الحرب الروسية الأوكرانية .. شهدت الاقتصادات العالمية، إنكماشًا كبيرًا خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن ترتفع وتيرتها الفترة المقبلة، نتيجة الأخطار الجيوسياسية، وأخرها الأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت علي سلاسل التوريد علي مستوي العالم، ناهيك عن النتائج المترتبة علي جائحة كورونا وإنغلاق الأسواق حينها.
المشهد السابق أعاد للأذهان مجددًا الكساد الإقتصادي، وهو ما يطرح تساؤل حول ماهية هذا الكساد؟ وصوره؟ والحالات التي تم فيها هذا الكساد.
ما معنى الكساد الاقتصادي؟
بدايًة، الكساد الاقتصادي كما يراه الاقتصاديون ، هو تراجع وانكماش يحدث في النشاط الاقتصادي لفترات زمنية طويلة قد تبدأ بستة أشهر وقد تصل إلى عشرات السنوات.
ويصاحب الكساد الاقتصادي عادة انخفاض في قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة في معدلات البطالة وانخفاض في قيمة العملة المحلية، في نفس الوقت ينخفض الطلب على شراء أنواع السلع المختلفة إلى مستويات كبيرة.
ويري الاقتصاديون أن التراجع في شراء السلع وانخفاض الطلب عليها، هو أمر طبيعي نتيجة تأثر دخول الأفراد أو بسبب فقد وظيفة أو الخوف من بيع أي ممتلكات لغياب الثقة في الاقتصاد على المدى الزمني القصير.
عوامل الكساد الاقتصادي
هناك عدّة عوامل تجتمع وتُسبب حدوث الكساد الاقتصادي، منها علي سبيل المثال ، الإفراط في الإنتاج وانخفاض الطلب وهو ما يُسبب حالة من الذعر لدى المستثمرين والشركات، تؤدي تخمة المعروض والخوف الذي يعاني منه المستثمرون إلى تراجع الإنفاق لدى الشركات بشكل حاد، ليبدأ الاقتصاد في التباطؤ وترتفع البطالة وتقل الأجور وتتآكل القوة الشرائية للمستهلكين.
مظاهر الكساد الإقتصادي
هناك العديد من المظاهر التي تُشير إلى حدوث الكساد الاقتصادي، منها: زيادة معدل البطالة حيث يرتفع أعداد العاطلين عن العمل ويؤدي ذلك إلى فقدان المستهلكين قوتهم الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم فالتضخم المفرط سوف يؤثر على انفاق الأشخاص ويمكن أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على المنتجات والخدمات.
ومن بين مظاهر الكساد الاقتصادي ، انخفاض مبيعات العقارات ، بالإضافة إلي زيادة التخلف عن سداد ديون بطاقات الائتمان وهو ما يدل على أن الاشخاص يفقدون قدرتهم على الدفع وهو علامة تدل على الكساد الاقتصادي.
أسباب الكساد الاقتصادي
توجد العديد من الأسباب التي تؤدي للكساد الاقتصادي منها ، إنهيار سوق الأسهم أو سوق الأوراق المالية الذي يتكون من الأسهم المملوكة للمستثمرين، عندما ينهار سوق الأسهم فإن ثقة المستهلك في الاقتصاد تتراجع وهذا يدل على حدوث الكساد الاقتصادي.
ومن بين أـسباب الكساد انخفاض طلبيات التصنيع: عندما يحدث انخفاضاً في طلبيات التصنيع لفترة طويلة فإن هذا يؤدي إلى حدوث الكساد الاقتصادي، وذلك لأن شراء المنتجات والتعامل مع الخدمات التي تُقدّمها الشركات والمستثمرون هو سبب حدوث الانتعاش والنمو الاقتصادي. حينما يتم التوقف عن الشراء والتعامل فإن هذا يؤدي إلى تقليل الشركات حجم انتاجها والاستغناء عن عمالتها وحدوث الكساد.
ولايجب أن نغفل أن ارتفاع أسعار النفط يؤثر علي كل شيء في السوق تقريباً، عندما يحدث ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط فإن ذلك يؤدي إلى فقد المستهلكون لقوتهم الشرائية، مما يتسبب في انخفاض الطلب على السلع والخدمات.
أشهر حوادث الكساد الاقتصادي في التاريخ
من أشهر حوادث الكساد الاقتصادي في التاريخ ، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الإندونيسي خلال عام 1998 بنسبة 18% ، و تراجع الناتج المحلي الإجمالي لتايلاند بنسبة 15% خلال العامين المنتهيين في الربع الأول من عام 1998، بالإضافة الي انخفاض الناتج المحلي في ماليزيا بنسبة 11% في عام 1998 ، وانكماش اقتصاد فنلندا بنسبة 10.6% في الفترة ما بين عامي 1990 و1993 ، وأزمة الائتمان 1772 التي بدأت في لندن وانتشرت في عموم أوروبا.
الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929
يُعتبر الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929 من أسوأ الأزمات التي حدثت خلال القرن العشرين، بدأت هذه الأزمة عندما انهارت سوق الأسهم الأميركية في عام 1929، ثم تفاقم الأمر بسبب السياسات الاقتصادية السيئة للإدارة الأمريكية حينها.
استمر الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929 لنحو عشر سنوات تقريباً، وأدى إلى حدوث خسارة هائلة في الدخل، كما أدى إلى حدوث معدلات بطالة قياسية ونقص في الإنتاج، خاصة في الدول الصناعية. بلغ مُعدل البطالة في الولايات المتحدة حوالي 25 في المئة في ذروة الأزمة عام 1933، وانخفضت الأجور بنسبة 42%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 55 مليار دولار من 103 مليارات، وكان ذلك نتيجة طبيعية للانكماش، الذي دفع الأسعار للهبوط بنسبة 10% سنوياً. أيضاً انخفضت التجارة العالمية بنسبة 65% وفقاً لقيمتها الدولارية في ذلك الوقت، وبنسبة 25% وفقاً لعدد الوحدات.
ظل معدل البطالة في أمريكا قرب 19% في عام 1938، وبقي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي دون مستويات ما قبل 1929 في الوقت الذي كانت تقصف فيه اليابان البحرية الأمريكية في بيرل هاربور أواخر عام 1941.
الكساد الاقتصادي 2020
للمرة الأولى منذ “الكساد الكبير” يُصيب الركود كلا من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ففي شهر يناير من عام 2020، تسبب انتشار جائحة فيروس كورونا المُستجد، كوفيد-19، في إزهاق عدد كبير من الأرواح البشرية. وطبقت جميع بلدان العالم إجراءات الحجر الصحي الضرورية وممارسات التباعد الاجتماعي لوقف انتشار الجائحة.
أصبح العالم في حالة “إغلاق عام كبير”. وأعقب ذلك انهيار في النشاط بحجم ضخم وسرعة هائلة. توقعت التقارير الاقتصادية انخفاض النمو العالمي في عام 2020 إلى -3%، هبوطا من 6,3 نقطة مئوية في يناير 2020، وهو انخفاض كبير في فترة زمنية قصيرة. الأمر الذي يجعل “الإغلاق العام الكبير” أسوأ كساد اقتصادي منذ سنوات “الكساد الكبير”.