في شهر مارس الماضي إنتقلت تبعية شركتي مصر للتأمين وشقيقتها مصر حياة من وزارة قطاع الأعمال العام ، لتنضوي تحت عباءة الصندوق السيادي ، وهما الكيانان اللذان يستحوذان علي ما نسبته 35% من الحصة السوقية في مؤشر الأقساط المباشرة ، وفق أخر إحصاءات رسمية معلنة ، مقابل تقاسم 38 شركة تابعة للقطاع الخاص ، تتنوع أنشطتها ما بين الحياة والممتلكات ، واساليبها ما بين التكافلي والتقليدي ، ما تبقي من حصة سوقية.
في خلفية المشهد ، لاتزال آثار الأخطار الجيوسياسية تخيم علي الإقتصادي العالمي ، والذي إكتوي نشاط التأمين بنار أخطاره ، لاسيما مع وجود تأثيرات مباشرة مرتبطة بهذه الاخطار ومنها إرتفاع مستوي التضخم عالميا ، ما إضطر البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة لترويض هذا الغول الهائج الذي أكل أخضر النمو قبل يابسه.
إرتفاع التضخم وزيادة أسعار الفائدة إنعكست سلبيًا علي صناعة التأمين كنشاط فني ، بسبب تخلي العملاء أفرادًا وشركات عن التأمين إضطرارًا ، رغبة في ترشيد الانفاق ، وبغض النظر عن مدي سلامة هذه القراراات ودلالتها السلبية لمستوي الوعي ، لكن تظل الحقيقة المؤكدة أن التأمين كصناعة تجأر ، وشركاتها تئن محليا واقليميا بل وعالميا.
لايمكن اغفال جائحة كورونا التي كانت سببًا رئيسيًا لهذا البلاء الذي تلاه بلاءات عديدة ، ليطرح التساؤل الجوهري نفسه ، في ظل هذه المعطيات هل ستشهد سوق التأمين المصرية إعادة تشكيل جديدة ، بما يشبه قطع الشطرنج التي تتبادل ادوارها فيما بينها؟
الشواهد الأولي تؤكد هذا الطرح ، والمبررات التي سنعرضها تباعًا تعضد هذا التوقع ، والذي سيؤدي إلي تغيير قواعد اللعبة ، ويفرز لاعبون جدد.
رهان علي التصنيفات الائتمانية للشركات العالمية والتضخم يضرب تغطيات الحياة
أما عن الشاهد الأول فله علاقة بحصول شركات تأمين مصرية تابعة لمجموعات خليجية علي تصنيفات ائتمانية ، ما يعن تعزيز موقفها التنافسي أمام العملاء من الشخصيات الاعتبارية ، وهو ما سينعكس بالضرورة علي رصيد أقساطها المباشرة وبالتالي الاستحواذ علي أرضًا جديدة من المساحة المتاحة في الحصة السوقية.
ويرتبط الشاهد الثاني بلجوء شركات تأمين إلي استخدام الممارسات السعرية دون أدني إعتبار للمعايير الفنية ، والتنازل عن الارباح الفنية او ما يُعرف بفائض الاكتتاب رغبة في تحقيق المستهدف من الأقساط ، للاستفادة من عوائد استثمارها ، ظنًا ان هذا سيعوض فاقد الاكتتاب التأميني
خطورة استخدام هذه اللعبة او سلاح المضاربات ليس فقط في أنها تؤثر علي كفاءة الخدمة المقدمة للعميل ، وستنعكس بطبيعة الحال علي وتيرة صرف التعويضات والمطالبات ، ما يعني المقامرة بما تبقي من سمعة والتي تمثل الرصيد الذي لايجب ان ينضب تحت اي ظرف وفي ظل أي ضغوط اقتصادية.
اما الانعكاس الثاني لاستخدام المضاربات في هذه الشركات انها لن تتمكن من اعاةدة جزء من المخاطر لدي شركات اعادة ذات تصنيفات متقدمة وهو أمر جد خطير ، له من التأثيرات السلبية ما يفوق اي مكاسب يمكن تحقيقها بشكل مؤقت.
الانعكاس الاخطر يكمن في ان استخدام المضاربات السعرية دون غطاء كاف من المخصصات الفنية او حتي الملاءة المالية والقواعد الراسمالية سيجعل هذه الشركات التي تتساهل في الاكتتاب أمام خياران كلاهما مُر ، إما الاندماج في شركات اخري او الاستحواذ عليها ، لان البديل الثالث هو الخروج من السوق ، ومن ثم سيكون في هذه الحالة البقاء للاصلح فنيا وليس للأرخص سعريًا علي المدي الزمني المتوسط وليس الطويل.
شركات تأمين تجأر من المنافسة والمعيار المحاسبي IFRS 17 يكشف ماهية الأرباح
ما لايعرفه البعض او غاب عن اخرين ان المعيار المحاسبي الجديد 17 IFRS تكمن أهميته بل خطورته كتوصيف أدق ، في انه كاشف لطبيعة الارباح المحققة وماهيتها سواء كانت ارباحا استثمارية او فنية ، ما يعني ان ظهير الشركات التي تخلط العائد الاستثماري مع الفني لاظهار متانة في فائض نشاطها سينكشف في اول اختبار لهذا المعيار ، ما يعني مواجهة خطر له علاقة بفقد ثقة العميل ، علي الاقل المتابع عن كسب لخريطة التأمين ونتائج اعمال وحداته داخليا وخارجيا ، وهنا نقصد العميل المؤسسي او الشخصيات الاعتبارية.
في الناحية الاخري تقف شركات تأمينات الحياة التي يجأر بعضها من انتقال المنافسة لمربعها حينا ، وارتفاع وتيرة الالغاءات احيانا ، بسبب لهاث العميل نحو فائدة الاوعية الادخارية التي تطرحها البنوك لاسباب أسلفنا بعضها.
لم تقف تاثيرات كورونا والاخطار الجيوسياسية علي هذا بالنسبة لشركات الحياة ، بل زاد الطينة بلة ارتفاع الخدمات الطبية بسبب شح السيولة الدولارية وعدم وفرة مستلزمات الانتاج ، ما يعني بيع خدمة التأمين الطبي بثمن بخس وقبول الخسارة وهو خيار مُر ، او رفع الاسعار وهو سيناريو اصعب لاسيما مع عدم تفهم عملاء تأمين لاهمية التأمين كغطاء حمائي.
كسب عميل جديد كالرهان علي ورقة اليانصيب والتغطيات الجديدة حل أمثل بشروط
هل يمكن الرهان علي التغطيات الجديدة؟ ربما لكن شريطة تحقق أمران ، الأول ان تكون تغطيات من خارج صندوق الوثائق النمطية ، والثاني ان تتاح باسعار ملائمة وشروطًا مبسطة؟
وسط هذه التموجات الشديدة ، والمياه المتلاطمة ، سيُعاد تشكيل خريطة سوق التأمين المصرية ، وربما الاقليمية ، ليبقي السؤال الاكثر وضوحًا في طرحه ، هل هذه التغيرات وليدة مخاض الاخطار التي اسلفناها ، ام انها ستكون بداية لحراك واسع لايعلم احد مدي تاثيره؟
الحقيقة المؤكدة والواقع الكاشف يميل إلي ان سوق التامين المصرية تئن ، وشركاته تجأر ، وبات كسب عميل جديد كمن يربح ورقة اليانصيب.