آن الأوان أن نكون واقعيين بعيدًا عن الشعارات والهتافات التي لن تُغير من واقعنا شيئًا. بعد تصريحات ترامب الصريحة، التي لا تحتمل التأويل، بات واضحًا أن الأردن أمام تحدٍّ وجودي اقتصادي، وأن المساعدات الخارجية لم تعد مضمونة، خصوصًا وأن الرجل لا يفكر بعقلية السياسيين بل بمنطق رجال الأعمال الذين ينظرون إلى الأرقام والنتائج فقط.
فماذا نحن فاعلون؟
١- تصحيح مسار المالية العامة: إنهاء ازدواجية الهيئات المستقلة
الحديث عن عجز الموازنة والتحديات الاقتصادية لم يعد يحتمل ترف الانتظار. الحل واضح ومباشر: إلغاء الهيئات المستقلة أو دمجها مع الوزارات المعنية، ما يوفر 2.4 مليار دينار سنويًا، وهو مبلغ يفوق حجم المساعدات الأميركية المقدرة بـ 1.44 مليار دولار.
هذه الهيئات، التي يبلغ عددها 25 هيئة مستقلة، يمكن ببساطة دمجها ضمن الوزارات، دون أن تتأثر الخدمات العامة أو الأداء الحكومي، بل على العكس، سيؤدي ذلك إلى تقليل الهدر المالي والفساد وتحقيق كفاءة تشغيلية أعلى وتصفير الحكومي.
٢- مجلس استشاري سياسي لضبط إيقاع الدولة وتحالف مع أعضاء الكونغرس لبناء المقاومه السياسية
في ظل الأوضاع المتأزمة، لا يمكن ترك الشارع بلا بوصلــة. لا مجال للخطابات العاطفية، بل المطلوب تشكيل مجلس استشاري من المخضرمين سياسيًا، من خارج الدوائر التقليدية “١٣٦ شخص الميشرون بالجنة” ، مهمته إعادة بناء الثقة الوطنية وضبط التوجهات الاستراتيجية.
اليوم، الأردن مخترق سياسيًا، وهناك محاولات منظمة لضرب نسيجه الداخلي، وهذا يستدعي وعيًا سياسيًا ناضجًا وإدارة دقيقة للمشهد، بعيدًا عن المزايدات.
٣- مشروع “إعادة إعمار غزة”: الأردن في قلب المستقبل التكنولوجي
على الأردن أن يكون فاعلًا وليس مفعولًا به. يجب تأسيس شركة تكنولوجية متقدمة تعتمد على تقنيات الكتل التسلسلية (Blockchain)، والتي لا يمكن التلاعب بها أو الفساد داخلها، بحيث تكون شركة مساهمة عامة مدرجة في الأسواق المالية، تهدف إلى إعادة إعمار غزة بطريقة شفافة ومربحة للأردن اقتصاديًا.
هذه الخطوة ليست فقط استثمارًا ماليًا، بل إعادة تموضع استراتيجي يعزز الدور الإقليمي للأردن.
٤- إنهاء جميع اتفاقيات الكيان الصهيوني وإعادة التموضع الإقليمي
لم يعد هناك مبرر لاستمرار اتفاقية وادي عربة أو أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال، الذي أثبت عبر العقود الماضية أن التزاماته حبْرٌ على ورق.
الأردن يجب أن يعود إلى موقعه الطبيعي، شريكًا استراتيجيًا في المنطقة بعيدًا عن أي وصاية زائفة، وبمنطق سيادي مستقل.
٥- بناء تحالفات استثمارية جديدة مع أوروبا، الصين، وروسيا
الاعتماد على مصدر وحيد للدعم الاقتصادي مقامرة خاسرة.
يجب التحرك فورًا نحو بناء تحالفات استثمارية مع الاتحاد الأوروبي، الصين، وروسيا، وهي دول تسعى إلى تعزيز حضورها في المنطقة وتحتاج إلى شريك عربي قوي ومستقر مثل الامارات.
هذا يتطلب إرادة سياسية وفكرًا اقتصاديًا متقدمًا، لا مجرد تحركات دبلوماسية تقليدية.
٦- إدارة السمعة الإعلامية للدولة: معركة الصورة لا تقل أهمية عن معركة الاقتصاد
لا يمكن الاستمرار بسياسات إعلامية تقليدية في عالم تتحكم فيه المنصات الرقمية، فالدولة تحتاج إلى إدارة سمعة مؤسسية محترفة، عبر فرق متخصصة في التأثير الإعلامي، قادرة على نقل صورة الأردن بذكاء وإقناع.
يجب أن يكون الإعلام أداة دفاع وهجوم، لا مجرد ناقل أخبار وليس بالابواق.
٧- الهندسة المجتمعية: بناء وعي عبر السوشيال ميديا
المعارك اليوم تُحسم في فضاء السوشيال ميديا، ولا يمكن ترك هذه الساحة مفتوحة لأجندات خارجية.
يجب أن يكون هناك إدارة مجتمعية ذكية تستخدم الأدوات الرقمية لبناء خطاب وطني متوازن، يفهم طبيعة الجيل الجديد، ويخلق حالة وعي جماعي بدلًا من التلاعب بالعواطف.
٨- التعزيزات الاستخبارية: حماية الدولة من الداخل قبل الخارج
لا يمكن الاستهانة بدور الشخصيات السياسية البارزة في التأثير على الرأي العام. يجب أن يكون هناك رصد استخباري وتحليل منهجي لكيفية تحريك الخطاب الشعبي ومن يقف وراء محاولات زعزعة الاستقرار.
الأردن ليس بلدًا هشًا، لكنه أيضًا ليس محصنًا بالكامل، وهذا يستدعي إدارة أمنية حازمة، مدركة للأبعاد الجديدة للصراعات السياسية.
الوطن ليس مجرد حدود، إنه فكرة وحضارة!
الأردن ليس دولة طارئة، بل دولة ضاربة في التاريخ، لكنها اليوم في مفترق طرق.
إما أن نتعامل مع الأزمة بعقلية رجال الدولة، فنصل إلى برّ الأمان، أو نغرق في خطابات العاطفة التي لن تُغيّر من معادلات الاقتصاد والسياسة.
هذا ليس وقت التباكي، ولا وقت البحث عن مُنقذ خارجي، بل وقت إعادة بناء الدولة بعقلية سيادية، مستقلة، وواعية لمكانتها في الإقليم والعالم.
لا أحد سيحمي الأردن إلا أبناؤه… ولا أحد سيدفع به للأمام إلا إرادته.