تلقى تجار النفط الخام إشارات تحذيرية مع بدء العام الجديد نتيجة مخاوف تراجع معدلات النمو العالمي وتراجع حجم الطلب والتي تعوض ارتفاع المخاطر الجيوسياسية المتعلقة بالتطورات في البحر الأحمر وما حوله، حيث أجبرت الهجمات على السفن التجارية الشهر الماضي شركات الشحن على إعادة توجيه الشحنات القادمة من الشرق الأوسط وآسيا، مما أدى إلى زيادة تكاليف وزمن الرحلات. تجدر الإشارة أيضاً إلى احتمال أن تشهد الأسابيع القليلة الأولى من التداول، مثل معظم السنوات الأخرى، بعض التقلبات في التداول حيث من المتوقع أن يسعى المضاربون المتفائلون خلف إشارات تشجعهم على التداول، مما قد يتسبب بحالة من عدم من الاستقرار في سوق التداول.
قال أولي هانسن ، رئيس شؤون استراتيجيات السلع في ساكسو بنك ، أن هناك احتمالية متزايدة أن نشهد استقراراً في سعر النفط الخام في الأشهر المقبلة مع عدم وجود محفز واحد قوي بما يكفي لتغيير ديناميكيات السوق الذي يوزع تركيزه بين مخاوف تباطؤ معدلات النمو، خاصة في الصين والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وارتفاع الإنتاج من خارج أوبك+ من ناحية وتخفيضات أوبك+ والمخاطر الجيوسياسية من ناحية أخرى. كما قد نشهد تقلبات في استعداد المستثمرين للمخاطرة بالتوازي مع التغيرات في الوتيرة المتوقعة لخفض أسعار الفائدة الأمريكية. مع وضع ذلك في الاعتبار، نرى أن نفط خام برنت سيحافظ على استقراره عند 80 دولاراً للبرميل خلال الربع الأول حيث يتجلى التهديد الأكبر الذي يمكن أن يؤثر على الأسعار في المخاوف من انهيار الاتفاق الحالي بين أعضاء أوبك+ والذي يتمثل في خفض الإنتاج، والتهديد الأكبر من الناحية الأخرى، قد يأتي من أحداث جيوسياسية كبرى قد تعطل تدفق النفط الخام والغاز من الشرق الأوسط.
شهد سعر خام برنت العام الماضي تداولاً ضمن نطاق ضئيل نسبياً بلغ 27.5 دولاراً مقارنة بالنطاق البالغ 64 دولاراً في عام 2022 عندما دفعت الحرب في أوكرانيا السوق إلى الارتفاع بشكل حاد، قبل أن ينهار. وبشكل عام، أغلقت العقود الآجلة للشهر الأول في خام برنت على انخفاض بنسبة 6% على مدار العام بينما شهد خام غرب تكساس الوسيط انخفاضاً بنسبة 7%. من منظور استثماري، تم تداول العقود الآجلة بأسعار اقل من العقود الفورية خلال معظم العام، وبالنظر إلى التأثير الإيجابي على العقود المتجددة في مثل هذه البيئة، انخفضت النتيجة السلبية إلى -1% في خام برنت و -2% في خام غرب تكساس الوسيط.
يقل سعر تداول خام برنت الحالي بالقرب من 80 دولاراً، بضعة دولارات فقط عن متوسط سعر العام الماضي والمتوسط المتحرك الحالي لمدة 200 يوم أعلى بقليل من 82 دولاراً، وفي حين أن الاستقرار النسبي يمكن أن ينسب إلى محاولات أوبك+ للحفاظ على استقرار الأسعار من خلال إدارة العرض بفعالية، فلا شك أن المجموعة كانت تفضل أسعاراً أعلى. لكن زيادة معدلات الإنتاج في الولايات المتحدة وإيران وفنزويلا وغيانا وغيرها، بالتزامن مع تراجع الطلب في الربع الرابع، حال دون اكتمال انتصار المجموعة نظراً لفشلها في رفع الأسعار بالرغم من تنازلها عن حصتها في السوق.
لا يزال اضطرار المجموعة للتنازل عن المزيد من حصتها السوقية من أجل الحفاظ على الأسعار أكثر من 70 دولاراً يمثل تهديداً جدياً لوحدة المجموعة، خاصة بالنظر إلى احتمال تراجع نمو الطلب واستمرار معدلات الإنتاج المرتفعة من الدول غير الأعضاء في أوبك+ مما يؤدي إلى تراجع الحصة السوقية لأوبك+ وزيادة الضغط على القدرات الاحتياطية المتاحة، خاصة من المملكة العربية السعودية التي تمتلك أكثر من 3 ملايين برميل يومياً من الطاقة الاحتياطية، وهو تطور يجب أن يساعد في الأوقات العادية على كبح أي ارتفاع في الأسعار نظراً للحافز القوي لإعادة المزيد من النفط إلى السوق.
سيواصل المضاربون مثل صناديق التحوط ومستشاري تداول السلع، كما هو الحال في العام الماضي، لعب دور مهم عندما يتعلق الأمر بتحديد الحد الأعلى والحد الأدنى للأسعار في السوق. يميل هؤلاء المضاربون، الذين يلجؤون إلى استراتيجيات تداول تعتمد على متابعة الاتجاهات السائدة في السوق، إلى توقع وتسريع وتضخيم تغيرات الأسعار التي يتم تحريكها بواسطة عوامل أساسية مهمة في الاقتصاد. تجعلهم هذه الاستراتيجية يشترون عندما تكون الأسعار في ارتفاع ويبيعون عندما تكون في انخفاض، وهذا يعني أنهم غالباً يميلون بشكل كبير للشراء عندما يكون السوق في الذروة، أو للبيع قبل أن يتراجع السوق.
شهد العام الماضي تحركاً محدود النطاق للسوق الأمر الذي شكل تحدياً لتلك الاستراتيجيات، مما أدى إلى العديد من المواقف حيث انتهى بهم الأمر إلى الاحتفاظ بمركز خاطئ عندما شهدت أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط تقلبات مفاجئة، مع تغير النظرة الفنية، مدفوعة من بين أمور أخرى بقرارات خفض إنتاج أوبك+، وتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية، والتطورات التي تشهدها الصين والأحداث الجيوسياسية. فمن صافي 491 مليون برميل في فبراير انخفض إلى أدنى مستوى له عند 231 مليون برميل في يونيو قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له في عامين في سبتمبر عند 560 مليون برميل، لينهار إلى أدنى مستوى له في 11 عاماً عند 171 مليون برميل في بداية ديسمبر، قبل أن تساعد اضطرابات البحر الأحمر في دعم انتعاش قوي لمدة أسبوعين قبل نهاية العام.
الخلاصة ، من المرجح أن يستقر سعر النفط الخام ضمن نطاق 80 دولاراً في برنت خلال الربع القادم حيث تعوض العرض من خارج أوبك والنمو العالمي عن تخفيضات الإنتاج والتوترات في الشرق الأوسط وارتفاع آخر في الطلب العالمي، وإن كان بوتيرة أبطأ من العام الماضي. ستواصل مجموعة منتجي أوبك+ دعم الأسعار من خلال تمديد وربما زيادة تخفيضات الإنتاج الحالية، متنازلة عن حصتها في السوق مع زيادة مستوى القدرات الاحتياطية المتاحة. من المتوقع أن يتسبب توقيت الخطوة الأولى لخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والخطوات اللاحقة بالمزيد من التقلبات في السوق غير المستقر بسبب المضاربين الذين يركزون على مؤشرات الاقتصاد الكلي.