين ، الأولي تعضد هذه السيطرة حتي وإن تبعتها في وقت لاحق فرض لشروط معينة مرتبطة بالتسعير بخلاف الشروط الفنية وأن هذه الشروط الغاية منها نبيلة وهو ضبط إيقاع الممارسات ، ومن ثم ستستفيد شركة التأمين والإعادة ، ومدرسة أخري تري أن هذه السيطرة لها من السلبيات ما يفوق الإيجابيات لاسيما إذا إمتدت إلي فرض شروط يصعب تنفيذها او لا تتلائم مع طبيعة السوق المصرية لخصوصيتها ، فإلي أي مدرسة تميل ولماذا؟
أبو العزم : في ظني الذي قد يتفق أو يختلف معه البعض، هيمنة شركة علي سوق أمرًا غير صحي، وغير مطلوب، وفرض شروط حتي وإن كان بغرض نبيل ليس مستساغًا لاسيما وإن لم تكن هذه الشروط مُرضية للأخرين.
خبري: البعض قد يري رايك رفضا لضبط إيقاع السوق، لان التشدد او فرض الشروط بصورة عامة الغرض منه تحقيق نتائج إيجابية علي المستوي الفني خاصة الأرباح الفنية لاسيما وان معيد التأمين لايستفيد من عوائد الاستثمار؟
أبو العزم : وهل معيدو التأمين الأخرين لايرغبون في ذلك؟ الإجابة بالقطع لأ، بمعني أن كل شركات الإعادة تسعي لان تحقق شركات التأمين أرباحا فنية لانها تستفيد منها ، لكن ما أقصده هو فرض الهيمنة والإحتكار لصالح شركة او معيد تأمين واحد ، أظن أن سلبياته مرحليًا وعلي المدي الطويل تفوق إيجابياته.
الطاقات الاستيعابية المتاحة من شركات الإعادة ليست تكئة للمنافسة السعرية
خبري: البعض هال التراب علي ما نجح في زيادته طاقته الاستيعابية ووصف الطاقة الكبيرة بأنها نِقمة إن لم يُحسن استثمارها ، علي أساس أن البعض قد يستخدمها تكئة للمنافسة السعرية؟
أبو العزم : من حيث المبدأ لايمكن إصدار حكم كُلي علي من نجح في زيادة طاقة شركته الاستيعابية بعد تجديد الاتفاقيات ، لسبب بسيط وهو أن هذه الطاقة مرتبطة بحجم الأعمال ، وزيادة الطاقات الاستيعابية في الوقت الحالي أمر طبيعي خاصة مع إرتفاع سعر الدولار أو تراجع الجنيه ، وهو ما إنعكس علي قيمة الاصول المؤمن عليها.
ثانياً ، من يتكئ علي الطاقة الاستيعابية كحائط صد يعينه علي الممارسة السعريىة غير المنضبطة ، لايُدرك عواقب هذا ، ليس مصادرة علي من يستخدم الطاقة الاستيعابية بصورة غير منضبطة فلكل شركة فلسفة هي أدري بها ، والأجدر علي شرح فلسفتها ، ولكن في لعموم إن لم تحسن شركة التأمين استثمار طاقتها الاستيعابية الممنوحة لها من معيدي التأمين ، فبالتالي لن تستطيع الحصول عليها مجددًا في العام التالي من نفس شركة الإعادة ، وهو أمر علي المدي المتوسط والبعيد يؤثر سلبًا علي شركة التأمين وليس العكس.
خبري: كيف يمكن الحكم علي سلامة استخدام شركة التأمين للطاقة الاستيعابية المتاحة والممنوحة لها ، بمعني متي يمكن الحكم عليها بأنها أساءت استخدامها او العكس اي استثمرتها بصورة جيدة؟
أبو العزم : شكليًا من اسلوب عملها وكيفية ملء هذه الطاقة ، وجوهريًا من نتائج الأعمال ، وقياس الأرباح الفنية أو فائض الإكتتاب لفترة زمنية ، لانه من الجور الحكم علي اسلوب ممارسات شركة التأمين من نتائج أعمال عام واحد ، بل يجب ان تكون خلال فترة زمنية محددة ، وتكرار خسائر الإكتتاب سيعكس بالضرورة سوء استخدام الطاقة الاستيعابية والإنحراف عن معايير الإكتتاب الفنية.
تنويع محفظة الأخطار صحي للشركات وتركزها يهدد سلامتها حتي وإن تمايزت فيها
خبري: وهل تنويع المحفظة له دلالة علي استثمار او استخدام الطاقة الاستيعابية؟
أبو العزم : بكل تأكيد، فما أيسر ملء الطاقة الاستيعابية من خلال تركز الخطر عند عميل واحد ، حتي وإن كان الإكتتاب سليم، لكن معدل ودرجة الخطورة سيظل مرتفعًا، علي عكس تنويع المحفظة الذي يضمن سلامة النمو واستدامته ، والأهم أنه سيحمي شركة التأمين من أية سيناريوهات كارثية.
وأود الإشارة إلي نقطة جوهرية ، وهي أن البعض يظن أن الطاقة الاستيعابية تُمنح من معيدي التأمين لشركة التأمين دون مقابل ، وهو خطأ ، لأن شركة الاعادة حينما تمنح طاقة استيعابية كبيرة يتم ترجمة هذه الطاقة إلي أقساط أو أموال، ومن ثم فاستخدام الطاقة الاستيعابية بصورة غير جيدة له آثار عكسية ليس فقط علي معيد التأمين بل علي شركة التأمين نفسها.
خبري: البعض يعتقد أن تركز محفظة العمليات في فرع معين أمرًا مقبولًا طالما أن النتائج الفنية مُرضية علي إعتبار أن التركز دليل علي التمايز او القدرة علي ممارسة فرع تأميني معين بصورة أفضل ، والبعض يري أن التركز حتي وإن كانت نتائجه جيدة لكنه ليس صحيح فنيًا، فإلي أي مدرسة تميل؟
أبو العزم : الأصل في التأمين هو التنوع ، لأن التنوع يعني تفتيت الخطر وبالتالي القدرة علي مواجهة الصدمات في فرع معين بسبب تعويضه من فرع أخر ، ولذا فعلي المستوي الشخصي لا أحبذ التركز بل تنويع المحفظة.
المفاضلة بين التركيز علي التأمينات الجماعية أو الفردية مرتبط بطبيعة التغطية نفسها
خبري: التأمينات الجماعية أو تأمين الشركات أو ما يسمي إصطلاحًا بتأمينات الـ corporate والتأمينات الفردية أو منتجات الـ individual لكل منهما ما يميزه وما يحويه من صعوبات سواء مرتبطة بالتسويق أو تكلفة بيعه او تفتيت المخاطر عليه، فهل الفترة الحالية هي الأفضل لايهما؟
أبو العزم : كما أسلفت في تساؤلك بالطبع التأمينات الجماعية تتمايز بأنها أقل تكلفة في بيعها وفي التأمينات الفردية رغم إرتفاع تكلفة تسويقها لكن تعبر عن قاعدة الأعداد الكبيرة ، ومن وجهة نظري أن هذا لا ينفك عن ذلك ، بمعني أن التركيز علي أحدهما لايجب أن يكون علي حساب الأخر، بل يجب التوازن بين كليهما.
وفيما يتعلق بالفترة الحالية فهي الأنسب للتأمينات الجماعية خاصة في منتجات مثل الطبي لأنها ستضمن توفير خدمة مقبولة بسعر ملائم ، لكن تمايز الجماعي لايعني أنه الأفضل طوال الوقت بل كما أسلفت لاغني عن الفردي ، ومن ثم لابد من الملائمة بينهما ، ولايجب أن نغفل ان ملائمة الاتسهداف سواء للفردي او للجماعي مرتبط بماهية المُنتج أو التغطية التأمينية نفسها.
إعادة هيكلة الاوزان النسبية للجماعي والفردي والوصول لنقطة التعادل ديسمبر المقبل
خبري: ما الأوزان النسبية للفردي والجماعي في محفظة عمليات جمعية التأمين التعاوني؟
أبو العزم ، الأوزان النسبية الحالية من إجمالي الإكتتابات موزعة بواقع 70% للجماعي و30% للفردي ، ولكن نستهدف خفض الجماعي إلي 50% وزيادة الفردي إلي 50% للتوازن بينهما ، لكن تقليص الجماعي لايعني تقليص حجم المحفظة ولكن تقليص وزنه النسبي.
نستهدف الوصول بحصيلة العمليات إلي 500 مليون جنيه في يونيو 2024
خبري: المستهدف بنهاية يونيو المقبل 450 مليون جنيه إكتتابات مباشرة هل سيكون التوازن في مؤشرات 30 يونيو المقبل ام في العام المالي الجديد؟
أبو العزم : بالفعل نستهدف تحقيق أقساط مباشرة بنحو 450 مليون جنيه ، مع نهاية العام المالي الحالي 2022/2023 ، ولكن سنصل بالتوازن بين الفردي والجماعي في محفظة العمليات مع نهاية العام الميلادي وليس المالي، اي في نهاية ديسمبر المقبل.
وأود الإشارة أيضًا أن الخطة التقديرية للعام المالي المقبل 2023/2024 الوصول بحصيلة الإكتتاب إلي 500 مليون جنيه ، مع العلم أن الجمعية تضع المستهدف في إطار من النمو الطبيعي وليس التعجل او التسرع أو نهم في زيادة الأقساط علي حساب قواعد الإكتتاب الفني.
خبري: هل هناك إعادة نظر في الأوزان النسبية لفروع معينة بسبب الضغوط الاقتصادية الحالية؟
أبو العزم : مراجعة الأوزان النسبية للفروع التأمينية من محفظة العمليات الكلية هو أمر ديناميكي بمعني أننا لا نعمل في قوالب جامدة أو ثابتة ، وبما أن هناك أخطار مُلحة ناتجة عن الضغوط الاقتصادية فكان من المهم تقليص محفظة الضمان ، مقابل زيادة محفظة متناهي الصغر والذي نتمايز فيه فنيا ، ونسعي لأن نستحوذ علي حصة مؤثرة من عملياته علي مستوي السوق ، إستهدافا للأرباح الفنية وليس مجرد تحقيق رقم أو قسط نتباهي به دون أن يكون له عائد مًجد.
شركات التأمين لا تتخلي عن العملاء والإبتعاد عن الأخطار المؤكدة ليس تخلِ
خبري: البعض قد يتساءل مستفسرًا حينا ومستفهمًا أحيانا ، عن دور شركات التأمين، بمعني أن شركات التأمين دورها ترويض الخطر طالما أن سمات الخطر التأميني ينطبق عليه، وفي نفس الوقت شركات تأمين تبتعد عن الأخطار في حالة ما إذا شكلت ظاهرة ، منها ذِكرًا تأمينات الضمان، ويظن هذا الفريق أن شركات التأمين تتخلي عنه في وقت الأزمات، فما مدي منطقية هذا الراي؟
أبو العزم : لا أحسب ملامة عليهم لأنني أعلم أن هذا الفريق لديه شجون ، لكن غير حقيقي أن شركات التأمين تتخلي عن العملاء، ورغم قسوة التوصيف لكني دعني أدلف في شرح التخلي إصطلاحًا.
التخلي هو ترك العميل بعد أن تم وعده بتغطية الخطر ، وابتعاد شركات التأمين عن خطر معين ليس تخلي بل إبتعاد عن خسائر قد تؤدي بحقوق عملاء في فروع تأمينية أخري، ومن ثم فتوصيف التخلي غير دقيق لغويا.
وأما فيما يخص الجوهر ، شركات التأمين ليس دورها تحمل فاتورة خسائر مؤكدة ، وإن كانت تأمينات الضمان تحوي في طياتها نسبًا عالية من التحقق بسبب الظرف، فهناك خياران ، الأول أن تبتعد شركة التأمين حماية لباقي العملاء ، والثاني قبول الخطر بأسعار قد لايتحملها العميل نفسه ، لكن الأهم من ذلك أنه لابد من وجود إعادة تأمين قوية لهذا الخطر ضمانًا للعميل ولشركة التأمين.