طرحت الهيئة العامة للرقابة المالية فى مصر، الاستراتيجية الشاملة للخدمات المالية غير المصرفية للفتره من عام 2022 وحتى 2026 للمناقشة فقط ، وقد تناولت الاستراتيجية الشاملة أبعادًا عديدًة ، وهو أمر طبيعى ، كونها شاملة للخدمات المالية غير المصرفية ، ومنها التأمين ، وسعى الهيئة الى مضاعفة اقساط التأمين لتصل الى حوالى 100 مليار جنيه بحلول عام 2026 .
استعرضت الإستراتيجية، أهم المبادرات التى ستقوم بها الهيئة، لتحقيق هذا الهدف ، ومنها العمل على توسيع قاعدة الشمول التأمينى Sustainable Inclusive Insurance (عن طريق خلق منتجات تأمينيه تناسب جميع الفئات بالتعاون مع الاتحاد المصرى للتأمين ) .
وفى هذا الصدد أود الإشارة الى أن ذلك ضرورة مستمرة ، أرى ان شركات التأمين المصرية لم تواكب احتياجات المجتمع المتغيرة والمتنامية بذات الدرجة .
بدءًا نشكر مجلة خبري الإقتصادية علي إتاحة المساحة لنشر وجهة نظرنا ، آملين أن تلقي قبولًا لتطوير سوق التأمين وزيادة معدلات نموه.
وفيما يلى نورد بعض الاطروحات التى تستحق الإهتمام لأنها تلبى إحتياجات المجتمع وذلك يضمن استجابة السوق لها واستمرارية هذه الاستجابة .
اولا : فى مجال تأمينات المسئوليات :
لا تحظى تأمينات المسئوليات بالدرجة المناسبة من الإهتمام سواء من مقدمى الخدمة ، وأعنى شركات التأمين ومندوبيها ، أو من متلقى الخدمة رغم حاجته الشديدة لها نتيجة قصور الوعى وفيما يلى امثله لذلك :
أ – تأمين المسئولية المدنية لأصحاب الأعمال
هذا النوع من التأمين موجود فى سوق التأمين المصرية، منذ أمد بعيد ، لكن حجمه الفعلى ليس بالدرجة المناسبة لأهميته للمجتمع ، لأنه مع تنامى القوى العاملة عمومًا ، وفي القطاع الخاص بشكل خاص ، وتعرض العاملين للمخاطر المختلفة، والتى ينتج عن تحققها إصابات بدنية ، او وفيات ، اخذا فى الإعتبار عدم كفاية الأنظمه المعمول بها لمواجهة هذه المخاطر ، بل وقصورها عن تقديم التعويض اللازم والكافى حال تحقق هذه المخاطر .
لذلك نجد ان الدول المتقدمة جعلت هذا النوع من التأمين اجباريًا لضمان التعويض المناسب ، و لا يكفى جعل هذا النوع من التأمين اجباريًا لتحقيق فعاليته ، إذ لابد من وضع المحددات المناسبة للتعويض مع تبسيط وتعجيل اجراءات التقاضى.
ب – تأمين مسئولية المنتجات
مع تعدد المنتجات ، سواء فى مجال الأجهزة المنزلية ، وما قد ينشأ عنها من عيوب الصناعة من أضرار لمستخدميها ، أو المنتجات الغذائية وما ينشأ عن سوء الإنتاج او التخزين ، من أضرار بدنية او المنتجات الدوائية وغيرها ،الامر الذى يجعل هذا التأمين إجباريًا ، ضرورة لحماية المجتمع ، مع حرمان المُنتَج صاحب الخبرة السلبية من التغطية كوسيله تقوم بها شركات التأمين لحماية المجتمع ، اذ تلاحظ مؤخرا تزايد اهتمام المنتجين للاجهزة المنزلية بزيادة مدد الضمان Product guarantee لأغراض الدعايه ولم يواكبها تزايد الاهتمام بالمسئولية الناتجة عن استخدام هذه المنتجات .
ج – تأمينات المسئوليات المهنية
تطالعنا الاخبار بين الحين والاخر باخطاء بعض الاطباء او المهندسين وغيرهم من اصحاب المهن ، وما يسفر عن هذه الاخطاء من اضرار مادية او بدنية للمتعاملين معهم ، ثم تخفُت النبره لتعاود العلو بعد حين ، وقد يتم التعامل مع هذه الحالات فى إطار القانون او خارجه حسب قدرات اطراف النزاع فى الضغط او التنصل من المسئولية .
ولرُب سائل يقول ، إن كانت هذه التأمينات موجودة منذ زمن بعيد فى السوق المصرية ، بل ان قانون التأمين الجديد اولاها عنايته فلماذا الاشارة اليها ؟ والحق انها معروفة فى نطاق محدود للغاية ولا تحظى بدراية مجتمعية، ولذلك اطالب بان تكون لها اُطر معروفة للكافة وتأخذ صفة الإلزام على نطاق واسع وبحدود مناسبة ولها آلية مرنة لتطويرها تلقائيًا ، لمواجهة اية متغيرات وبالطبع تسهيل اجراءات التقاضى بشأنها ، اذ لا يكفى ان تكون اجبارية لكى تؤتى ثمار تطبيقها ، وانما من الضرورى استكمال المنظومة بكافة متطلباتها .
ثانيا : تأمينات الائتمان والضمان
هذا المجال من التأمين له اهمية كبيرة وابعادًا عديدًة بالغة التأثير على مستوى معظم قطاعات الاقتصاد الوطنى وليس فقط على قطاع التأمين ، وحتى الآن لم يتم تفعيله فى سوق التأمين المصرية على اسس علمية ، الأمر الذى يحتاج الى مراجعة شاملة وعميقة للممارسات الفعلية ونصوص الوثائق المستخدمة و طرق استخدامها والمكتتبين وخبراتهم ، ومدى كفاية تدريبهم ، الذى ارجو أن يكون بمعرفة هيئات عالميه مثل الاتحاد الدولى لتأمين الائتمانThe International Credit Insurance & Surety Association ، الذى يقدم لاعضائه خدمات التدريب المستمر والمتطور .
من الغريب ان نجد العديد من الدول الافريقيه لديها شركات تأمين اعضاءً فى هذا الاتحاد بينما لا توجد شركة واحدة مصرية عضوًا فيه ، أو التدريب لدى شركات الإعادة العالمية والتى لها علاقات قوية مع الشركات المصرية .
وقد يرجع عدم تطور التأمين فى هذا المجال ، الى منع مزاولة التأمين فيه منذ ستينيات القرن المااضى وحتى نهاية القرن تقريبا ، ثم عودة مزاولته دون الاعداد لذلك بما يلزم بالاضافة لاعتقاد البعض بالخطأ بأن اخطار الائتمان اخطار بنكيه وليست تأمينيه .
وأرى ضرورة الاهتمام بان يكون للتأمين دورًا كبيرًا فى مجال الائتمان والضمان ، فهذا ليس نوع من التأمين ، بل انواع عديدة تهم كافة قطاعات الاقتصاد كما اسلفنا ، بل قد يكون ضروريًا ان تكون فى ظل قانون التأمين الجديد إمكانية تأسيس شركات متخصصه فى تأمينات الائتمان والضمان مثل تلك التى نراها فى كافة ارجاء المعمورة ، ويمكن ان يضاف اليها تغطية التأمينات التكميلية مثل تغطية الاصول التى تم تمويلها بقروض وتم التأمين عليها ضد اخطار التعثر . ومثال ذلك التأمين على السيارات التى تم تغطية تمويلها ضد خطر التعثر وكذلك التأمين على حياة المقترض ….
وايضا فى مجال الضمان يمكن لشركات التأمين ان تقوم بدور مكمل وقد يكون احيانا منافس للبنوك لخدمة قطاعات الاقتصاد وخاصة قطاع المقاولات والاستثمار العقارى والانشائى بصفة عامه .
ان هذه المجالات التى لم تطرقها قدم فى السوق المصرية ، لها من الاهمية المتعددة سواء فى خدمتها للإقتصاد من عدة زوايا او لقطاع التأمين بصفة خاصة اُجملها فى النقاط التالية :
• يجب ان تقدم شركات التأمين ما يحتاجه المجتمع من منتجات وليس مجرد قوالب جاهزة من منتجات قائمة سواء منفردة او مركبة وندعى باننا نقدم جديدًا .
• هناك مجالات يمكن أن يطرقها القادمين الجدد The new comers ، ويحققون ريادة وسبق لم يبلغه اعضاء السوق منذ عشرات السنوات .
• هناك قطاعات لم تمتد اليها مظلة التأمين عموما .. نحتاج ان نبحث فى الاسباب و العلاج .
• نحتاج لمراجعة سياسات واسلوب التسويق . فلا شك ان هناك تطورًا كبيرًا فى ذلك المجال لابد ان نبحث كيفية توظيف احدث سياسات التسويق
• نحتاج تدريب غير تقليدى لكوادر قطاع التأمين بدأ من وسيط التأمين الذى يمثل الواجهه فى معظم الاحوال الى مكتتب التأمين وحتى القيادات الفنيه والاداريه بالشركات فالتعلم ضروره من المهد الى اللحد . فالظاهره الواضحه الآن هى السعى للحصول على مؤهلات اكاديميه بغرض العائد المادى او الوجاهه الاجتماعيه بلا عائد مهنى .
• لقد تناولت الاسترتيجية التى اعدتها الهيئة أبعادًا ضخمة فى تعددها وشمولها تحتاج مجلدات لمناقشتها ، لكنى تناولت بُعدًا محدودًا للغايةوقدمت رؤية محدودةايضا لكنى أحسبها هامة كخطوة بداية فى طريق الالف ميل .