شركة التأمين .. أي شركة ..دورها الحقيقي ونشاطها الرئيسي يقوم على الوفاء بوعودها ، والوعد هنا سداد التعويض، إذا كنت تتحدث عن كيان يزاول نشاط الممتلكات، ودفع المطالبة إذا كنت تتعامل مع شركة متخصصة في تأمينات الحياة.
الهدف إذًا من دور شركة التأمين هو الالتزام بما وعدت به، والوعد هنا أن تؤدي الأمانات لأصحابها متى استحقوا لها، وبما لا يخل بشروط العقد المُبرم بينها وبين من اطمأن لها من العملاء، فطالما التزم العميل بسداد أقساط الوثيقة، وهذا واجبه، فمن حقِّه أن يحصل على الخدمة المتفق عليها، بغض النظر عن ماهية هذه الخدمة، سواء علاجًا طبيًّا، أو مبلغًا تأمينيًّا نهاية المدة، أو معاشًا تكميليًّا، أو ما إلى غير ذلك من تغطيات وبرامج توفرها الشركات.
أما في حالة عدم التزام شركة التأمين بما وعدت به، رغم تعارض إخلالها بالوعد مع نصوص العقد لمُبرم مع العميل، ففي تلك الحالة لا بد من وقفة، واللجوء لجهة الولاية عن هذه الشركة، وجهة الولاية هنا هي الهيئة العامة للرقابة المالية، التي لا تألو جهدًا في رد المظالم، ليحصل الشاكي على حقِّه، طالما أنه التزم بما عليه من واجبات.
سأزيدك من الشِعر بيتًا، ماذا لو لم تلتزم شركة التأمين نفسها بما وعدت به وأقرت على مدى عقود من الزمن مع العاملين فيها؟ فكيف حال العميل إذًا؟ هل إذا أقسمت له بأغلظ الأيمان أن حقوقه مصونة -وهي كذلك بالفعل، لاسيما في وجود الرقابة المالية- هل تضمن تصديقه لهذه الأيمان؟ خاصة مع ضعف الوعي المتجذر، والذي تجأر منه شركات تأمين صباح مساءِ!
صدعتنا بشعار غدًا يبدأ اليوم
دون إسهاب في المقدمة رغم أهميته، صدعتنا إحدى شركات التأمين العاملة في السوق، صباح مساء بما تقدمه من خدمات، رافعة شعار «غدًا يبدأ اليوم» وهو شعار فلسفي بجدارة، وهي تريد منه تحفيز الأفراد على شراء تغطياتها وبرامجها ضمانًا لمستقبلهم، وحماية لهم من أية مخاطر قد يتعرضون لها في قادم السنوات وأيامها.
هذا الكيان، الذي ظل وسيظل يُشار له بالبنان، ليس بفضل القائمين عليه، ولكن لتاريخه الضارب في الجذور، الذي كتبه العاملون فيه بدمائهم وعرقهم، وقدموا له كل غالٍ وثمين، عن طيب خاطر، استصدروا وثائق تأمين لعلاجهم، مقابل قسط يُخصم من أجرهم شهريًّا.
هؤلاء العاملون، صدقوا ما وعدتهم به شركتهم، ولماذا لا يصدقون وعدها ونشاطها الرئيسي هو بيع الوعد؟! أي وعد بتوفير الخدمة مقابل القسط كما أسلفنا.
لم تخل الشركة طوال تاريخها بما وعدت به، وهذا واجبها، فإن لم تفِ بوعدها للعاملين فيها، فكيف سيُقنع العاملون العملاء بما يعدون به؟
المحطة الأخيرة
سنوات وسنوات، أكل الدهر وشرب على ظهور هؤلاء العاملين، حتى جاءت محطتهم الأخيرة، لينضموا لنادي الحرية، أقصد تقاعدهم وخروجهم للمعاش، وبين ليلة وضحاها فوجئوا بقرار غير مُبرر وليس له تفسير إنساني قبل أن يكون قانونيًّا بإلغاء هذه الخدمة لهم، وكأن هذه هي مكافأة نهاية خدمتهم لسنوات طويلة تمخضت طرقات هذه الشركاء بدمائهم النازفة من شدة العرق والإرهاق حتى وهنوا!
تساءلوا في حيرة، وهم يضربون أخماسًا في أسداس، أين وعودكم؟ كيف نتحمل تكاليف علاجنا وما نتقاضاه من معاش لا يكفي سد رمقنا؟ هل هذه هي نهاية خدمتنا؟ أو كما يُقال في الأمثال الشعبية «هل نهاية الغُز علقة»؟!
الرد الذي لا يحمل في طياته أي رحمة، بل تنصل من وعد وعهد، أنهم لم يلغوا وثيقة العلاج، ولكن جهة الولاية ألزمتهم بذلك!! يا له من رد يندى له الجبين حقًا!! هل الرقابة المالية المنوطة في الأساس بحماية حقوق العملاء، وحملة وثائق التأمين، هل ستطلب من شركة التأمين- أيًّا كانت- ألا تفي بوعدها!.
وبما أن جهة الولاية حاضرة، فما كان من العاملين بتلك الشركة سوى التضرع لله أولًا، ثم اللجوء للهيئة متسائلين في حيرة من أمرهم، أما سمعناه حقًا، أنكم وجهتم الشركة التي كنا سببًا في عراقتها بأن تلغي وثائق التأمين على علاجنا؟
الرد لم يكن صادمًا، فالاطمئنان لجهة الولاية سيظل مطلقًا، فتاريخها لا يقول إلا غير ذلك، الرد كان عدم وجود احتياطيات في الشركة لوثائق علاج العاملين المتقاعدين أو من بلغوا سِن التقاعد!! ولم نطلب إلا توفير هذا الاحتياطي، والشركة لم تنفذ ما طلبنا.
لن أدخل في تفاصيل مرتبطة بسبب إلغاء الوثيقة، فوفقًا للقانون لا يجوز توفير خدمة دون وجود مخصص يحميها، ويضمن وفاء الشركة بالتزاماتها تجاه عملائها.
الرقابة المالية طبقت القانون وليس عليها حرج، الأزمة تكمن في شركة التأمين، التي وعدت ولم تفِ، إذا لم تضع مخصصًا لعلاج العاملين فيها بعد خروجهم على المعاش، فلماذا لم تبلغهم بذلك خلال عملهم في الشركة؟ وإذا لم تضع مخصصًا لهذه الخدمة، ووفرت الاحتياطي الحسابي اللازم لها، فهل هذا خطأ من جهة الولاية أم من الشركة؟
سوق يعج بالمنافسة
إنسانيًّا، سوق التأمين يعج بالمنافسة، فإذا لم تضمن شركة التأمين ولاء العاملين بها، فتوفر لهم ما ملكت يمينها من خدمات وهي قادرة على ذلك؟ فكيف ستضمن أنهم سيظلون سفراء لها؟
الأهم من ذلك، إذا تحدثنا تسويقيًّا وبراجماتيًّا، وبكافة المقاربات النظرية في العلاقات ، طالما أنه لا يوجد للرحمة موضع في قلب القائمين على هذه الشركة، ألا يؤثر نقضها لعهدها مع العاملين فيها سلبيًّا على عملها ومسارها؟ خاصة وهي في مرحلة شديدة الخصوصية، وعلى مشارف أن تكون مِلكًا للمصريين في اكتتاب عام، على جزء من أسهمها.
على المستوى الشخصي، لا توجد عندي إجابة أو تفسير لهذا الموقف المُحرج إنسانيًّا، لكن ما يُمكنني قوله إذا كان لهذه الشركة رجال ضالعين بالقانون، أساطين في ثغراته، فلكبار السن من أفنوا حيواتهم في هذا الكيان رب أحن عليهم من شركتهم، والقائمين عليها، والخاضعة لولاية قابضة تديرها، سيُجبر الله بكسرهم لكن لن يُمهل ظالميهم مهما طال الزمن.