المرحلة الحالية استثنائية بمفهومها الشامل ، ربما لتشابك تحدياتها حتي أنها صارت مثل لعبة نيوتن ، فما أن تنفس العالم الصعداء او هكذا ظن بعد التعافي جزئيًا من جائحة كورونا متحملًا فاتورتها ، إلا وواجه تحدِ أخر ، وهو الأزمة الروسية الأوكرانية والتي لم تقتصر تأثيراتها علي نطاق الأزمة جغرافيًا ، بل طالت إقتصادات العالم من أقصاه إلي أدناه ، ووسط هذه الموجات المتلاطمة من الاخطار ، تطاير رذاذ التضخم تاركًا ندوبًا لا تندمل في وجه اقتصادات الدول دون أن يفلت منها أحد.
وسط هذه التحديات التي يظن البعض أن شركات التأمين في مآمن منها، غير مدركين ان التأمين هو الأكثر إناطة بتحمل فاتورتها وترويضًا لتأثيراتها من جهتين، الأولي بصفته – اي شركات التأمين-0 مؤسسات اقتصادية تؤثر وتتأثر بالاحدات العالمية ، والثاني بإعتبارها اللاعب الأبرز لمواجهة أي تحديات ومنها التضخم وما يليه من آثار لايمكن تحملها ، ما لم يكن هناك قواعد رصينة من الإكتتاب يُعتمد عليها.
التحديات عالمية وتأثيراتها لم تفلت منها الأسواق المحلية، ومن ثم كان من الضروري رسم إطارها عبر خالد عبد الصادق ، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة المهندس للتأمين، لأسباب عديدة منها ، كونه أحد المتشابكين مع أسواق الإعادة بحكم خبراته السابقة ، والثاني قدرته علي فهم تفاصيل الوضع الاقتصادي مستشرفًا فرصه في ضوء المعطيات المتاحة ، بإعتباره منغمسًا في تفاصيل هذه المعركة ، كونه مسئولًا عن المهندس للتأمين.
الأسئلة عديدة والإجابات حائرة ، فكيف سيتعامل التأمين مع شح السيولة الدولارية؟ ، لاسيما وأنه ملتزم بسداد حصص معيدي التأمين بالعملة الصعبة؟ ، وكيف يمكن مقاومة خطر التضخم او تأثيراته؟ وكيف تعاملت شركات الإعادة مع وحدات التأمين المباشر؟ وهل الظروف الضاغطة مدعاة لاستخدام شركات التأمين أساليبًا مرفوضة فنيا؟ وإذا استخدمتها فما مبرراتها؟ ومدي قبولها ؟ والأهم من ذلك ، هل إرتفاع حصيلة الإكتتاب المباشر يعكس نموًا حقيقيًا ؟ وإن لم يعكس ، فما دلالات زيادة القسط ؟ وأخيرًا وليس أخرًا ، ماذا لو توانت البنوك عن توفير السيولة الدولارية لشركات التأمين لسداد إلتزاماتها؟ وموقف إعادة التأمين نفسها من هذه الضغوط؟
وإلي نص الحوار : –
خبري: بدءًا دخلت إتفاقيات إعادة التأمين للعام الحالي 2023 حيز التنفيذ ، صف لنا مناخ المفاوضات الذي جرت فيه ، بمعني طبيعة المفاوضات هل كانت مرنة ام متشددة ؟ ليس مع المهندس بصورة خاصة ولكن علي مستوي اسواق التأمين المباشرة؟
خالد عبد الصادق: لاشك أن مفاوضات تجديد إتفاقيات إعادة التأمين للعام الجديد 2023 ، لم تكن سهلة كما في سابق السنوات، وهنا أتحدث عن التجديدات بصورة عامة وليس علي مستوي شركة المهندس للتأمين، فلكل شركة طبيعتها وخصوصيتها.
وأما عن المناخ العام فكما أسلفت لم تكن المفاوضات بالسهولة التي قد يتصورها البعض، ليس بسبب سوء النتائج ، ولكن بسبب التحديات العالمية إقتصاديًا وسياسيًا ، او ما يعرف بالمخاطر الجيوسياسية التي حاقت بالعالم كله ، فإكتوي الإقتصاد بنارها ، ومن ثم كان لصناعة التأمين نصيبًا وافرًا منها.
دعني أدلف في الموضوع مباشرة ، شركات إعادة التأمين واجهت ضغوطا مع شركات إعادة الإعادة ، او ما يسمي بإتفاقيات الحماية الخاصة بها، نتيجة تأثر العالم كما أسلفت بالمخاطر الجيوسياسية .
خبري: أتعني ان التشدد لم يكن للنتائج الفنية نصيبًا من أسبابه؟
عبد الصادق: لا يمكن أن أقطع بذلك ، فهذا دغدغة للمشاعر ، والفترة الحالية تستدعي المكاشفة عن أي فترة سابقة ، بمعني ان النتائج الفنية كان لها دورًا في التشدد ، نظرًا للخسائر الفنية التي مُنيت بها الأسواق المباشرة ، بسبب الممارسات السعرية ،وهو ما إنعكس بطبيعة الحال علي أسواق إعادة التأمين ، فالتأمين كما تعلم صناعة عالمية ، واي خلل في أحد أجزائه سيؤثر بالضرورة علي باقي الجسد او الهيكل.
إنحراف مؤشر التسعير طبيعي في الظروف الضاغطة بشرط عدم تحوله لظاهرة
خبري: ألم تُبح الأصوات نصحًا بضرورة العودة للاساليب الفنية السليمة ، وعدم الانحراف عن مؤشرات التسعير ضمانا لسلامة واستقرار المراكز المالية وقبلها النتائج بالطبع؟
عبد الصادق: مهلا ، الحكم الكٌلي غير موضوعي ، واسواق التأمين ليست أفلاطونية ، فهناك مؤثرات ضاغطة قد تدفع البعض للإنحراف الجزئي، ولكن هذ ليس معناه قبول هذه الانحرافات ، ولكن التحدي الحقيقي ان تكون تلك الممارسات ظاهرة عامة ، وهنا مكمن الخطر والخطورة ، هذه نقطة.
أما الثانية ، فاسواق اعادة التأمين نفسها تعاني، وكما اسلفت المخاطر الجيوسياسية وقبل تفشي كورونا ، أدي إلي ارتفاع معدل التضخم ، ومن ثم رغبة العملاء في ترشيد الانفاق علي حساب بند التأمين ، ولن اناقش اسبابه وانها مرتبطة بضعف الوعي، ولكن دعني أدلف في تأثير هذا التفكير الذي يستدعي تحرك الشركات مضطرة إلي التنازل جزئيًا عن مؤشر التسعير- رغم اعتراضنا ورفضنا لذلك بالطبع – للحفاظ علي العميل.
خبري: وكيف كانت طبيعة تجديد اتفاقيات الاعادة مع المهندس للتأمين؟
عبد الصادق: أسلفت أن المناخ العام متشدد لأسباب ذكرت بعضها ، ومع ذلك نجحت المهندس للتأمين في تجديد إتفاقياتها ، محافظة علي نفس مزايا العام الماضي 2022 ، لأسباب مرتبطة بجودة النتائج الفنية ، فكما تعلم شركات الإعادة تستفيد من الأرباح الفنية ومن ثم فكلما تحسنت هذه النتائج او أرباح الإكتتاب ، كلما ساهم ذلك في تحفيز معيدي التأمين علي منح مزايا تفضيلية لشركة التأمين التي يتعاملون معها.
ومن الأهمية بمكان ، الإشارة إلي أن المهندس للتأمين تتعامل مع كبري شركات إعادة التأمين العالمية ، ومنها ذكرًا لا حصرًا ، شركة سويس ري ، والتي تقوم بدور المعيد الرائد ، وهذه الشركة لن تقبل ان تكون رائدًا لبرامج إعادة تأمين لشركة تأمين مباشر ، ما لم يكن لديها – اي لشركة التأمين- من النتائج التي تحمس شركة الإعادة لقبول القيام بدور المعيد الرائد.
خبري: ما طبيعة المزايا التفضيلية التي حافظت المهندس للتأمين عليها في إتفاقيات الإعادة ؟هل مرتبطة بالطاقة الاستيعابية أم بهيكل العمولات أم في الشروطً الفنية الأخري؟
عبد الصادق: لا ينفك هذا عن ذاك ، بمعني أنه كلما تحسنت النتائج الفنية واستفاد معيد التأمين من ثمارها ، كلما تحمس للإبقاء علي التعاون مع شركة التأمين ، وهو ما حدث فعليًا مع المهندس للتأمين ، حيث نجحنا في الحصول علي مزايا تفضيلية كالطاقة الاستيعابية التي تم زيادتها ، وباقي الشروط الأخري، لكن هذا ليس مدعاة للتكاسل بل لبذل المزيد من الجهد لتحقيق نتائج أفضل ، ليس بغية الحفاظ علي المزايا بل لتعظيمها عامًا تلو الأخر.
بقي أن أؤكد في هذه النقطة ، أن الإشادة بجودة النتائج ليس دغدغة للمشاعر بعبارات رنانة ، ولكن تؤكدها الأرقام التي تم الإعلان عنها ، سواء المرتبطة بالأقساط المباشرة التي تعاظمت او بتكاليف الانتاج التي إنخفضت نسبتها مقارنة بنسبة نمو الإكتتاب، علاوة علي الوفورات الفنية او فائض الإكتتاب التأميني ، بالإضافة الي فائض النشاط ، وجميعها قادر من خلال تجميعها وترتيبها علي رسم صورة دقيقة لمكانة المهندس للتأمين داخل السوق المصرية.
شركات الإعادة قد تتشدد في شروط الإتفاقيات في حالة إستمرار أزمة العملة الصعبة
خبري: تجاوزتم إختبار تجديد الإتفاقيات ، وهو يخضع بالطبع لنتائج كل شركة تأمين علي حدة ، بخلاف النتائج الكلية للسوق ، لكن ما لا يمكن تجاوزه هو التحد الغالب علي السوق، المرتبط بشُح السيولة الدولارية ، لأسباب ليس هذا توقيت الاستفاضة فيها ، فكيف تعاملت او تتعامل السوق مع هذا التحدي ، لاسيما مع أهمية السيولة الدولارية في سداد حصص معيدي التأمين؟
عبد الصادق: لا أخفيك سِرًا ، هناك تحد حقيقي يواجه سوق التأمين مرتبط بوفرة السيولة الدولارية اللازمة لسداد حصص معيدي التأمين ، وهذا التحدي يحتاج لتضافر جهود عدة علي مختلف مستوياته الاقتصادية وغير الاقتصادية.
والتدخلات هنا أعني منها وضع ضوابط وحلولًا غير نمطية من قبل الأطراف ذات الصلة ، وإن كانت الأزمة لم تظهر تأثيراتها بصورة كيبرة لكني أظن- وأتمني أن أكون مخطئًا- ستظهر تبعاتها بشكل جلي الفترة المقبلة ، وأخشي ما أخشاه ان يلجأ معيد التأمين للتشدد الضاغط في شروط الإتفاقيات في حالة عدم إلتزام أي من الشركات بسداد حصهها ، ليس لرفضها السداد ولكن لعدم وجود السيولة الدولارية المطلوبة في توقيتات سدادها ، او علي اقل تقدير قد يلجأ معيد التأمين الي وضع شروطًا جديدة ستكون مكلفة لشركة التأمين.
خبري: ما طبيعة تلك الاشتراطات التي تتخوف منها والتي قد تكون مكلفة لشركة التأمين؟
عبد الصادق: أقصد أن يتفق معيد التأمين علي رقم معين مقومًا بالدولار، وإذا ما تم ترجمته للجنيه المصري سيكون كبيرًا.
خبري:أليس هذا ما إعتادت عليه السوق؟ أقصد الاتفاق علي نسبة معينة من القسط وفقًا لطبيعة برنامج إعادة التأمين؟
عبد الصادق: يتم الاتفاق علي نسبة بالطبع ، ووفقًا لبرامج الإعادة واسلوبها هذا حقيقي، لكن هناك جانب أخر من الصورة قد يكون غائب عن البعض ، أقصد أن ترجمة النسبة التي سيحصل عليها معيد التأمين من القسط إذا افترضنا انها مليون جنيه ، وهذا الرقم تم تحويله بالدولار إلي 50 ألف دولار ، إذا افترضنا جدلًا ان سعر صرف الدولار 20 جنيه، لكن ماذا لو لم يتوافر الدولار في السوق الرسمية ؟ بل ماذا لو إنخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار؟ في هذه الحالة لن يحصل معيد التأمين علي 50 ألف دولار بل أقل، وهذا يعني ان قيمة القسط انخفضت، وهذا ما اقصده واتخوف منه.
لكن وجب الإشارة أيضًا إلي أن تاثير شُح السيولة الدولارية ان كان لم يظهر حتي الان، لكني اظن – واتمني ان اكون مخطئًا في ظني- سيظهر في القريب العاجل.
شُح السيولة الدولارية معضلة والبنوك تسعي لتدبيرها وفق فقه الأولويات
خبري: وهل البنوك لا توفر السيولة الدولارية الكافية لشركات التأمين لسداد إلتزامات معيدي التأمين؟
عبد الصادق: البنوك لا تتواني في تدبير السيولة الدولارية ، ولكن ألا يوجد ما يسمي بفقه الأولويات؟ بمعني أن هناك إحتياجات أساسية ومتطلبات رئيسية لها الأولوية في توفير السيولة الدولارية لها، وهذا لايعني ان قطاع التأمين ليس مُهمًا ، ولكن يوجد الأهم ثم المهم.
ما أقصده أن البنوك لا تتأخر في تدبير السيولة الدولارية لشركات التأمين ولكن في حدود المتاح ، ما يعني ان شركات التأمين قد يتم وضعها في قائمة انتظار waiting list ، ومن ثم قد تتاخر في سداد حصص معيدي التأمين – ليس تعمدًا من الشركات ولا بخل من البنوك بالطبع ولكن هناك اولويات لابد من استيعابها كما اسلفت بيانها – ، والصعوبة إذا كانت شركات التأمين بلا غطاء دولاري ، بمعني ان يكون لديها ودائع او رصيد دولاري وتضطر لشراء الدولار مقابل الجنيه المصري.
خبري: التضخم بات غول مفترس يجول ملتمسًا من يبتلعه ، فما مدي تأثيره علي صناعة التأمين؟
عبد الصادق: لا ننكر أننا في ظروف غاية القسوة علي المستوي الاقتصادي العالمي ، بسبب التغييرات الدراماتيكية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ، ومن بين تأثيراتها السلبية التي كنا نتوقعها ، أقصد إرتفاع معدل التضخم ، وهذا يعني لجوء عملاء بشركات تأمين سواء أشخاص طبيعيين او إعتباريين ، إلي ترشيد الإنفاق، وبسبب ضعف الوعي الذي أصبحنا نجأر منه صباح مساء ، يلجأ العميل إلي إلغاء بند التأمين رغم أهميته وضروريته ، أو علي أقل تقدير عدم رفع مبالغ التغطية ، أو الإكتفاء بالمتاح دون اصدار تغطيات جديدة ، وهنا يجب أن لا نتباكي كثيرا علي هذا الامر ، فليس بالبكاء تُحل الازمات.
خبري: هل لجوء العملاء للترشيد من خلال الضغط علي بند التأمين هو إتجاه عام في الأزمات؟
عبد الصادق: بالطبع ليس إتجاها عامًا، لكنه موجود ولايجب أن ننكره ، لكن المهم الإشارة الي ان العميل الذي يلجأ الي الترشيد علي حساب بند التأمين ، علي الاقل بعدم اصدار تغطيات جديدة ، قد يكون لديه احتياطي نقدي ، يعتقد خطأ أنه سيحميه من الآثار السلبية للخطر إذا ما تحقق وهو خارج إطار التغطية التأمينية.
خبري: أليس دور التأمين يظهر بشكل جلي وقت الأزمات؟ بمعني أن للتأمين خصوصيته لأنه مناط بترويض الخطر وتخفيف آثاره وتقليص حدته وليس الهروب منه ، وبالتالي لايجوز أن تجأر شركات التأمين من رفض العميل علي سبيل المثال رفع التغطية التأمينية بل عليها ابتكار الادوات التي تحمس العميل للبقاء تحت مظلة الحماية التأمينية؟
عبد الصادق: لا أختلف معك في أن التأمين يظهر وقت الأزمات، بل إن دوره هو ترويض الأزمة أو الخطر والتعامل معها فنيا، وبصورة استباقية بالطبع، لكن هذا شطرًا من بيت القصيد ، لكن هناك شطرًا أخر مكملًا لهذا البيت وهو ضعف الوعي التأميني.
ما أعنيه ، أنه في وقت الأزمات خاصة الضغوط الإقتصادية تتأثر المشروعات متوسطة وصغيرة الحجم ، أي أن السيولة او الـ Cash Flow تتقلص لأسباب يعلمها الكافة ، منها علي سبيل المثال ضعف القوة الشرائية او خفض الانتاج بسبب عدم توافر المادة الخام ومستلزمات الانتاج التي يتم استيرادها من الخارج بسب عدم توافر السيولة الدولارية وارتفاع معدل التضخم.
هذه العوامل المتشابكة حينا والمترابطة احيانا تؤثر علي المساحة التي تتحرك فيها شركات التأمين ، بمعني تقلص السوق الذي تستهدفه شركة التأمين.
لكن هناك سبل اخري لزيادة اقساط التأمين من خلال رفع مبالغ التأمين ، لكي تتوافق مع القيم الحقيقية للأصول.
و دعني اكاشفك الامر ، انه رغم زيادة الاقساط لكنها لا تعبر عن النمو الحقيقي ، بمعني انها زيادة صورية او دفترية او قل زيادة في الرقم ، وليس في السعر، فزيادة الاقساط لايعني بالضرورة زيادة السعر ، بل بالعكس قد يكون زيادة القسط بسبب خفض السعر الفني ، أي انه رغم زيادة قسط التأمين ، الا ان قيمته الفنية لازالت كما هي ، متدنية للغاية ، لاسيما إذا ما تم تحويل القسط للعملة الاجنبية لسداد حصص معيدي التأمين.
زيادة الأقساط ليس مؤشرًا للنمو لكن زيادة السعر هو المعيار الأدق
خبري: ما تذكره يعني بصورة مباشرة إنخفاض أسعار التأمين ، والسؤال هنا، لماذا تنخفض أسعار التأمين رغم إرتفاع كافة اسعار السلع والخدمات الاخري؟
عبد الصادق: ما اشرت إليه ، حقيقة لايمكن انكارها بسبب العديد من الأمور ، منها أن زيادة أسعار السلع الأساسية والإحتياجات الضرورية دفع العملاء الي ترشيد الإنفاق علي حساب بند التأمين كما اسلفنا ذكرًا، بسبب ارتفاع معدل التضخم بالنسبة للشخص الطبيعي او الفرد ، وكذلك ارتفاع تكاليف الانتاج بالنسبة للشخص الاعتباري او الشركة .
ومن ثم ، لابد وأن يبحث العميل عن وسائل جديدة للتوفير او الترشيد ، وان لم يلجأ للترشيد فقد يضغط علي شركة التأمين لخفض السعر ، لاسيما إن كانت سوابق تعاملاته جيدة ، ولم يكن سبب في خسارة شركة التأمين ذات مرة خلال تاريخه التأميني.
دعني هنا مكاشفة الذات ، بمعني أن شركات التأمين تسعي للحفاظ علي العميل ، لاسيما اذا كان عميلا ذا اخطارجيدة ، من خلال منحه مزايا نسبية والتي تدور حول السعر، لاسيما مع وجود امرين، الاول ضعف الفرص المتاحة للاسباب التي ذكرناها ، والثاني وهو الاهم، المنافسة التي لم تهدأ بل تتسارع وتيرتها يوما تلو الاخر ، وهنا اقصد المنافسة السعرية.
وبالمناسبة اذا كان هناك خطر ، فليس هذا الكامن في الاصول التي نغطيها ، بمعني ان الخطر ليس خطرًا في حد ذاته لاننا نروضه فنيا ، ولكن ما لايمكن ترويضه هو ان يكون السعر الفني اقل من الخطر ، لانك كمن يريد ان يكبح جماح غول مفترس بادوات هشة.
وإذا أردت أن أزيدك الشِعر بيتًا ، فالخلل في المعادلة التأمينية ، خاصة فيما يتعلق بمؤشر التسعير ، هو التحدي الأبرز لشركات التأمين، بمعني ، كيف نحافظ علي سعر تأميني للمخاطر التي تغطيها وهو ما يتطلب مزيدا من الحذر والحرص والحيطة والاكتتاب الفني الامثل، وأتمني أن يكون الوقت الحالي هو المناسب لإتخاذ هذه الخطوة.
اي خطر متوقع يمكن ترويضه تأمينيا بشرط تسعيره فنيًا بصورة منضبطة
خبري: هل يمكن لشركات التامين ان تغطي مخاطر كارتفاع او تذبذب – اسعار بعض السلع الاستثمارية مثل الذهب؟
عبد الصادق: شركات التأمين يمكنها تغطية اي خطر مهما كان طالما انه قابل للتأمين ، بمعني ان يكون الخطر متوقع الحدوث أو التحقق ، وليس التاكد من حدوثه او استحالة حدوثه ، وطالما انه في دائرة التوقع والامكان، فبالتالي يمكن التأمين عليه.
السؤال ليس في القدرة علي تغطية خطر من عدمه ، ولكن التساؤل الجوهري يكمن في ، هل الوقت ملائم لتغطية الخطر ام لا؟ بمعني ان الكافة يعلمون ان اسعار الذهب باتت متحركة بصورة تثير علامات التعجب والاندهاش، ومن ثم فتوقيت مجرد التفكير فيها ليس ملائمًا ، لاسيما في ظروف تقلبات سعر الصرف من جهة ، واضطراب اسواق الاعادة من جهة اخري، ناهيك عن المخاطر الجيوسياسية التي لا يعلم أحد متي ستنتهي .
ومن هذا نخلص الي انه رغم ان التأمين دوره ترويض الخطر، لكن ليس مطلوبًا من شركات التأمين أن تقامر بتغطية مخاطر لايمكن قياس تكلفتها وفاتورتها ، وبالتالي فالاستقرار الاقنصادي عالميا سينعكس بالضرورة علي الاقتصادات المحلية والناشئة ، وهي البيئة المواتية لدراسة منتجات جديدة او تغطيىة اخطار غير نمطية مثل تذبذب او انخفاض اسعار سلع معينة كالذهب.
تضافر الجهود دوليا لتوفير طاقات استيعابية للشركات ضرورة لمواجهة الظروف الاستثنائية
خبري: بعض المجموعات العربية أعلنت بل تسعي لانشاء كيانات لاعادة التامين – هل هذه اشارة جديدة لعدم قدرة السوق المصرية علي تاسيس شركة وطنية للإعادة؟
عبد الصادق: سيظل تأسيس شركة وطنية لاعادة التأمين محل نقاش لا ينتهي ، ويتجدد دائما مع اي تحد مرتبط بإعادة التأمين.
لكن اظن ومن وجهة نظري ان الوقت الحالي ليس ملائما حتي للنقاش في هذا الملف، لاسيما وان سوق اعادة التأمين العالمي يئن وبات منتشددًا عن ذي قبل ، لاسباب يعرفها القاصي والداني ، لانه ان كان التأمين نشاط متخصص ، فإعادة التأمين أكثر تخصصا ودقة وخصوصية وبالتالي التفكير في تاسيس شركة وطنية لاعادة التامين ليس مناسبا .
الامر ليس دعوة للاستسلام والخنوع ، بل ان الامر يتطلب تضافر الجهود الدولية وليس جهود دولة دون اخري ، لتوفير طاقات استيعابيىة تدعم برامج اعادة التأمين للشركات المباشرة ، والمجهود الدولي هنا اقصد به الجهد العربي ، فأذا نظرنا لافريقيا نجدها تطورت بصورة كبيرة بل اكبر من اسواقنا العربية لاسيما مع وجود شركات اعادة افريقية باتت لاعبا مؤثرا في السوق المصرية كنموذج بغض النظر عن التصنيف الائتماني لهذه الكيانات الافريقية مقارنة بالكيانات العالمية، لكن هذا لا يعني تجريدها من نفوذها كلاعب موجود حاليا علي خريطة صناعة إعادة التأمين.
وهذا لايعني ايضا الغاء فكرة ، أو قل حُلم انشاء شركة وطنية لاعادة التأمين ، فهي دعوة تشاؤمية ليس علي كل ذي بصيرة ان يدعو لها، بل هي دعوة للتأني والتريث حتي تهدأ الظروف الاقتصادية العالمية ومن ثم المحلية، لاسيما وان تأسيس شركة وطنية للاعادة يحتاج راسمال ضخم يتلائم مع طبيعة نشاطها كوعاء للاخطار التي تغطيها اسواق مباشرة وليس سوقا واحدة او شركة واحدة.
كما ان العائد منها لايتم قبل خمس سنوات علي الاقل من التشغيل وبالتالي فالاستثمار فيها لابد وان يكون محسوبا ، لان الشعارات وحدها لاتغير وافع او تحقق حلما بل الدراسة والحيطة والحذر.