يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في المجال الطبي، ولا سيما في مهام الوقاية والتشخيص، كما يساهم في تطوير أدوية مخصصة وتعزيز الوصول إلى الرعاية، ولذلك يمكنه أن يضطلع بدور أساسي في توسيع نطاق الخدمات الصحية كي تصل إلى المجتمعات المحرومة والمستضعفة.
بالإضافة إلى ذلك، تزداد تكاليف تغطية الرعاية الصحية يوماً بعد يوم، فيما تؤدي المشاكل البيئية مثل تغير المناخ وتلوث الهواء إلى تفاقم التحديات الصحية في المجتمعات، ما يؤدي إلى افتقار ملايين الأشخاص حول العالم إلى إمكانية الوصول إلى ما يحتاجونه من خدمات ودعم. في هذا السياق، اختار يوم الصحة العالمي (7 أبريل) عنوان “صحتي، حقي” موضوعاً له هذا العام، وتأمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أن يتوصل عدد من المجالات البحثية الرئيسية التي تعمل عليها إلى تقديم حلول واقعية وعملية لهذه التحديات.
1 – مكافحة مرض الملاريا
يُعتبر الملاريا من أقدم الأمراض التي يعرفها الإنسان وأكثرها فتكاً، ويزداد تأثيره سوءاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ. يسعى فريق من العلماء في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بدعم من مبادرة “الميل الأخير”، إلى تطوير تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء والمسؤولين في مجال الصحة العامة في إندونيسيا على الحد من تأثير مرض الملاريا في سكان البلاد البالغ عددهم 270 مليون نسمة. تعمل هذه التطبيقات على دمج بيانات المستشعرات، وهي عملية يتم من خلالها تجميع البيانات انطلاقاً من مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار بهدف توليد صورة افتراضية للبيئة تكون عبارة عن “نسخة رقمية”. وتوفر هذه المقاربة توقعات دقيقة عن حالة الطقس، كما تتيح رسم صورة شبه لحظية عن البيئة، مما يساعد في تزويد المسؤولين بمعلومات مفصلة حول المكان الذي قد يحدث فيه تفشٍ محتمل للملاريا، وبالتالي في الحد من انتشار المرض.
2 – الرعاية الصحية التنبؤية
تسعى الرعاية الصحية التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي إلى توقع المشاكل الصحية قبل أن تنشأ، ما يمكّن تطبيق إجراءات وقائية استباقية والحصول على علاج مخصص للمريض. وتعمل هذه التقنية على تحليل مجموعات كبيرة من البيانات وتحديد الأنماط بهدف تحسين جودة الرعاية الوقائية والحد من حالات الدخول إلى المستشفى وإنقاذ حياة الأفراد في نهاية المطاف. في هذا الصدد، يستخدم فريق من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تعلم الآلة والرؤية الحاسوبية لتحديد أمراض الأوعية القلبية من خلال التصوير المقطعي المحوسب. ويتعاون الفريق مع جامعة أكسفورد لإجراء دراسة شاملة ترمي إلى تحديد المؤشرات الحيوية التي تدلّ على احتمال وجود مشاكل في القلب، حتى قبل ظهور أي من أعراض المرض. كما يهدف نظام الذكاء الاصطناعي هذا إلى مساعدة الأطباء من خلال تحليل الصور الطبية وتسليط الضوء على المناطق في الجسم التي يجب التركيز عليها. هذا ويمكن ربما دمج هذه الخدمة مع الأجهزة المحمولة للتصوير بالموجات فوق الصوتية لتقديم تقييمات أولية لحالات أمراض الأوعية القلبية حول العالم.
3 – مراقبة المرضى عن بُعد
يستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض مراقبة المرضى عن بُعد أجهزة الاستشعار والخوارزميات لمراقبة المؤشرات الحيوية والقياسات الصحية عن بُعد، ومن ثم تقديم معلومات حول صحة المريض وسلامته في الوقت الحقيقي. ومن شأن هذه التقنية أن تسمح باتخاذ إجراءات استباقية، والحد من حالات إعادة الدخول إلى المستشفى، وتحسين مستوى كفاءة الرعاية الصحية بشكلٍ عام، وللمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة في المناطق النائية بشكلٍ خاص. هذا ويمكن استخدام هذه الأدوات لمراقبة صحة الأفراد الكبار بالسن وسلامتهم وتقديم الدعم الذي يحتاجونه للبقاء في منازلهم. كما يمكن دمج عدة أنواع من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء في أنظمة مراقبة ومساعدة المرضى عن بُعد بهدف مراقبة نبض المريض ودرجة حرارة جسمه ووضع الجسم وموقعه.
4 – تسريع وتيرة تطوير الأدوية
تبوء حوالي 90 في المئة من التجارب السريرية لاختبار الأدوية الجديدة اليوم بالفشل. لهذا السبب، تحاول منصة “كيورس إيه آي”، وهي أول منصة للتنبؤ السريري تستخدم الذكاء الاصطناعي الحيوي في العالم، ضمان سلامة وفعالية الأدوية الجديدة. وقد وقعت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي اتفاقية مع “كيورس إيه آي” في عام 2023 لتطوير مركز عالمي للذكاء الاصطناعي الحيوي يكون مقّره في مدينة أبوظبي. وسيساهم هذا المركز في تسريع عملية تطوير أدوية أكثر أمانًا وتخصصاً تكون مصممة لتناسب التنوع السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقدم الجامعة في هذا السياق خبرتها الواسعة في تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤية، علاوة على تحفيز خريجيها المرغوب بخبرتهم في قطاع الذكاء الاصطناعي على البقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة لاستكمال مسيرتهم المهنية.
5 – العلاجات الشخصية
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال العلاجات الطبية الشخصية، وذلك من خلال تحليل كميات كبيرة من بيانات المرضى بهدف تصميم تدخلات مناسبة لهم وتسريع اكتشاف وتطوير أدوية جديدة في الوقت نفسه. ويساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين خطة العلاج الموضوعة لكل مريض بشكلٍ يناسب خصائصه الحيوية الفريدة، ابتداءً من تحديد الأنماط الجينومية لتصميم علاجات دقيقة لأمراض السرطان ووصولاً إلى التنبؤ بكيفية استجابة المريض للأدوية انطلاقاً من سماته الفردية. كما يستطيع مقدمو الرعاية الصحية الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية لتقديم علاجات تستهدف احتياجات المريض المحددة. في هذا السياق، يغطي عمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مجالات متعددة تسعى إلى تطوير علاجات متخصصة وفعالة أكثر، وذلك من خلال تحديد الأنماط الجينومية وعقد الشراكات التي تسخر قدرات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية وتطويرها. هذا ووقعت الجامعة العام الماضي اتفاقية شراكة مع “بيوماب”، وهي منصة لعلوم الحياة في مجال الذكاء الاصطناعي، بهدف إحداث تقدم في جهود تصميم البروتينات بالذكاء الاصطناعي من أجل تقديم علاجات أكثر تخصصاً في الشرق الأوسط.