رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مايو الماضي الفائدة على الدولار بمقدار نصف نقطة مئوية 0.5 % لتصل إلى 1%، وهي أكبر زيادة منذ عام 2000، ولم تمضِ ساعات على القرار حتى اصدر عددًا من البنوك المركزية العربية قرارات موازية برفع أسعار الفائدة 50 نقطة أساس كنوع من التحوط الاقتصادي.
القاصي والداني يعرف ان رفع سعر الفائدة بشكل عام، له علاقة بمحاولة أجهزة الرقابة علي النشاط المصرفي محاصرة معدلات التضخم، عن طريق امتصاص السيولة المتاحة في الاسواق، لكن ما قد لايعرفه البعض أنه علي رغم نبل القرارات المرتبطة برفع سعر الفائدة علي الاقراض والايداع، إلا أن لها تأثيرات ايجابية واخري سلبية، ليس علي العملاء فقط ولكن علي البنوك ايضا.
ففيما يتعلق بالاسواق، يعتبر رفع سعر الفائدة اداة من ادوات جمع السيولة عن طريق اغراء اصحاب الاموال بإيداعها لدي البنوك للاستفادة من عوائدها المرتفعة، وهو الجانب الايجابي للعملاء، لكن علي المستوي الاخر، ستبذل البنوك مجهودات مضاعفة لتسويق قروضها او بمعني أخر زيادة الاقراض، للاستفادة من فوائدها التي ستحصلها من المقترضين لسداد فوائد المقرضين وتحقيق الارباح التي تغطي تكاليفها الادارية والعمومية بالاضافة الي تحقيق هامش ربح فني ، او الفرق بين اموال الفوائد الموزعة علي المودعين والمحصلة من المقترضين.
محاصرة التضخم دون ركود .. المعادلة الأصعب أمام المصارف المركزية علي مستوي العالم
علي الجانب الاخر، سيحجم عدد لا بأس به من الأفراد واصحاب المشروعات عن الاقتراض من البنوك، لارتفاع فوائدها والتي قد لايتم تعويضها من ارباح انشطتهم، فسيلجأوا- اي هؤلاء الافراد او الشركات- إلي أحد أمرين، الاول اما تقليص النشاط ومن ثم الاستغناء عن بعض العمالة، او علي اقل تقدير خفض نفاقاتها عن طريق خفض اجور العاملين، وهو ما يؤثر اقتصاديا علي هذه الشريحة.
الحل الثاني هو زيادة اسعار المنتجات لتعويض فوارق سعر الفائدة المرتفع والتكاليف الادارية وبالتأكيد تحقيق هامش ربح، لكن ايضا هذا الحل سيواجه صعوبات من نوعية ضعف الاقبال من العملاء علي شراء المنتجات، بسبب عدم توافر السيولة، وبالتالي ستتقلص المبيعات، وستلجأ المؤسسات الي الاستغناء عن بعض العاملين او خفض اجورهم، او تقليص الانتاج نفسه.
ومن هنا ستكمن حيرة البنوك، ما بين اموال المودعين المطالبة بسداد فوائد مقابل ايداعها لديهم- اي لدي البنوك- وبين ضعف الاقتراض بسبب زيادة سعر الفائدة.
إجمالًا، يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد، أي زيادة أسعار السلع والخدمات ، ويترتب على ذلك أن يصبح سعر الأموال غاليًا، فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم.
فكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة.
وكما كان متوقعا أعلن الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة على الأموال الاتحادية، في اجتماع كان مرتقبا من شرق الكرة الأرضية حتى غربها.
وكما توقعت وكالة “أسوشيتد برس” فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي أعلن رفع سعر الفائدة القياسي قصير الأجل بمقدار نصف نقطة مئوية- وهي أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ عام 2000.
ومن المرجح أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة نصف نقطة أخرى في اجتماعه المقبل يونيو الحالي، وربما يتكرر ذلك في الاجتماع الذي يليه في يوليو، حيث يتوقع الاقتصاديون استمرار ارتفاع أسعار الفائدة خلال الأشهر التالية.
كما توقعت الوكالة أيضًا أن يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه سيبدأ سريعًا في تقليص مخزونه الضخم من سندات الخزانة والرهن العقاري بدءًا من يونيو، وهي الخطوة التي سيكون لها تأثير على المزيد من إجراءات تشديد الائتمان.
لكن ، ماذا يعني رفع أسعار الفائدة؟
رفع أسعار الفائدة، هو معيار يحدد أسعار الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من البنك المركزي، وبناء عليها تضع البنوك خططها في آلية احتساب جديدة لأسعار الفائدة على القروض التي تقدمها للعملاء.
وكلما ارتفع سعر الفائدة الذي يضعه البنك المركزي، تزيد نسبة الفائدة بشكل تلقائي على القروض القائمة والجديدة، بالعملات المقومة بعملة المركزي أو المرتبطة بها.
ي حالة الدولار الأمريكي، فإن كلفة الإقراض سترتفع اعتبارا من اليوم على البنوك، وبالتالي على العملاء، وهذا مؤشر سلبي على الاقتصادات الباحثة عن تحفيز الأسواق من خلال وضع نسب فائدة منخفضة.
إذ سيدفع رفع كلفة الإقراض إلى تراجع وتيرة الإقدام على طلب التسهيلات الائتمانية في الأسواق العالمية، خصوصا بعملة الدولار والعملات المرتبطة به.
السؤال الثاني، ما هو أثر رفع الفائدة على الودائع ؟
الاجابة علي ذلك، أنه إذا كان قرار رفع سعر الفائدة له أثر سلبي على الاقتراض، فإن القرار يحمل جانبا إيجابيا بشكل نسبي على أصحاب الودائع المصرفية لدى البنوك العاملة في الأسواق، إذ إن قرار رفع أسعار الفائدة يعني أيضا أن المودع يحصل على عوائد أعلى.
أي أن المودع بعملة الدولار على سبيل المثال، سيكون أمام فرصة تعزيز ودائعه للحصول على فوائد أعلى مقابل إيداعها لدى البنوك، بسبب قرار رفع أسعار الفائدة.
وفي مثل هذه الحالات، تشهد عديد الأسواق ارتفاعا متسارعا في ودائع العملاء لدى القطاعات المصرفية، للاستفادة من نسب الفوائد الصاعدة، في المقابل تتراجع فرة السيولة داخل الأسواق.
ويعني ذلك، أن الودائع المصرفية أصبحت من أحد أشكال الاستثمار للأفراد والمؤسسات، من خلال وضعها داخل حسابات مصرفية، وتقاضي فوائد عليها بشكل شهري أو ربع سنوي أو سنوي.
وهذا هو المغزى من كبح جماح التضخم عبر زيادة أسعار الفائدة، من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية داخل الأسواق، وبالتالي يتراجع الاستهلاك والاستثمار، وتعيد الأسواق برمجة القوة الشرائية بناء على السيولة المتوفرة.
التحد الأكبر امام الاحتياطي الأمريكي ، واي بنك مركزي اخر علي مستوي العالم، هو حل المعادلة الأصعب ، أي كبح التضخم دون ركود!!!!!
ووصف اقتصاديون- في تصريحات انقلها خبري– هذه الإجراءات بأنها أكثر خطوات الفيدرالي جذرية خلال ثلاثة عقود لمكافحة التضخم، مشيرين إلى أن الإجراءات ستجعل الاقتراض من أجل شراء سيارة أو منزل أو إبرام صفقة تجارية أو شراء بطاقة ائتمان أكثر تكلفة، وهو ما سيضاعف الضغوط المالية على الأمريكيين.
ومع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له في 40 عامًا، تعرض الاحتياطي الفيدرالي لضغط غير عادي للعمل بقوة لإبطاء الإنفاق، والحد من ارتفاع الأسعار الذي يربك الأسر والشركات.
ووفقًا لـ”أسوشيتد برس” لا يعرف أحد إلى أي مدى يجب أن يصل سعر الفائدة قصير الأجل لدعم إجراءات البنك الفيدرالي لكبح جماح التضخم.
كما لا يعرف المسؤولون إلى أي مدى يمكنهم تقليل الميزانية العمومية غير المسبوقة للاحتياطي الفيدرالي البالغة 9 تريليونات دولار دون أن يخاطروا بزعزعة استقرار الأسواق المالية.