أجري الحوار- ماهر أبو الفضل:
إصلاحات تشريعية، وقرارات صادرة من الرقابة المالية صاحبة الولاية ، إستهدفت معالجة سلبيات السوق – بسبب التغييرات الدراماتيكية في طبيعة المخاطر وليس عوارًا في القوانين- بالإضافة الي صورة ذهنية قد لا ترقي للمستوي المآمول في القطاع – أقصد التأمين – ، رغم خصوصيتها وضروريتها، ما يطرح العديد من التساؤلات حينا، والإندهاش أحيانا.
في الوقت نفسه بدأت تتزايد المخاطر نتيجة التغيرات الجيوسياسية، ما يجعل التأمين حصانًا رابحًا في هذا السباق الذي لن ينتهي، لكن كيف نستفيد من التأمين؟ وما هو أدواته الناجزة التي يجب أن تستثمرها الشركات لإثبات حُسن النوايا؟ هل الإكتفاء بالإعلان عن المزايا التي تمنحها في تغطياتها للعملاء بتعدد أنماطهم وتنوع شرائحهم؟.
الأسئلة عديدة وعلامات الإستفهام أكبر من أن يجد لها العقل الجمعي إجابة واضحة وشافية، فلماذا يظل التأمين نشاطًا غير مرئيًا رغم خصوصيته وأهميته؟ هل المشكلة في العملاء أم في الشركات؟ أم في التشريعات؟ إذا كانت في التشريعات فالجهاز الرقابي قام ويقوم بدور لايمكن لعاقل إنكاره؟ وإذا كانت مسئولية العملاء فكيف نعالجها؟ أما إذا كانت عند الشركات فهل حان وقت تحركها؟
خالد عبد الصادق، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة المهندس للتأمين، هو واحدًا من أبرز أساطين القطاع، لخبراته الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود ونيف، والتي لم تقتصر علي نشاط التأمين بل إمتدت للإعادة، نموذجًا يُعتمد عليه للحصول علي إجابة واضحة وشافية لما فى الصدور.
والي نص الحوار:-
خبري: دعني أصارحك في البدء أن قطاع التأمين رغم أهميته وخصوصيته إلا أنه لايزال غير مرئي في الإقتصاد؟ وفي الوقت نفسه استخدمت الرقابة المالية كافة أدواتها لمعالجة سلبياته تشريعيًا، فما أسباب ذلك وكيف يمكن معالجته؟
خالد عبد الصادق: أتفق معك أن قطاع التأمين غير مرئي ، ولم يحصل علي ما يستحقه رغم أنه ظهير حمائي للإقتصاد الوطني ، بشرًا قبل حجرًا، لكن هناك أزمة متجذرة، وتحد صعب، يتمثل فى ضعف الوعي التاميني مما يتطلب ذلك دور أكبر للأعلام لتسليط مزيد من الضوء على هذا القطاع الحيوى للمساعدة فى زيادة الوعى التأميني.
ومع ذلك فقطاع التأمين بتنوع مؤسساته ودوائره الرقابية والتنظيمية لم تستسلم لذلك، وتحركت في الفترة الأخيرة بمجموعة من القرارات والإصلاحات التشريعية التي يمكن وصفها بأنها ثورة لتغيير نمط وثقافة سائدة ساهمت في ظلم صناعة مهمة كالتأمين.
خبري: أتقصد بالإصلاح التشريعي قانون التأمين الموحد؟
عبد الصادق: بالتأكيد، لكن الرقابة المالية لم تكتفي بذلك، فالقانون الجديد تضمن العديد من تأمين المسئوليات الإلزامية وهي أداة مهمة وناجزة لزيادة الوعي التأميني، فالهيئة تحملت مسئوليتها وتسعي لتوفير مظلة التأمين لكافة أطياف الشعب المصري ، هذا من ناحية.
من ناحية أخري، أصدرت الرقابة المالية قرارين مهمين، أقصد المرتبطين بإنشاء مجمعتي السيارات الإجباري والسفر، فالأولي تم إنشائها بدافع وطنى فى المقام الأول بأعتبارها مظلة تأمينية لكافة المتضررين من حوادث المركبات كذلك لمحاصرة محاولات التحايل والغش والتزوير فى هذا النشاط الحيوى الذي يحمي فئات وشرائح المجتمع المختلفة ، وأما مجمعة السفر فساهمت في توفير حماية تأمينية لكل حاملي جوازات السفر، علاوة علي أنها ساهمت في زيادة أقساط التأمين في هذا النوع- أقصد تأمين السفر- من 60 مليون جنيه إلي مليار جنيه سنويًا، وهو قرار أثبت مدي كفاءة الجهاز الرقابي وقدرته علي استشراف المستقبل .
خبري: أتفق مع ما قلته، لكن ضعف الوعي ما جعل التأمين غير مرئي هل اسبابه تقتصر علي عدم وجود تشريع متطور وهو ما عالجته الرقابة المالية؟
عبد الصادق: بالتأكيد لا، هناك أسباب أخري، منها ذِكرًا وليس حصرًا إعتقاد بعض العملاء أن تباطؤ بعض الشركات في صرف التعويضات هو محاولة للتهرب من الألتزامات، وهذا غير حقيقى لأنه يجب لسداد التعويض أن يكون متفقا وشروط عقد التأمين.
خبري: لكن بعض الشركات قد تتباطئ أحيانا وبالطبع لا ترفض صرف التعويضات؟
عبد الصادق: قد يحدث ، وهذا يمكن معالجته بالتدريب المستثمر لإدارات التعويضات، وكذا خدمة العملاء، لاسيما وأن تسويق التأمين لايمكن أن يقتصر علي ترويج المزايا المتضمنة في التغطيات، بل أن صرف التعويضات بوتيرة أسرع هو ما يزيد الثقة في القطاع وشركاته.
والبيانات الصادرة من الرقابة المالية،المتضمنة حجم التعويضات المنصرفة أو المُسددة شهريًا تؤكد صدق شركات التأمين وجديتها وجاهزيتها، لكن البطء في بعض الأحيان ربما يكون للتأكد من قانونية التعويض أو إتساقه مع شروط الوثيقة.
خسائر التآن في صرف التعويض أكبر من مكاسبه، والشركات عليها أن تتحرك لضبط المنافسة السعرية حتي لا تضطر شركات الإعادة العالمية للتدخل وتغيير شروط الإتفاقات أو علي الاقل تتدخل في مؤشر التسعيروإعادة تقييم سياسة قبول المخاطر بالشركات المباشرة ، خاصة إذا كانت هناك خسائر من النشاط التأمين، ولم أقصد هنا السوق المصرية ولكن كقاعدة عامة، فمعيد التأمين يتدخل في بعض الأحيان لتعديل سياسات قبول المخطر وفقًا للنتائج السنوية.
خبري: شركات الإعادة حينما تلجأ إلي إعادة تقييم سياسة القبول أو ما يستسيغه البعض بتسميته مؤشر تسعير الإتفاقات مع الأسواق، هل يتم ذلك وفق نتائج عام بعام أم خلال فترة زمنية محددة ولتكن متوسط نتائج الأعمال كل خمس سنوات؟
خالد عبد الصادق: لاشك أن التقييم يكون وفق فترة زمنية، ومتوسط نتائج الأعمال في تلك الفترة، فإذا كانت النتائج سلبية أو كبدت شركات الإعادة خسائر ، ستلجأ مضطرة إلي سياسة التحفظ في قبول الأخطار وزيادة الأسعار والعكس صحيح ، والفترة الزمنية لاتقل عن خمس سنوات.
قد يتغير نمط سياسات القبول لدي شركات الإعادة في 2023 وتأثيرات كورونا لم تظهر بعد
خبري: في عام 2008 تعرضت الأسواق العالمية لأزمة إقتصادية وهي الأزمة الإقتصادية العالمية ، لجأت حينها شركات الإعادة للتشدد، ثم عادت وتيرة القبول للمرونة، وجائحة كورونا تعرض لها العالم في 2019، وباتت آثاره تطفو علي السطح بدءًا من الشهور الأخيرة في 2021، فهل معني ذلك أن عام 2022 سيكون عامًا متشددًا في سياسات القبول لدي أسواق الإعادة، ام أنه سيمر بسلام وسيكون التشدد في 2023؟
عبد الصادق: أعتقد أن التأثيرات ستكون بعد 2022، والسبب في ذلك أن عام 2019 عام ظهور الجائحة تأثرت الاسواق العالمية كافة، ثم تحسنت في العام التالي جزئيًا، وتحسنت أكثر في العام اللاحق، سواء علي مستوي شركات الإعادة أو التأمين، للإرتباط الشرطي بين كلِ منهما.
معني ذلك أن التأثير السلبي كان علي المدي القصير Short Term ، لكن كان لجائحة كورونا تأثيرات إيجابية، من خلال تحوط الأفراد واللجوء للتأمين كغطاء حمائي ، ونشطت بعض التغطيات مثل التأمين الطبي وفقد الأرباح وتوقف النشاط نتيجة تفشي الأوبئة وغيرها ، وبالتالي إرتفع معدل نمو التأمين ، وهذا يعني الوصول لنقطة الثقافة التأمينية أو الوعي بأهمية التأمين.
خبري: بشكل مباشر، إذا كانت شركات التأمين إستفادت من محنة كورونا وباتت لها منحة، فهل نشاط التامين ، كصناعة قائمة علي ترويض الخطر، تنشط في أوقات الأزمة أم في حالة الرواج الإقتصادي؟
عبد الصادق: للأسف ينشط في وقت الأزمات، ليصدق ما كتبه أبو الطيب المتنبي في شطر من قصيدة له يقول فيه “مصائب قوم عند قوم فوائد”، لكن تحقق هذا القول أيضًا يرتبط بثقافة المجتمعات، بمعني هل للتأمين أولوية لدي الأفراد والمؤسسات، ام لا؟ وبالتالي فمؤشر استفادة التأمين من المصائب أو الأزمات تختلف من ثقافة لأخري ومن مجتمع لأخر ، حسب ثقافته ودرجة وعيه.
فالمجتمعات التي تسيطر عليها الثقافة الدينية والتي تؤمن إيمانا كليًا بقوله تعالي في سورة التوبة ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” قد لا تلجأ للتأمين، وهو فهم منقوص بالطبع، فالإتكال علي الله ليس معناه عدم التحوط والأخذ بالأسباب.
وعمليًا علي سبيل البرهان، لايجوز قيادة السيارة دون التأكد من سلامة المُحرك والفرامل، بدعوي التوكل علي الله، لابد من التحوط ثم التوكل علي الله وليس التواكل.
علي كلِ، لا ننكر أن هناك تغييرًا ملموسًا في هذه الثقافة، والدليل علي ذلك أن زلزال 1992 أدي إلي إدراك شركات التأمين والعملاء لأهمية تغطية الأخطار الطبيعية، وكذا في عام 2011 بعد ثورة 25 يناير وما لحقها من تخريب وتدمير للمنشأت، إستوعب العملاء وشركات التأمين لتغطية أخطار الشغب والإضطرابات ، وأصبحت جزءً مهما في وثائق التأمين.
الأزمات مُحرك رئيسي لزيادة الوعي وشركات التأمين تستثمرها بطمأنة العميل
خبري: إذًا التأمين ينشط بوتيرة أكبر في الأزمات فهذا لايلغي استفادته من حالة الرخاء الاقتصادي؟
عبد الصادق: بالتأكيد فالتأمين ينشط بصورة أكبر في الأزمات، كون الأخيرة أداة من أدوات التسويق في التأمين، اي أن قدرة إقناع العميل بأهمية التغطية التأمينية يكون أكبر في حالة وجود أزمة ،
خبري: ألا تتفق معي أن الأزمات كاداة تسويقية لايمكن الإعتماد عليها كليًة وان سداد التعويضات أداة تسويقية أفضل وناجزة بصورة أكبر؟
عبد الصادقأتفق معك تماماً
التعويضات المُسددة أفضل وسيلة لتسويق التأمين والتباطؤ في صرفها يفقد الشركة مصدقيتها
خبري: هل هناك شركات تأمين وليس كلها بالطبع ، تغفل هذا المقياس؟ أقصد التعويضات المُسددة للعملاء وسرعة الاستجابة لها كأداة تسويقية ناجعة أو ناجزة وأكثر تأثيرًا؟
عبد الصادق: إذا قلت أنه لاتوجد شركات تأمين تغفل هذا أكون منحازًا وغير موضوعي، بل بالعكس توجد بعض الشركات، لكنها استثناء لايكسر القاعدة، وهذا البعض من الشركات يظن ان التباطؤ في صرف التعويض شطارة، غير مدركون أنها خسارة للعميل علي المدي الطويل وتأثيراتها عكسية علي الصناعة برمتها، فقد تُفقد العملاء الثقة بصناعة التأمين، وهو ظُلم للصناعة بالطبع ، وتقديري أن الشركات التي تعتقد ان التباطؤ في صرف التعويض شطاره، في الحقيقة هو سوء تقدير وضعف مهارة منها، وللأسف لن تتكبد نتائجه بمفردها بل ستتحمله معها باقي شركات التأمين المُلتزمة وهي الأكثر في عددها والأكبر في حجمها.
خبري: أليس هذا تجن علي شركات التأمين أو جلدًا للذات؟ أقصد أن البطء في صرف التعويض قد يكون بسبب شكوك من شركة التأمين في نوايا العميل؟ أو بمعني أدق نوايا بعض العملاء ممن يلجأون للتحايل رغبة في التربح من التأمين؟
عبد الصادق: بالتأكيد لابد وأن يتوافر مبدا حُسن النية من طرفي عقد التأمين، سواء العميل أو الشركة، وإذا إختل ميزان الثقة ، ولم يتوافر حُسن النية بين طرفي العقد، ستكون النتائج كارثية علي كليهما ، لكن اذا توافر مبدأ حُسن النية وهو كذلك بالفعل، سيكون الإسراع بسداد التعويضات أكثر أداة تسويقية للتأمين كصناعة ذات خصوصية شديدة.
فلسفة نسب التحمل في التغطيات أن لا تتحول الشركات وحدها لمفعول به في الجملة التعويضية
خبري: ألا تتفق معي أن الإستناد الكُلي علي مبدأ حُسن النية ، والإيمان به علي علاته، أفلاطونية مُفرطة؟ أقصد ألا يوجد من الشروط في وثائق التأمين ما يؤكد هذه النوايا ويدعمها؟
عبد الصادق: بالتأكيد لايمكن التعامل مع مبدأ حُسن النية علي أنه عقيدة لايمكن التشكيك فيها، ولذا تحوطت شركات التأمين لنفسها ولمصلحة العميل نفسه، فوضعت شروطًا في الوثائق مرتبطة بنسبة التحمل، اي أن يكون العميل شريكًا لشركة التأمين، لتضمن الأخيرة تعامل العميل مع الأخطار بحرص رغبة في عدم تحققها او الحد من تأثيراتها كونه شريكا في خسائرها، بحيث لا تكون شركة التأمين هي الطرف المفعول به دائمًا في الجملة التعويضية.
ولا أخفي سرًا، أن بعض وليس أغلب العملاء يرفضون تحمل نسبة من الخطر ، ما يعطي إنطباعًا سلبيًا عنه لدي شركة التأمين.
خبري: لكن الشركات تضع خيارات أمام العميل، إما تحمل جزءًا أو نسبة من الخطر، او زيادة سعر التغطية، وهذا معناه ان إختيار العميل لزيادة السعر أو القسط ليس رغبة منه في التنصل من المسؤولية، أليس كذلك؟
عبد الصادق: لن أعارضك في ذلك، لكن قبول العميل تحمله نسبة من الخطر يُكسبه مصداقية أكبر عند شركة التأمين، وليس معني هذا أن شركة التأمين تتعامل مع العملاء الرافضون لتحمل نسبة من الخطر مقابل موافقتهم علي زيادة السعر ، بشكِ أو ريبة، لكن قد يكون هناك قلق ، هذه نقطة.
النقطة الثانية وهي المهمة، ان زيادة السعر في حالة رفض العميل تحمل نسبة من الخطر لاتوازي الخطر نفسه، بمعني أنه لو كانت نسبة الخطر التي سيتحملها العميل 1% وقيمة التأمين أو مبلغ التأمين مليار جنيه، معني ذلك أن نسبة التحمل من قيمة التغطية 10 ملايين جنيه كقيمة تأمينية، فليس منطقيًا أن ترفع شركة التأمين السعر بما يوازي تغطية هذا الرقم.
ما أقصده هنا أن إشراك العميل في تحمل جزء من الخطر يزيد الثقة بينه وبين شركة التأمين، ورفض العميل تحمل جزء من الخطر يُقلق شركة التأمين ، لاسيما وان شركات التأمين نفسها يتم التعامل معها من خلال شركات إعادة التأمين بنفس المنطق وتلك الآلية.
خفض نسب إحتفاظ وحدات التأمين يُقلق شركات الإعادة من السياسة الإكتتابية للأولي
خبري: أليست المقارنة ظالمة؟ لاسيما وان شركات التأمين تحتفظ بجزء من الأخطار المكتتبة؟
عبد الصادق: المقارنة ليست ظالمة، فشركة التأمين إذا لجأت إلي خفض نسب الإحتفاظ فهذا يُقلق شركة إعادة التأمين، القياس واحد ولكن المثال مختلف ، وذكرته للتقريب ، فتقاسم الخطر مؤشر علي الحرص المتبادل، مما يزيد من الثقة بين الطرفين.
خبري: ألا توجد شركات تأمين تقوم بالإكتتاب في نشاطي الطيران والبترول وتلجأ في بعض الأحيان إلي تصدير القسط بالكامل لمعيدي التأمين أو عدم إحتفاظها بأي نسبة منه والإكتفاء بعمولة الإعادة، لتتحول هذه الكيانات الي Front لشركة الإعادة؟
عبد الصادق: قد لا تحتفظ بنسبة من الخطر لكن إتفاقية الإعادة تتضمن شروطًا بنسب تحمل.
خبري: مشروع قانون التأمين الجديد، المتوقع الموافقة عليه في 2022، وما يتضمنه من تأمينات إلزامية في بعض التغطيات خاصة المرتبطة بالمسئوليات، سيساعد من وجهة نظرك في إمتصاص جزء من الآثار السلبية للموجة التضخمية؟
عبد الصادق: لاشك أن مشروع قانون التأمين الجديد، فور صدوره سيزيد من رئة القطاع ويرفع معدلات نموه ، ومن ثم مساهمة التأمين في الناتج القومي ، سواء نتيجة التأمينات الإجبارية التي تضمنها المشروع، وكذا التوسع في المجمعات التي أنشئت الفترة الأخيرة، بدعم كبير من الرقابة المالية، وهو دور لايمكن لعاقل أن ينكره ، لكن هناك فرصًا كبيرة وكثيرة يجب استثمارها.
خبري: ماهي؟ وكيف يتم استثمارها؟
عبد الصادق: الفرص المرتبطة بالشمول التأميني ، بمعني نقل الأعباء عن الفئات التي تستهدفها الدولة بالرعاية ، من علي الأخيرة لشركات التأمين ، بمعني دخول التأمين كغطاء حمائي لكافة الفئات المستهدفة من الدولة لضمها أو شمولها بالرعاية مثل مشروع تكافل وكرامة علي سبيل المثال، ومشروع حياة كريمة، هذه كلها فرص لابد من استثمارها، بجانب الدور الذي تلعبه الرقابة المالية كداعم حقيقي للصناعة من خلال قراراتها التي تضبط إيقاع السوق، وإصلاحاتها التشريعية التي ستُغير السوق وتقفز بمعدلات نموه.
خبري: مشروع قانون التأمين الجديد والذي بات قاب قوسين او أدني من إقراره، كيف تراه؟
عبد الصادق: هو فرصة ومتنفس قوي لصناعة التأمين، لانه سمح بالتخصصية، بمعني إنشاء كيانات متخصصة في فروع تأمينية محددة، مما سيخلق مناخًا من التنافس بين الشركات عبر إبتكار المنتجات الجديدة التي تُلبي طموحات العميل وتلائم إحتياجاته الحالية والمستقبلية كما أنه يتضمن أحكام جديدة من ضمنها مادة تتعلق بالتأمينات الأجبارية أضافة إلى أنة مشروع قانون موحد وشامل لنشاط التأمين فى مصر وتم أعداده لتقدير الدوله بالجمهورية الجديدة لدور هذا القطاع الحيوى فى حماية الثروة القومية وممتلكات المواطنيين بما يؤمن حاضر المواطن ومستقبله ويحفظ ثروته ويساهم فى تنمية المدخرات الوطنية وأستثمارها على النحو الأمثل .
خبري: إسمح لي بالإختلاف جزئيًا، فرغم وجود شركة متخصصة في التأمين الطبي بالسوق المصرية، إلا أن هذا النشاط رغم أهميته لم يشهد تنافسًا ملموسًا بين الشركات التي تزاول التأمين الطبي ضمن أنشطتها وبين شركة التأمين المتخصصة في التأمين الطبي؟
عبد الصادق: أتفق معك جزئيًا، لكن إنشاء شركات متخصصة في نشاط معين ، تستند علي تشريع مُحدد وقوي، سيجعل من وحدات التامين الطبي التي ستنشا بعد صدور هذا القانون، وكذا الشركات التي سيتم تقنين عملها، وأقصد هنا شركات الرعاية الصحية، الكلِ سيسعي حينئذ لتقديم أفضل ما عنده.
ما أقصده هنا، أن إيقاع المنافسة سيكون أكثر فنيًا وتكنيكيًا ، ولن يكون مؤشر التسعير هو عنصره الرئيسي، لاسيما وأن شركات الرعاية لاتخضع لرقابة الهيئة حتي الأن، ولكن بمجرد صدور القانون ستنضوي تحت رقابتها، وبالتالي ستكون أكثر حرصًا في تعاملاتها، بمعني أنها ستلتزم بإيجاد إتفاقات إعادة تأمين لعملياتها، وستكون تحت رقابة في حال تقصيرها نحو عملائها.
خبري: هل الأزمات محرك رئيسي للشركات لإبتكار منتجات جديدة تتلائم مع إحتياجات العملاء التي تظهر بحدوث تلك الأزمات، أم إبتكار المنتجات الجديدة يجب أن لايكون تحت ضغط الأزمات بشكل عام؟
عبد الصادق:الأزمات قد تعرض مستهدفيها لأضرار مادية وقد تشعرهم بعدم الأستقرار والتوتر والخوف من نتأئجها السلبيه وهنا يتجلى دور التأمين فى الطمأنه والمساعده على تخطى الأثار السلبية للأزمات ومما لاشك فيه أن الأزمات عنصر رئيسي ومحفز لشركات التأمين لإبتكار منتجات جديدة، وهذا ليس عيبًا علي الشركات أو سُبة في جبينها، بالعكس هو أمر محمود، ويؤكد بل ويُعضد دور شركات التأمين كغطاء حمائي ,انها تسعي لمواكبة الإحتياجات المضطردة ، والأخطار المتلاحقة التي تنشأ، بغض النظر عن الظرف الزمني أو التاريخي الذي تنشأ فيه تلك المخاطر ، وفقًا لدراسات إكتوارية ، مرتبطة بإحتمالات تحقق الخطر ، ومؤشر تعويضاته المتوقع وما إلي ذلك من المسائل الفنية .
تأمين الإئتمان لم يحظي بنصيبه من الإهتمام لخطورته والشركات لن تقامر بأموال حملة الوثائق
خبري: تأمين الائتمان أو ما يُعرف بتغطيات الـ credit insurance ، ليس معروفًا أو منتشرًا بالشكل الكافي في السوق المصرية، فهل ستكون أزمة التضخم وتآثيراته عاملًا في توسع الشركات بهذا النشاط لاسيما مع وجود توقعات بالتخوف من منح الإئتمان من قِبل وحدات الجهاز المصرفي، خشية عدم قدرة المقترض علي سداد إلتزاماته، ومن ثم ستكون الحاجة ماسة إلي توسع شركات التأمين في تغطية مخاطر عدم السداد نتيجة التعثر؟
عبد الصادق: تأمين الائتمان أو الـ credit insurance يتأثر بعناصر كثيرة ، منها التصنيف السيادي للدولة، ومستوي التصنيف نفسه، نظرًا لأنه عامل في مدي القدرة علي إبرام إتفاقات لإعادة تأمين هذا النوع من التغطيات، شديد الخصوصية.
الأمر الثاني له علاقة بدراسات البنوك الائتمانية ، وجودتها ومدي رضا البنك عن تلك الدراسات قبل رضا شركات التأمين نفسها ، وهو جزء أصيل من تغطيات التأمين في نشاط الائتمان ، يُضاف إلي ذلك الضمانات التي يطلبها البنك ، يما يضمن عدم وجود نية للتربح من التأمين.
بشكل عام، تأمين الائتمان أو الـ credit insurance موجود في دول كثيرة من العالم، ولكن في مصر لم يحظي بنصيبه من الاهتمام، ربما لكونه من ضمن الأنواع الخطِرة.
خبري: عدم إنتشاره في مصر مفهوم ومُبرر، لكن عدم إقبال شركات التأمين عليه، هل لخطورته فقط، وإن كان كذلك، فما فائدة الدراسات الإكتوارية، أم أن الأمر يرتبط بندرة المتخصصين في هذا المجال؟
عبد الصادق: لايوجد تخصص فيه ، أو ندرة المتخصصين في دراسة هذا الخطر بشكل كاف، وشركات التأمين لايمكنها المقامرة بأموال حملة الوثائق في الفروع الأخري، لأن درء المفاسد مُقدم علي جلب المنافع.
الأمر الثاني والمهم، هو لابد من التكامل بين أطراف المنظومة الثلاث، وهم البنك وشركة التأمين والعميل، فلابد من توافر الضمانات الكافية التي تقي أو تحمي العميل من التعثر الإرادي او المتعمد، لأن تأمين الإئتمان يغطي التعثر أو عدم القدرة علي سداد أقساط القرض نتيجة سبب قهري.
خبري: لكن التعمد في عدم السداد أظن انه يسمي بالخطر الجوهري أو الأساسي fundamental risk والتأمين لا يغطي الأخطار الجوهرية؟
عبد الصادق: بالفعل التأمين لا يغطي الأخطار العمدية، اي التي يثبت أن هناك تعمد في وقوع الخطر للتربح من التأمين، لاسيما وأنه في حال التأكد من وجود تعمد في التعثر فلن يستفيد العميل من التغطية، والعميل قد يتحايل أو يرتكن علي التأمين فيتنصل أو بمعني أدق لايلتزم بسداد قسط البنك.
خبري: إلغاء حالة الطوارئ، هل يشجع شركات التأمين علي التوسع في تأمين الإئتمان؟هذا إذا لم ندرة معيدي تأمين متخصصين عائقًا أمام هذا النوع؟
عبد الصادق: الغاء حالة الطوارئ سيكون له مردود جيد على الوضع الأقتصادى فالأوساط الدوليه تترقب مثل هذة القرارات لما لها تأثير مباشر على مناخ الأستثمار وبالفعل، فإلغاء حالة الطواري، مؤشر علي الاستقرار وهى رسالة قويه للعالم بأن مصر قد أنتصرت على الأرهاب وأنها دولة أمنه مستقرة فى ظل أضطرابات أقتصادية وسياسية بالمنطقة ، وهو ما سيشجع شركات الإعادة علي توفير الطاقات الاستيعابية حينا، والكوادر المتخصصة أحيانا لإعادة تأمين الأخطار الخاصة أو الدقيقة ومنها تأمين الائتمان.
ومن المهم الإشارة إلي أن إلغاء حالة الطواري، ليس فقط معناه الاستقرار، بل الأهم أن هناك إستعداد كامل للحفاظ علي هذا الإستقرار، والقدرة علي تحقيق ذلك دون أية قوانين استثنائية.
خبري: ماذا إستفدت من عملك في القطاع العام ثم بعد ذلك قطاع الأعمال العام؟
عبد الصادق: إستفدت الإنتماء للعمل في شركة وطنية، بمعني أنني كنت أشعر أن اي جهد في الشركة سيصب بالتبعية في مصلحة الإقتصاد الوطني، كون الدولة مالكة لهذا الكيان ، وبالتالي فالجهد المبذول كان الغرض منه نماء وتنمية الدولة ، ولا أنكر أن المؤسسة التي كنت أتشرف بالإنضمام في فريق عملها كانت عاملًا في نمو هذا الوعي والولاء.
إستفدت ايضا الإلتزام، ففلسفة إنشاء شركات القطاع العام في البداية كان الإرتقاء بالدولة المصرية ، ولايزال كذلك، فالقطاع العام لم يكن العمل فيه مجرد وظيفة بل مسئولية بما ينضوي تحتها من حرص وولاء وإلتزام والواجب في العمل والضمير اليقظ.
خبري: ماذا جال بخاطرك حينما عُرض عليك تولي شركة المهندس للتأمين، وهي من هي، كأولي شركات التأمين المصرية التي تعمل برأسمال استثماري، إضافة الي كونها باتت ركنا أصيلًا من أركان صناعة التأمين، والأهم أنها قطاع خاص، وأغلب سنوات خبرتك إكتسبتها من القطاع العام؟
عبد الصادق: فى البداية لابد وأن أشير إلي أنني أديت واجبي في القطاع العام علي أكمل وجه، أو هكذا أقتنع، فقد أمضيت فيه ما يقرب من ثلاثة عقود ، منذ عام 1992 حتي منتصف 2021، ساهمت فيها قدر إستطاعتي وتقلدت فيها منصبًا قياديًا ، والشركة زاخرة بالكفاءات، والتغيير مطلوب في كل وقت، فهو سُنة الحياة، ومن ثم كان لديً الرغبة في دخول تحد جديد، في مكان أخر، وهو أمر مشروع.
خبري: ألا تري أن تغير الفكر او طبيعة الإدارة في القطاع العام والخاص مختلفان ومن ثم فهو تحد محفوف بالمخاطر لاسيما بعد النجاح الذي حققته في شركات تأمين قطاع الأعمال العام؟
عبد الصادق: لم يخالجني أي شعور بأنه تحد، لأسباب من بينها أنني عملت بالفعل في القطاع الخاص خارج مصر، بل علي العكس شعرت أنها فرصة لإثبات الوجود والتواجد، السبب الثاني، أنني قمت بدراسة ملف المهندس للتأمين قبل قبولي المنصب، دققت في كافة تفاصيلها ، كاشفًا عن نقاط قوتها وهي الأكثر ، وبعض النقاط التي يمكن معالجتها وهي الأقل.