ظلت ولازالت الهيئة العامة للرقابة المالية ، تتخذ من الإجراءات الرقابية حينا والتشريعية أحيانا، ما يكفي لضمان سلامة واستقرار سوق التأمين ، للحفاظ علي حقوق حملة الوثائق ، ولإستدامة فرص النمو المحققة والبناء عليها، من خلال دعم الملاءة المالية للشركات ، كونها – اي الملاءة المالية- مؤشرًا علي استعداد وقدرة اللاعبين ، للوفاء بإلتزاماتهم من الرصيد المتاح لها- سواء احتياطيات مالية او مخصصات او الأرباح المحتجزة وما دون ذلك.
وظل وسيظل – بحكم الضرورة والمهام- رهان جهة الرقابة دائمًا علي وفاء شركات التأمين بالتزاماتها جميعًا ، وفي وقت واحد ، دون ان تتعرض اي منها، لشبح العُسر المالي،وهو ما يبرر سبب إختبارات الإجهاد Stress Tests التي تجريها جهة الرقابة دوريًا علي السوق.
لن أتناول علاقة الملاءة المالية بالسياسة الإكتتابية في الشركات رغم أهميتها، لكن سأتطرق إلي جزئية أخري، متصلة بل ومتشابكة بالسياسات الاكتتابية، ألا وهي دور برامج إعادة التأمين في تحديد طبيعة الممارسات – سواء سعرية او فنية- داخل السوق.
وللدخول في الموضوع دون اسهاب، وللإجابة علي التساؤل الجوهري، ألا وهو ، هل تحدد برامج إعادة التأمين طبيعة الممارسة داخل الشركات ؟ والأهم كيف يمكن قياس ذلك؟
بصورة مباشرة، نعم هناك علاقة ، بل علاقة واضحة وجلية ، فكلما أُتيحت لشركة التأمين طاقة استيعابية كبيرة- بغض النظر عن طبيعة البرنامج باستثناء إعادة التأمين الاختياري Facultative Reinsurance ، لاسباب ليس هذا توقيت الاستفاضة فيه- كلما اساءت شركات تأمين ، لهذه الثقة التي تُرجمت في صورة زيادة الطاقة الاستيعابية- لاحظ انني قلت شركات تأمين وليس شركات التأمين حتي لايكون الحُكم كُلي ومن ثم سيكون غير موضوعي-.
اساءة شركة التأمين التي تُمنح او تحصل علي طاقة استيعابية كبيرة، تكمن في أنه سيكون لها مساحة كبيرة للممارسة – وتحديدًا السعرية غير المنضبطة فنيًا- .
وأظن وليس كل الظن إثم، ان الطاقة الاستيعابية الكبيرة لا تُمنح إلا للشركات التي لديها ملاءة مالية مقبولة، ورأسمال ضخم ، لكن هذه الشركات تسيئ استخدام- كما اسلفت- الطاقة الاستيعابية، رغم ان الغرض منها هو منح الفرصة لزيادة الاخطار التي تقبلها- بشرط ان تكون علي اساس فني- بما يضمن تحقيق وفورات فنية تستفيد منها شركة التامين قبل الإعادة.
ما يحدث علي الأرض، ان شركات تأمين، تتكئ علي وجود ظهير استراتيجي لها، اقصد معيدي التأمين، وتستخدم اسلوب الممارسة السعرية او المنافسة السعرية، او ما يشاع توصيفه بالمضاربة السعرية، ظنا منها أنها ستفلت من تحمل فاتورة هذه الممارسات بمفردها، وان هناك معيد تأمين سيتحمل النسبة الأكبر من فاتورة التعويضات، ناهيك عن اعتقاد شركة التأمين ، انها ستعوض خسائرها الفنية بعوائد الاستثمار التي تحققها من أموال حملة الوثائق في التأمين التجاري او التقليدي، أو المشتركين أذا كنا نتحدث عن نموذج التأمين التكافلي.
ظاهريًا، البعض يظن أن برامج إعادة التأمين لا تكشف طبيعة الممارسة، لكن واقعيًا ، برامج الإعادة تعبر عن هذه الممارسات، وما يعبر عنها أمرين، الأول له علاقة بالنتائج الفنية وليس الكلية، والثاني مرتبط بتكوين وطبيعة محفظة الأخطار المُكتتبة.
البعض قد يسأل، أليس في هذا تجن علي شركات تأمين وليس كلها بالطبع؟ سأجيب ، ليس تجن، لأن الغالب من وحدات التأمين تسعي للممارسة الفنية، وتدقق في إختيار برامج الإعادة، لكن دعني أحيل السائل لتحليل محافظ الشركات، وقياس نسبة صافي الأقساط المكتتبة- لاحظ انني قلت صافي الأقساط المكتتبة وليست المكتسبة – وطبيعة المخاطر؟ هل هي من المخاطر التي يتم الاحتفاظ بها أو نسبة كبيرة منها، لخصوصيتها او طبيعتها كتأمينات السفر والسيارات ، وكذا اخطار التجزئة ام من العمليات الكبري؟ وإذا كانت من العمليات الكبري، فهل الملاءة المالية والقواعد الرأسمالية لهذه الشركات تسمح لها بهذه النسب من الإحتفاظ؟.
البعض قد يلومني ، وأحسب ملامتهم ، وليدة شجن أو شجون في أنفسهم جراء المكاشفة – غير المُستحبة لديهم بالطبع-!! وفي هذا لا أملك لهم دفعًا ولا ألومهم ، لكن مناط المؤآخذة عندي ، أنهم لا يحسبون أن للإجتهاد ضريبة، تحملتها وسأتحملها ما دمت أكتب، رغم أن غرضها ليس شخصي ، بل حماية صناعة كانت ولازالت سببًا فيما هم فيه.