دخلت سوق تأمين السيارات الأردنية في منعطف خطير ، بل ربما الأخطر ، وتحديدًا في فرع التأمين الإلزامي علي السيارات ، هذا المنعطف وتلك الأزمة ليست وليدة اللحظة ولكن النار كامنة تحت الرماد منذ عقدين تقريبًا ، إلا أن آثارها بدأت تطفو علي السطح وبقوة خلال الأيام الماضية ، رغم ان بوادرها كانت ظاهرة للعيان قبل فترة ماضية ليست بالقليلة ، نتج عنها تصفية ثلاث شركات، وإيقاف العمل في شركتين أخريتين ،علاوة علي تجميد تراخيص ثلاث شركات أخري ، وإيقاف خمس شركات بسبب تجاوز الوزن النسبي لمحفظة التأمين علي السيارات من إجمالي المحفظة الكلية.
الأزمة سببها ثبات أسعار تأمين السيارات الإلزامي لسنوات طويلة دون تغيير ، رغم التغير الدراماتيكي في معدلات التضخم وارتفاع التكاليف ، ناهيك عن السبب الأخطر وهو التحايل في هذا الفرع من قِبل أفراد – حتي وإن كانوا استثناء – ممارساتهم لا تختلف كثيرًا عن ممارسات سماسرة الحروب وتُجار الدم.
الدكتور مؤيد الكلوب : 10 شركات أردنية فقط تمارس التأمين الإلزامي علي السيارات بعد تصفية ثلاث
الدكتور مؤيد الكلوب ، الرئيس التنفيذي للاتحاد الأردني لشركات التأمين ، كشف عن حقائق موجعة منها أن 23 شركات تأمين عاملة في السوق الأردنية لا يمارس فيها التأمين الإلزامي علي السيارات سوي عشر شركات ، بما يمثل 43.5% تقريبًا من إجمالي الشركات.
هناك سيناريوهان لا ثالث لهم – هذه السيناريوهات ليست من تصريحات الكلوب لكنها تحليلًا للأزمة- ، الأول ان تتوقف شركات التامين العشر عن ممارسة التأمين الإلزامي علي السيارات وهذا يعني خسارة سوق التأمين في المملكة الأردنية الهاشمية للتغطية التأمينية والتي تمثل حائط صد وغطاء حمائي للعملاء ، أما السيناريو الثاني وهو الاسوأ ، ان تستمر الشركات العشر الباقية في ممارسة التأمين الإلزامي علي السيارات ، لكن في ظل ثبات اسعار التغطيات دون تحرك ، يعني ان انهيارها قادم لا محالة وسنصل لنفس النتيجة وهي حرمان العملاء من التغطية التأمينية.
شركات التأمين ليست مؤسسات اجتماعية فهي في النهاية كيانات اقتصادية تهدف إلي الربح او علي أقل تقدير لم تنشأ لتتكبد الخسائر.
ما الحل ، وما علاقة التجربة المصرية بملف تأمين السيارات الإلزامي في الأردن
الدكتور مؤيد الكلوب ، الرئيس التنفيذي للاتحاد الأردني لشركات التأمين أجاب علي التساؤل في تصريحات معلنة ولم يخفيها عن أحد حيث طالب بضرورة تعديل القوانين المنظمة للتأمين الإلزامي علي السيارات ، بغية القضاء على الممارسات السلبية غير القانونية التي تستنزف موارد شركات التأمين الأردنية.
الموجع هو ما أعلن عنه الرئيس التنفيذي للاتحاد الأردني لشركات التأمين ، وهو أن هناك تفكيرًا – وليس قرار- بالتوقف عن التأمين الإلزامي للمركبات في حال استمرار الوضع علي ما هو عليه ، ومعروف ان بقاء الحال من المحال.
ما طالب به الدكتور مؤيد الكلوب للخروج من المنعطف السيئ الذي دخلت فيه سوق التأمين الأردنية لاسيما الشركات التي تمارس التأمين الإلزامي علي السيارات او المركبات ، هو زيادة التغطية بقيمة 50 دينار أردني ، لضمان سلامة واستقرار بل واستمرار شركات التأمين علي أداء دورها الذي لم تتنصل منه يومًا ، حفاظًا علي العملاء من ناحية ، وعلي نفسها كشركات من الإنهيار الوشيك.
علاقة مصر بأزمة سوق تأمين السيارات الإلزامي في الأردن
المشهد الأردني المُر الذي تمر به شركات التأمين العشر التي تمارس تأمين السيارات الإلزامي ليس غريب بل حدث في أسواق أخري ، منها السوق المصرية التي شهدنا تطوراتها خلال السنوات الماضية ، حيث انه في عام 2007 صدر قانون للتأمين الإجباري علي السيارات في مصر برقم 72 لسنة 2007 – قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية – ، ومعني ان تصيغ تشريعًا كاملًا لفرع تأميني واحد هذا يعكس أهمية هذا الفرع وذلك النشاط.
قانون التأمين الإجباري علي السيارات في مصر الصادر برقم 72 لسنة 2007 – تم إلغاؤه بعد صدور قانون التأمين الموحد العام الجاري- استهدف الحد من فاتورة التعويضات الجزافية التي كان يحصل عليها العملاء لانها كانت تخضع لأحكام القضاء ، ومن المؤكد أنه لا يمكن التعقيب او حتي ابداء الرأي في الأحكام القضائية إجلالا للقضاء المصري وضمان استقلاله.
التعويضات الضخمة مع ثبات اسعار التأمين الاجباري حرك القائمين علي صناعة قرار التأمين حينذاك الي إعداد تشريع جديد وهو القانون 72 لسنة 2007 ، هذا القانون استهدف ضمن ما استهدف أمرين ، الأول وضع حد أقصي للتعويض الذي تصرفه شركة التأمين وهو 40 ألف جنيه وتلتزم شركات التأمين بصرف التعويض في خلال شهر من استكمال المستندات.
الأمر الثاني هو أن وضع سقف للتعويض لم يكن الغرض منه منع القضاء من التدخل بل منح العميل حرية اللجوء له ، ولكن ليس بالرجوع علي شركات التأمين ، لكن بالرجوع علي المتسبب في الحادث ، وبذلك ظنت شركات التأمين أن الأزمة انتهت بلا رجعة لاسيما وان وضع حد أقصي للتعويض لم يكن الاجراء الوحيد بل تبعه تحريكًا نسبيًا في الأسعار.
بعد سنوات من تطبيق القانون السالف ذكره – قانون 72 لسنة 2007 – ظهر علي السطح كما ظهر في السوق الأردنية ، أولا ، رغم ان القانون وضع حد اقصي للتعويض وهو إلزامي اي ليس اختياري ، إلا ان طرق التحايل لم تتوقف ، وتجار الدم لم يتورعوا عن امتصاص ما تبقي من دماء مكلموين فقدوا ذويهم او اصيب أخرون بعجز كلي او جزئي ، من خلال عمليات تزوير كانت شبه ممنهجة ، بعد أن ماتت ضمائرهم إن كانت لهم ضمائر.
الهيئة العامة للرقابة المالية بصفتها جهة الولاية علي سوق التأمين المصرية ، وكذلك الاتحاد المصري للتأمين بصفته الكيان التنظيمي لم يقفوا مكتوفي الأيدي ، لكن تحركوا بسرعة حفاظًا علي استقرار سوق التأمين المصرية ، من خلال انشاء مجمعة للتأمين علي السيارات ، وتم إلزام كافة شركات التأمين التي تمارس التأمين الإجباري او الإلزامي علي السيارات بالإنضمام لها ، علي ان تتولي المجمعة اصدار وثائق التأمين وتحصيل اقساطها عبر شركة تحصيل إلكتروني تم اجراء مناقصة لاختيار واحدة ممن تقدموا لها – بالطبع تم الاتفاق علي آلية لتوزيع الاقساط علي الشركات وفقًا لمعايير ليس هذا مكان ذكرها-.
اجراءات الهيئة العامة للرقابة المالية بمعاونة الاتحاد المصري للتأمين الذي تنضوي مجمعة التامين الاجباري تحت عباءته لم تتوقف عند إنشاء المجمعة بل أنها استثمرت التكنولوجيا لتأمين وثائق التأمين الإجباري ، واجراءات اخري ليس هذا مكان الحديث فيها ، لكن ما لا يمكن ذكره ان هذه الاجراءات ساهمت في ليس فقط الحد من التزوير والتحايل بل القضاء عليه تمامًا.
في السنوات الأخيرة زادت الرقابة المالية بمعاونة الاتحاد المصري للتأمين من الشِعر بيتًا ، من خلال رفع قيمة التعويض المقرر للعملاء المصابون بالعجز سواء الكلي او ورثة المتوفين ، مع تحريك في الاسعار يتناسب مع زيادة مبلغ التغطية ، حتي ان قانون التأمين الموحد الصادر في يوليو 2024 رقم 155 لسنة 2024 ، سمح للرقابة المالية بتحريك الأسعار في ظل وجود الضرورة لذلك.
التجربة الأردنية ليست بعيدة عن المصرية والاتحاد الأردني يتحرك
التجربة المصرية ليست بعيدة عن شقيقتها الأردنية ، وليست خافية علي أحد لاسيما وان الاتحاد الأردني لشركات التأمين برئاسة المهندس ماجد سميرًات بُح صوته من الصراخ بضرورة تعديل أسعار التأمين الإلزامي ، وخصص جلسات في مؤتمرات الاتحاد الدولية ومنها مؤتمر العقبة ، علاوة علي مناقشة الملف في أروقة الاتحاد الداخلية.
الكرة في ملعب البنك المركزي ودائرة الرقابة بالتعاون مع مجلس النواب
الكرة الأن باتت في ملعب الجهات الرقابية الأردنية وتحديدًا لدي البنك المركزي الأردني برئاسة الدكتور عادل شركس محافظ المركزي ، باعتباره – اي البنك المركزي – صاحب الولاية علي شركات التأمين ، وكذلك لدي دائرة الرقابة علي التأمين في المركزي بالتنسيق مع مجلس النواب الأردني ، للتحرك قبل فوات الأوان ، ولا يشك أحد أنهم سيفعلوا ذلك لاسيما وان البنك المركزي الأردني وقياداته ودائرة الرقابة علي التأمين فيه برئاسة رنا طهبوب لا يآلون جهدًا للحفاظ علي سوق التأمين ، وتعديل أسعار التأمين الإلزامي علي السيارات لم يعد رفاهية بل ضرورة في ظل وضع اقتصادي عالمي مأزوم وانعكست اثاره علي قطاعات الاقتصاد في كافة الأسواق والدول.