من رحم المعاناة إنطلقت شركة بابليك بارتنرز لوساطة التأمين، هذا الكيان الذي تأسس في مرحلة شديدة الخصوصية قبل تسع سنوات تقريبًا ، حتي إن البعض كان يترقب إخفاقه لاسباب مرتبطة بالظرف الإقتصادي حينذاك وليس نكاية في القائمين علي الإدارة التنفيذية.
إبتعد القائمون علي إدارة بابليك عن هذا الضجيج كمرحلة مؤقتة يُعاد فيها لململة ما تبعثر من حلول ، ومعالجة ما ظهر من تحديات ، حتي فوجئ يناير الماضي، بنبأ عن إستحواذ كيان ضخم وهو مجموعة كاتليست علي 25% فقط من بابليك ، والنسب كانت متعمدة لانها لاتعبر عن إخفاق لبابليك بقدر ما تعبر عن فرصة استثمارية رأتها كاتليست في هذا الكيان فقررت الاستثمار فيه.
كيف تولدت الشركة ؟ طبيعة الظروف حينذاك؟ التحديات التي واجهتها ؟ كيف تم التغلب عليها؟ أسئلة عديدة تم طرحها علي رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور محمد المغربي، دون إغفال مناقشة بعض القضايا المُلحة المرتبطة حينا والمتشابكة أحيانا بالسوق، مثل تقييم المنافسة فيه، وتأثير المخاطر الجيوسياسية والإقتصادية علي صناعة التأمين ؟ وكيف يمكن تعزيز دور هذه الصناعة شديدة الخصوصية؟ وغيرها من التساؤلات التي قد تعن للكثيرين.
وإلي نص الحوار:-
خبري: استحوذت شركة الاستثمار كاتاليست بارتنرز على 25% في شركة بابليك بارتنرز لوساطة التأمين ، في إطار خطط الأولي للتوسع في خدمات التأمين ، فمن كان صاحب الخطوة الأولي هل كاتليست سعت للإستحواذ علي حصة من بابليك أم أن الأخيرة هي من طلبت من شركة الاستثمار ذلك ؟ ولماذا؟
محمد المغربي : قبل الولوج في من كانت له الخطوة الأولي، لابد من الإشارة إلي أن بابليك بارتنرز بدأت نشاطها في السوق المصرية عام 2013 ، كان مخططًا منذ البدء أن لاتكون الشركة كيان إعتباري نمطي، بمعني التحول من وسيط طبيعي إلي وسيط إعتباري ، والتغيير الوحيد يكون قاصرًا علي تغيير الإسم .
في الوقت نفسه إمتلكت رصيد من الخبرات التأمينية يمتد لعقدين ونصف، مررت فيها علي إدارات الإصدار والتعويضات والتسويق ، بالإضافة الي متابعة نشاط التأمين في أوربا وأمريكا، سواء علي مستوي شركات التأمين أو الوساطة، وكيف كان للثاني صيت ذائع ومكانة كبيرة في الأسواق ، ولديها إنتشار علي مستوي العالم ، وحجم أعمال بمليارات الدولارات ، وهو ما تفتقر له السوق المصرية حينذاك.
دخولًا في التساؤل، كان هناك خيارين ، إما تأسيس شركة وساطة كذراع لكيان عالمي ، ويتم استثمار اسمه تسويقيًا ، أو خلق علامة تجارية خاصة أو ماركة Brand ، ويتم استثمار الأخرين لهذه العلامة ، بمعني تصدير العلامة التجارية وليس إستيرادها.
علي أية حال ، إخترنا الطريق الأصعب وهو خلق الإسم واللوجو أو بمعني أدق إخراج العلامة التجارية لبابليك من رحم معاناة السوق وتحدياته ، لتصبح مع الوقت قيمة مضافة لنشاط وساطة التأمين ، ورقمًا فاعلًا علي يمين معادلة نموه.
التركيز علي الـ Corporate لوفرة الخبرات التي يمكنها التعامل مع فنيات تغطياته
خبري: هل تري أن تركيز شركة وساطة التأمين علي نشاطها كسمسار إعتباري كاف لتخليق علامة تجارية والخروج بها من نطاق المحلية لرحابة الأسواق العالمية ، خروجًا من رحم معاناة السوق وتحدياته؟
المغربي: هذا السؤال طرحناه علي أنفسنا خلال إعداد الاستراتيجية ، وتمحور حول هل التركيز علي نشاط وساطة التأمين كاف حتي تتمكن بابليك بارتنرز من صك إسمها كعلامة تجارية عالمية ؟ أم أن هناك ضرورة للخروج من هذه المنطقة النمطية لمنطقة أكثر رحابة وهي تقديم الحلول التأمينية بمعناها الواسع والشامل؟.
بطبيعة الحال كان الخيار الثاني هو خارطة الطريق المنضبطة منطقيًا ، فالحلم في حد ذاته أمرًا مشروع ولكن ليس بالأحلام تتحقق الأهداف بل بخلق مساحة جديدة ومختلفة وغير نمطية يمكن المنافسة فيها والتمايز من خلالها.
هذه المساحة المختلفة استلزمت التركيز علي تأمين الشركات او تأمينات الـ Corporate ، وهي ليست سهلة كما قد يظن البعض، لأنها تتضمن تفاصيل فنية غاية في الدقة، وتتطلب خبرات من نوع خاص.
بشكل مباشر، حتي تكون بابليك أداة ووسيلة لخدمة الشركات او مديرًا للمخاطر وليس مجرد سمسار او حلقة وصل بين هذه المؤسسات وبين شركات التأمين ، وبالتالي كانت هناك ضرورة لخلق كيان داخلي يستطيع تقديم الخدمة المطلوبة للمؤسسات التي نتعامل معها، او حتي نكون مؤهلين لإدارة مخاطره ، والأهم من ذلك أن يتم إدارة بابليك بشكل إحترافي أو مؤسسي وليس بشكل نمطي ، وهي ما يستساغ تسميته بمآسسة الشركة ، ما استدعي إكتساب المزيد من العلم الكافي لتحقيق هذا الغرض، وهو ما تم إنجازه بالفعل بالحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراه في الحوكمة ، وبذلك تكون بابليك لديها الخبرة والعلم وكلاهما وجهان لعملة واحدة، ودعامتان اساسيتان لتحقيق الحلم الأكبر وهو الخروج من المحلية إلي العالمية.
تصدير الشركة كعلامة تجارية عالمية وعدم الإنكفاء في رحم المحلية
خبري: خطت بابليك مرحلتها الأولي وهي مرحلة التحول من الإدارة الفردية للشكل المؤسسي ، فما طبيعة العناصر البشرية التي تم الاستعانة بها؟ بمعني هل تم الاستعانة بخبرات قائمة أم تفريخ عناصر جديدة؟
المغربي: الاستعانة بعناصر لها خبرات سابقة بقدر ما يتضمنه من مزايا لكنه يواجه بعض التحديات المرتبطة بتطبيع هذه العناصر بالقواعد التي تم وضعها ، ومن ثم كان من الضرورة تفريخ عناصر جديدة ، يتم إكسابها الخبرات المطلوبة، وفي نفس الوقت يمكن تشكيلها بسهولة لتحقيق الأهداف العامة التي تخدم المؤسسة بالطبع وبالتالي ستعود بالنفع علي كافة العناصر.
خبري: إنتهت مرحلة التأسيس وهي الأصعب واستغرقت خمس سنوات ، لكن لم يتم الإجابة علي التساؤل الرئيسي، كيف دخلت كاتليست كمساهم بنحو 25% من رأس المال؟ ومن الذي سعي للأخر هل هي من سعت لبابليك أم العكس؟
المغربي: في 2018 بعد خمس سنوات من مزاولة النشاط ، إنتهت المرحلة الأولي وهي مرحلة التأسيس ، وبعد ذلك كانت المرحلة الثانية التي تم فيها إكتساب الخبرة العلمية حتي نجتاز إختبار الحوكمة ، وفي هذه المرحلة ، أقصد المرحلة الثانية من مراحل تطور بابليك والتي لازلنا فيها الأن ، كان من الضروري وجود كيانات ضخمة في هيكل الملكية، ليس التباهي بها كصورة ولكن للاستفادة منها وفي نفس الوقت يكون لدي تلك الكيانات الرغبة في الاستثمار بنشاط الوساطة ، رغبة في تحقيق قيمة مضافة بجانب المكاسب الاستثمارية بالطبع ، بمعني ان الخبرة الفنية باتت متاحة، ولكن لابد من وجود دعم مالي سخي ، لان الخبرة مع الدعم كلاهما يتشابكان مع بعضهما البعض ولا ينفكان.
دون إسهاب، عُرض علينا من ثلاثة كيانات قابضة الدخول للإستحواذ علي بابيلك وليس كمساهم بحصة ، أو علي أقل تقدير الاستحواذ علي حصة حاكمة تمنحهم حق الإدارة ، اي تزيد عن 50% ، و تم رفض العروض الثلاث ، ليس نكاية في هذه الكيانات ، ولكن لعدم وجود نية لبيع حصة تزيد عن 50% ، لأن ذلك سيعني بالضرورة إعادة محمد المغربي لمربع الموظف وليس المسئول عن كيان يحلم أن يخرج به من رحم المحلية لعالم أرحب وأكثر إتساعًا.
وإحقاقًا للحق، لا ألوم هذه الكيانات علي رغبتها في حصص حاكمة ، نظرًا لوجود ما يبرره وهو السعي للجمع بين الشتيتان، بمعني إمتلاك القدرة المالية التي لديهم لدعم الخبرة الفنية المتوفرة في بابليك ، وهي معادلة مشروعة لاي مساهم يستهداف الاستمرارية والديمومة لنشاطه.
خبري: ومتي ظهرت كاتليست؟
المغربي: في مرحلة لاحقة ، خلال العامين الماضيين تحديدًا، وتم الاتفاق معهم علي بيع 25% فقط من اسهم الشركة ، وهو ما يتفق مع استراتيجية بابليك من جهة ، ويتوافق مع متطلبات جهات الرقابة التي اشترطت ان يكون هناك كيان مؤسسي بنسبة محددة في هيكل الملكية.
خبري: لكن هذه الاشتراطات تُطبق علي الكيانات التي تنشئ بعد صدور الاشتراطات وليس الكيانات القائمة بالفعل؟
المغربي: هذا صحيح وكنت أعنيه وأدركه، ولكن رغم ذلك كانت لدينا الرغبة في تلبية تلك المتطلبات حتي وإن كانت غير إلزامية لنا ككيان قائم ، والهدف من ذلك هو تشكيل بابليك لوساطة التأمين ككيان مؤسسي وهو الهدف الأسمي الذي نعمل عليه منذ البداية.
قبول إستحواذ كاتليست علي 25% من هيكل الملكية لدعم توسعات الشركة
خبري: وهل تغيرت استراتيجية بابليك بعد إستحواذ كاتليست علي 25% من أسهمها؟
المغربي: بالتأكيد، لكن هذا التغير لم يكن مفاجئ ، بمعني أن استراتيجية الشركة مقسمة إلي ثلاث مراحل، أولها الإعداد والتجهيز ، والثاني مرحلة إدخال كيانات إعتبارية في هيكل الملكية ، والمرحلة الثالثة والتي سنشرع فيها قريبًا هي الإنطلاق.
خبري: هل إستحواذ كاتليست كان من خلال خروج مساهمين بالشركة ام تقليص الحصص ؟
المغربي: من خلال تقليص حصص المساهمين لتدبير حصة كاتليست.
خبري: ما هو هيكل الملكية الحالي ، أو حصص المساهمون؟
المغربي: رأس المال ، مدفوع بالكامل ، ويتوزع بواقع 25% لمجموعة كاتليست القابضة ، مقابل 70% لمحمد المغربي، فيما تتوزع النسبة الباقية ، البالغة نحو 5% علي مجموعة من المستثمرين الأفراد.
تمايز شركات الوساطة بالخبرات لكن التميز مرهون بجودة الخدمة
خبري: كيف تتمايز شركة وساطة تامين عن الأخري؟
المغربي : التمايز بسوابق خبرات القائمين علي الإدارة التنفيذية ، والأهم الخدمة المقدمة للعميل ، ولكن سوابق الخبرات تمثل كارت التأهل للتعامل مع العميل المؤسسي.
خبري: ما وجهة بابليك بارتنرز المقبلة؟
المغربي: نستهدف أن نكون ضمن الخمسة الكبار في حجم المحفظة التأمينية ، ودعني أصادقك القول ، أقساط التأمين كالكعكة التي يتم تقاسمها ثم يُعاد توزيعها كل عام ، بمعني أنه لو فُرض جدلًا أن شركة “X” تستحوذ منفردة علي 20% من كعكة الأقساط ، فهذه النسبة قد تتضاءل او تزيد في العام التالي، وهذا هو التغير، والذي لا يعني أن كعكة العمليات تزيد بل يعني إعادة تقسيمها بين الشركاء.
خبري: هل الاستراتيجية تعتمد فقط علي استهداف حصة سوقية معينة من عمليات السوق؟
المغربي: بكل تأكيد ليس هذا هو الهدف الوحيد الذي ندور في فلكه ، بل يتجاوز ذلك من خلال الرغبة في استثمار التكنولوجيا لخدمة الأهداف العامة، بمعني رقمنة العمل بشركة بابليك.
خبري: وكيف يمكن قياس الحصة السوقية لشركات الوساطة او نصيب الوساطة بشكل عام من إجمالي عمليات السوق ، رغم عدم وجود بيانات رسمية واضحة لذلك؟
المغربي: لاتوجد بيانات ولكن من الممكن إعدادها من خلال جهة الولاية او الهيئة العامة للرقابة المالية ، ودلالة هذه البيانات ليس فقط للإفصاح عن من هي شركة الوساطة الأكبر في الحصة السوقية ، ولكنها ستعطي دلالات أخري كاشفة عن بوصلة السوق ، هل السمة الغالبة فيه هي جلب الأقساط من خلال الوسطاء او ما يسمي بعمليات الإنتاج أم يتم تحقيق الأقساط عن طريق الإدارة ، اي التعامل المباشر بين العميل وشركة التأمين بدون وجود وسيط.
خبري: هناك محاولات لرقمنة قطاع التأمين ، كيف تراها كلاعب متشابك مع شركات التأمين من جهة والعملاء من جهة أخري؟
المغربي: المحاولات التي تُبذل لرقمنة قطاع التأمين موضع إهتمام من كافة أطراف الصناعة ، حتي وإن كانت بوتيرة بطيئة ولكن ما لايُدرك كله لا يُترك كله ، بمعني ان البدء بالرقمنة حتي وإن كانت متأخرة لكنها ستكون أفضل بكثير من عدم البدء فيها من الأساس ، لأن الرقمنة تدعم الحوكمة والشفافية في السوق ، لاسيما وأن التعامل الورقي بات ماض او هكذا يسير العالم.
خبري: شركات التأمين تسدد مليارات الجنيهات سنوياً سواء تعويضات او مطالبات ، ومع ذلك نري أن اصوات زاعقة تهيل التراب علي التأمين ، بسبب عدم قدرتها علي صرف تعويض، نتيجة ترويج مزايا غير منضبطة من قبل عدد قليل من مسوقي التأمين، فكيف يمكن التعامل مع ذلك لاسيما وان التأثير السلبي يتحمل قطاع التأمين بالكامل فاتورته؟
المغربي: لن أختلف معك في وجود بعض الممارسات الخاطئة، لكن أقطع بأن شركات الوساطة لايمكنها اتباع هذه الممارسات سواء تلميحًا او تصريحًا ، لأنها خاضعة لرقابة مشددة من جهة الولاية ، وإن حاولت ذلك ففي تلك الحالة تتدخل الرقابة المالية وتتخذ من الاجراءات ما يكفل الردع العام.
ودعني أزيدك من الشعر بيتًا ، ممارسات شركات وساطة التأمين تتسم بالشفافية التي قد يراها البعض أكبر من اللازم ، علي سبيل المثال، لو أن عميل رفض توصية شركة الوساطة فالأخيرة تطالبه بالحصول علي موافقته او رفضه كتابة ، ليس فقط لإبراء ذمتها من المسئولية القانونية ، ولكن لوجود وازع مهني يحتم عليها تقديم النصح والإرشاد كما يجب أن يكون.
ومثال علي ذلك في حال رفض العميل زيادة قسط الوثيقة بعد إعادة تقييم الأصل المؤمن عليه بعد تحرير سعر الصرف ، ففي تلك الحالة تضطر شركة الوساطة لإستكتابه او تطلب منه موافقة كتابية علي ذلك ، حتي لايهيل التراب فيما بعد في حال إلزامه بشرط النسبية ، اي تحمل نسبة من التعويض.
تحول الوسيط الفردي من شخص طبيعي إلي إعتباري مؤلم إذا إفتقر للقدرات الإدارية
خبري: دعني أدلف في ملف أخر له علاقة بأنه رغم وجود 101 شركة وساطة في السوق، إلا أن هناك عدد هائل من وسطاء التأمين الأفراد لم يتخذوا إجراءات للتحول لكيانات إعتبارية، هل ذلك بسبب عدم وجود مزايا تفضيلية لشركات الوساطة ، أم أن شركات الوساطة لم تقدم ما يسيل لعاب الأفراد ليحذوا حذوها؟
المغربي: دعني أكون واضحًا، تحول الوسيط من شخص طبيعي إلي كيان إعتباري، هو تحول مؤلم ، بالطبع لإرتفاع التكاليف مقارنة بالعوائد ، ولكن هل الإمتناع عن تأسيس شركات الوساطة حلًا مُرضيًا ؟ أظن أن الاجابة ستكون بالنفي، خاصة وان الاتجاه لمآسسة الأسواق بات إتجاها حكوميا ، وإن آجلأ او عاجلًا ، سيتم تأسيس مآسسة نشاط الوساطة بشكل كامل مثل شركات التأمين ، و سيكون للوسطاء الأفراد تواجد ولكن مع تطبيق الحوكمة بشكل اكبر او بوضع شكل اداري ورقابي اكبر لتعاملاتهم ، مما يساعد علي الارتقاء بالخدمة مع العملاء وزيادة الشفافية واحكام الرقابة .
الغرض من ذلك ليس تقييدًا علي الوسطاء الأفراد، ولكن الهدف منه تشديد الرقابة علي السوق لحماية حملة الوثائق وهو هدف نبيل كما انه يدعم الشفافية وفي نفس الوقت سيقتل ما يتم ترويجه من حق يراد به باطل ، أقصد الأصوات الزاعقة التي تهيل التراب علي التأمين دون وعي حقيقي من جهة وبسبب بعض الممارسات من جهة أخري.
ودعني أشير إلي أن رقابة الهيئة علي شركات الوساطة حاليًا ساهم في تطوير الأخيرة بشكل كبير ، لانه من خلال التقارير التي يتم إعدادها لجهة الولاية ، وكذلك من خلال اساليب الهيئة تستطيع اي شركة وساطة كشف اي خلل ، ليس ترصدًا من الرقيب بشركة الوساطة ، ولكن لضبط إيقاعها وتصحيح مسارها ، وهو ما يحمس شركات الوساطة علي زيادة الرقابة وليس التحايل عليها.
رقابة الهيئة المشددة علي شركات الوساطة ساهم في تطويرها وليس عرقلتها
خبري: ما تحديات سوق التأمين حاليًا وكيف يمكن مواجهتها؟
المغربي: التحدي الأبرز في الوقت الحالي له علاقة بإرتفاع معدل التضخم بوتيرة متسارعة وهو ما سينعكس علي فاتورة تعويضات التأمين ، ودخول عملاء أكثر تحت مقصلة النسبية ، ليس تعمدًا من شركات التأمين ولكن بسبب إرتفاع فاتورة التعويضات نفسها.
شركات التأمين مفعول به في جملة التضخم ومكافأة العميل الملتزم ضرورة
خبري: إذا كان هذا تحدِ ، لكن شركات التأمين ليست مسئولة عنه بل أُضطرت إليه ، ومع ذلك هل تري ان هناك دور علي السوق يجب القيام به بخلاف مطالبة العملاء بإعادة تقييم الاصول؟
المغربي: أعلم أن التضخم ليس مسئولية شركات التأمين، وأنها تكتوي بناره مثل غيرها من الأنشطة، ولكن لابد من وقفة تجاهه ، بمعني ترويضه ، او بصورة أدق أن عدم تحرك شركات التأمين في ذلك قد ينعكس سلبًا عليها دون تعمد من الشركات نفسها.
خبري: كيف؟
المغربي: لأن شركات التأمين خاطبت العملاء في شهر مايو الماضي بإعادة تقييم الأصول لتتوائم مع القيمة السوقية حتي يتسني للشركات تعويضهم في حال وجود خطر يتناسب مع الخطر كقيمة ، وفي الأسابيع الماضية تم تحرير سعر الصرف بالكامل ، وبالتالي لجأت شركات تأمين مرة أخري للعملاء لإعادة تقييم الاصول مجددًا، وللاسف بعض العملاء قد يرفضون لاسباب موضوعية بالطبع ، لكنهم سيهليون التراب علي شركات التأمين لو رفضت سداد التعويضات في حالة تحقق الخطر بما يتناسب مع حجم الخطر نفسه.
شركات الوساطة بمنأي عن الممارسات السلبية والرقابة المالية تتدخل في الوقت المناسب للردع العام
خبري: إذا كانت شركات التأمين مفعول به في جملة التضخم ، فما هو شكل التحرك او طبيعة الوقفة التي تطلبها من شركات التأمين للتعامل مع هذا التحد؟
المغربي: أن يتم منح مهلة للعميل لإعادة تقييم الاصول، علي الأقل العميل الملتزم ، بحيث يتم إعفائه من شرط النسبية خلال مهلة معينة وليس إعفائه بصورة كاملة ، وفي حال تحقق الخطر لايُطبق عليه هذا الشرط ، تمييزًا له او مكافأة لإلتزامه بناءً علي سجل خسائره ، او علي اقل تقدير عدم إخضاعه لشرط النسبية قبل أن يعيد تقييم اصوله او قبل مخاطبة شركة التأمين له او من يمثله بضرورة تقييم الاصول.
خبري: أتقصد أن يتم الاتفاق ولو بشكل ودي علي عدم إخضاع العميل لشرط النسبية لفترة زمنية محددة تمثل مهلة له لإعادة تقييم الاصول ، هذا بالطبع في حال ارتفاع مبالغ التأمين لاسباب خارجية؟
المغربي: هذا ما أقصده بالضبط ، ولايجب التعامل مع هذه المهلة علي انها تكلفة بلا عائد، بل علي النقيض هذه التكلفة إن وجدت إلآ ان عوائد ثقة العميل وإطمئنانه لشركة التأمين سيكون أفضل وأكبر من اي فاتورة.
خبري: كيف تقيم مناخ المنافسة في السوق؟
المغربي: المنافسة في السوق بدأت تتحسن سواء علي مستوي التسعير أو الخدمة المقدمة للعميل ، لكن أيضا هناك شركات محدودة للغاية تتعامل مع الوسيط علي أن دوره ثانوي خلافًا للحقيقة بالطبع .
نسبة من معدلات نمو السوق تولدت من تحرير سعر العملة وإعادة تقييم الاصول
خبري: كيف تحسن مستوي التسعير رغم إرتفاع معدل التضخم وتقلص الفوائض التي تسمح بشراء وثائق التأمين ؟
المغربي: ليس تحسنا كاملًا وشركات تأمين مضطرة لذلك ، لكن الأهم أن هناك وسطاء تأمين قد يلجأون للتنازل كلية عن العمولة ، لهدفين ، الأول ان شركات تأمين لاتسمح بخفض أسعارها بحدود غير مقبولة فنيًا، والهدف الثاني الذي يدفع بعض وسطاء التأمين للتنازل عن عمولاتهم هو رغبتهم في الحصول علي مزايا من شركات التأمين مثل الحافز السنوي ، او علي اقل تقدير اسالة لعاب العميل ، ظنا من هذه الشريحة المحدودة من الوسطاء أن هذا سيضمن إحتفاظهم بالعميل خلال تجديد تغطياته بعد إنتهاء العام الأول.
وفي ظني أن هذه الممارسات غير منضبطة ويجب لفظها وليس التباهي بها تحت اي ظرف، لاسيما مع أهمية دور الوسيط، علي الأقل الواعي منهم.
خبري: ايعني أن مؤشر التسعير بدأ ينضبط بشكل عام؟
المغربي: هذا حقيقي لعدة اسباب ، اولها أن جهة الولاية ممثلة في الهيئة العامة للرقابة المالية لا تسمح بالأخطاء التي تهدد المراكز المالية او سلامة الإكتتاب ، والثاني وجود إدارات تنفيذية جديدة في شركات التأمين لديها إدراك بخطورة الممارسات السعرية علي المدي المتوسط والطويل أيضا.
خبري: لو أن عميل طلب منك ترشيح شركة تأمين معينة لتغطية مخاطره لديها ، أقصد هنا العميل المؤسسي ، فما هي المعايير التي ترشح علي أساسها شركة دون غيرها ؟
المغربي: يتم ترشيح شركة التأمين بناءً علي إحتياجات العميل ورغباته وميوله ، بمعني ان عميل ما قد يفضل التعامل مع شركات حكومية وأخر يرغب في التعامل مع شركات تأمين متعددة الجنسيات.
خبري: واين عنصر الخبرة في شركة التأمين من تلك المعايير؟
المغربي: بالطبع توجد قائمة من التعاقدات مع شركات التامين تم إعتمادها من شركة بابليك بارتنرز لو تم استخدامها كنموذج
للإيضاح ، وبالتالي يتم ترشيح شركة التأمين للعميل من القائمة المعتمدة من بابليك ، وفق أسس فنية ومالية بالطبع وليس بناءًا علي أهواء ورغبات شخصية.
هذه نقطة، أما عن ثانيها ، قد يرغب عميل معين في التعامل مع شركة ذات تصنيف مرتفع ، لا اقصد التصنيف الائتماني ، ولكن من حيث الخدمة ، واخر يطلب شركة تأمين تلائم حالته الاقتصادية او ملاءته المالية ، وبالتالي نعرض عليه ما يتناسب مع ظروفه الاقتصادية.
خبري: وماذا لو رفض العميل ترشيحكم بدعوي غلو السعر الفني وطلبه التعامل مع كيان اخر بسعر أقل؟ هل سترفض بابليك التعاون مع هذا العميل؟ ام انها ستستجيب لرغباته؟ مع العلم ان وسيط التأمين دوره الرئيسي هو إدارة خطر العميل وتقديم النصح والإرشاد اللازمين ، وليس فقط حلقة وصل بينه وبين شركة التأمين؟
المغربي: دورها تقديم النصح والإرشاد ، لكن يظل القرار حق خالص للعميل دون سواه ، لكن لابد من الإشارة هنا إلي إنه لو لم يستجب العميل للنصح ، مفضلًا علي سبيل المثال السعر الأقل بغض النظر عن جودة الخدمة ، او حتي التنازل عن بعض التغطيات مقابل خفض السعر الفني ، ففي تلك الحالة نثبت ذلك كتابة وأن شركة الوساطة قدمت النصح المطلوب، ليس بهدف التنصل ولكن درءًا للاضرار ولن أقول المفاسد والتي هي في الاساس مقدمة علي جلب المنافع.
وإحقاقًا للحق، وللموضوعية المتجردة، لاتوجد شركة تأمين في السوق المصرية تتنصل من سداد إلتزاماتها ، طالما أن الخطر المحقق منصوص عليه في الوثيقة ، لكن الفارق بين شركة وأخري مرتبط بسرعة سداد التعويض ، أو بمعني أخري الإختلاف في وتيرة سداد التعويض.
زيادة اصوات بعض العملاء الزاعقة بسبب عدم بذل الوسيط العناية اللازمة
خبري: إذا كانت كل الشركات ملتزمة بسداد التعويضات مع إختلاف وتيرة السداد، فلماذا تظل الأصوات الزاعقة هي الأعلي ، والتي تتهم شركات التأمين بالتنصل من التعويض، لاسيما في المنتجات الفردية وليس الشركات؟
المغربي: هذا مبعثه أحد أمرين لاثالث لهما ، إما أن العميل ليس علي دراية كاملة بشروط الوثيقة ومن ثم قد يكون الخطر مستثني من التغطية نفسها ، أو أن يكون الوسيط هنا لم يقم بالعناية اللازمة ، وإرتضي أن يكون سمسارًا وليس وسيط او مدير للخطر.
ومع ذلك تظل المسئولية مشتركة ، ما بين عميل تعامل مع التغطية التأمينية علي أنها مجرد وعد ليس له ضمانة علي غير الحقيقة ، مهملًا في استيضاح ما يعسر عليه فهمه ، وفي نفس الوقت مسئولية شركة التأمين او من يمثلها في شرح بنود الوثيقة ، لاسيما الاستثناءات قبل التغطيات.
خبري: يظل الوعي هو الهم الأكبر والهاجس الذي يؤرق الشركات علي مدار عقود ، ورغم المحاولات العديدة إلا أن النتائج تظل ليس دون المطلوب، فما وجهة نظرك لمواجهة هذا التحد الذي تجاوزته دولا عديدة متشابهة إقتصاديًا مع مصر؟
المغربي: من وجهة نظري التي تحتمل الخطا قبل الصواب، لا مهرب إلا بالتأمين الإلزامي علي الحياة والمنزل والسيارات ، بحيث يتم إصدار الوثيقة للطفل مع شهادة ميلاده ،والسيارة بمجرد شرائها والمنزل بمجرد السكن فية وهو ما يضمن أمرين، الأول تفتيت الخطر ومن ثم خفض السعر والقسط ، والثاني أن التعود علي التأمين سيحفز الناس علي التساؤل عن ماهيته وهو ما يؤدي بالضرورة إلي زيادة الوعي تدريجيًا ، ناهيك عن حجم العوائد التي ستحصل عليها شركات التأمين والتي سترفع من مساهمات القطاع في اجمالي الناتج القومي والتي لازالت في مستويات لا تتناسب مع الكثافة السكانية او حتي مع مكانة التأمين كصناعة.
ولكن لابد من إشراك الوسيط في هذه المنظومة إن كانت هناك رغبة في التعاون المشترك مع كافة اطراف وأطياف الصناعة.
إشراك الوسطاء في التأمين الإجباري ضرورة لتنظيم السوق
خبري: وما دخل الوسيط في التأمين الإلزامي؟ ألا تتشكل أهمية الوسيط في اقناع العميل بالتأمين كتغطية وليس مجرد بيع التغطية إن كانت إلزامية؟
المغربي: أظن ان هذا فهم مغلوط وسائد ، لأن وسيط التأمين ليس دخيلًا علي القطاع بل طرف أصيل فيه ، ولديه القدرة علي تنظيم الصناعة ، ونحن لا نخترع العجلة ، فليس معني ان تكون التغطية إلزامية أن يتم تحييد الوسيط ، ولتكن إمارة دبي او الإمارات العربية بكاملها نموذجًا دالا علي ذلك ، ففي تلك الدولة الشقيقة ، رغم أن التأمين علي السيارات إلزامي، إلا أن استصدار التغطية او التعامل مع شركة التأمين لايتم إلا من خلال الوسيط، وهو تنظيم للصناعة وليس البحث عن دور لهم ، او حتي تحميل العميل أعباء إضافية.
نهاية لابد من التأكيد أن وسيط التأمين ليس كائن طفيلي بل هو عضو عامل وأساسي، ولايمكن في الوقت ذاته ان تقوم شركة التأمين بكافة الادوار ، سواء الاصدار او تسوية التعويض او حتي جلب العميل ، فلا يمكن للقاضي ان يكون محاميًا وجلادًا في آن واحد.
إصدار وثيقة التأمين للطفل مع شهادة الميلاد يساهم في زخم القطاع وحماية المجتمع
خبري: إذا دخل الوسطاء في التأمين الإلزامي كحلقة إتصال علي إفتراض ان هذا سيقنع دوائر صنع القرار التأميني من الاساس، فكيف سيتمايز وسيط عن أخر؟
المغربي: هذا سؤالا وجيه، والإجابة عليه ببساطة ، أن التمايز بين الوسطاء في التأمينات الالزامية سيكون من خلال قياس مستوي الخدمة المقدمة وسرعة تلبيتها ، وبالتالي سيتنافس الوسطاء علي تجويد الخدمة طمعا – وهو امر مشروع- في التعامل مع اكبر شريحة ممكنة من العملاء، وفي نفس الوقت ستركز شركة التأمين علي دورها الرئيسي وهو الاصدار والمعاينات وإدارة الخطر فنيا.