تحليل يكتبه – ماهر أبو الفضل:
صحيح ان شركات تأمينات الحياة وتكوين الأموال تتعامل مع الاخطار التي تواجه البشر، وهي معركة مخيفة لاسيما إذا كانت التقديرات الاكتوارية المرتبطة بجداول الحياة ليست دقيقة، لكن مع هذا يمكن التعامل مع هذه الاخطاء، لان نتائج هذه الاخطاء- إن وجدت بالطبع ودون عمد بالضرورة- يمكن اكتشافها في نتائج الاعمال السنوية، ومن ثم تصحيحها في العام التالي، لكن هل يمكن لشركات الحياة القائمة ان تتعامل مع معركة زيادة قواعدها الرأسمالية بنفس آلية التعامل مع الأخطار التي تروضها لصالح البشر؟
نظن- وليس كل الظن إثم- أن المعركة أشد شراسًة ، لأسباب عديدة، منها ذِكرًا وليس حصرًا، أن عدد ليس بقليل من الشركات تحتاج لعشرات من ملايين الجنيهات، للتوافق مع الحد الأدني الذي قاربت الموافقة عليه برلمانيا وبشكل نهائي قاب قوسين أو ادني، والسبب الثاني ان المهلة نفسها هي التي تجعل من الفجوة بين القاعدة الرأسمالية المتاحة وبين الحد الأدني الجديد ضغطًا يضاف إلي ضغطِ.
ووفقًا للتحليل الذي أجراه مركز “خبري” للدراسات والأبحاث، هناك فرص متاحة لكيانات قائمة حتي وان احتاجت رؤوس اموالها لملايين الجنيهات للتوافق مع مشروع القانون والذي قارب ان يكون تشريعًا واقعًا بحكم الضرورة، بسبب وجود كيانات استثمارية ضخمة تدعمها ولايمكن لهذه الكيانات- اقصد مجموعة المؤسسين والمساهمين- أن تترك أذرعها عُرضة لرياح القواعد الرأسمالية ، مثل مجموعة كونتكت القابضة للاستثمارات المالية، والتي لا يمثل لها مبلغ الـ 150 مليون جنيه المطلوبة لذراعها في الحياة “ثروة لتأمينات الحياة” اي ضغط، مقارنة بأمرين، الاول استثمارات المجموعة والتي تتجاوز اربعة مليارات جنيه، والثاني ان ثروة حياة نجحت في خلال سنوات تواجدها الاولي ان تكون رقمًا في معادلة النمو.
المصرية الاماراتية صاحبة التحدي الأكبر وكونتكت القابضة لن تتخل عن ذراعها ورصيد أليانز ومتلايف يسمح لهما بالتعامل المرن
كيانات أخري مثل “متلايف” و”أليانز حياة” والتي تمثل أذرعًا لكيانات عالمية، لا يمثل لها اي متطلبات مرتبطة بالقواعد الرأسمالية ضغطًا علي تواجدها، لاسباب عديدة ربما منها أن لديها رصيد ضخم من الارباح المحقق في السنوات السابقة، والثاني ان نتائج اعمالها يمكنها من التوافق مع اية متطلبات تشريعية بلا أي مقاومة او صعوبة.
مهلًا، الصورة ليست متفاءلة علي مستوي السوق، فرغم وجود فرص داعمة لبعض الكيانات ألا ان هناك صعوبات عديدة تواجه كيانات اخري، ومنها ذكرًا وليس حصرًا بالطبع، شركة مثل المصرية الاماراتية والتي تحتاج إلي 190 مليون جنيه بما يمثل 316.7% من رأسمالها الحالي؟ والثاني يمكن تضمينه في تساؤل وهو هل يمكن لمساهميها ضخ رؤوس اموال جديدة في هذا الكيان؟ بمعني هل فرص نموه في السوق تسمح لها بضخ المزيد من الاموال والتي تمثل حقن للنمو ، لاسيما وان الاموال المطلوبة ليست لتعويض خسائر بل للتوافق مع تشريع ليس لهم إرادة في تفعيله او تجميده، لانه اختصاص رقابي وعلي اللاعبين في السوق ان يتوافقوا معه.
الازمة الاقتصادية اللبنانية هل ستنعكس علي ممثليها من وحدات التأمين المصرية؟
في سياق متصل، ليس خافِ علي أحد أن الدولة اللبنانية باتت علي شفا حفرة من إعلان إفلاسها- وهو مصير لا نتمناه – بسبب العجز المتراكم في الدين العام، وهو ما يطرح تساؤل حول مساهمي شركتي أروب للتأمين وأروب للحياة، ومدي قدرتهم علي دعم كياناتهم في سوق التأمين المصرية، لاسيما وانهما استطاعا ان يجعل من وجودهما في السوق رقمًا علي يمين المعادلة، لكن هل ينطبق عليهم المثل القائل ” ما لايُدرك كله لا يُترك كله”؟
عمومًا الأيام القادمة باتت حُبلي بالتوقعات المتفاءل منها قبل المتشائم، بعضها يشطح نحو سيناريوهات لا نقبلها ولا نتمناها مثل الخروج من السوق نهائيًا، والبعض الأخر له علاقة بإندماجات مؤكدة لبناء كيانات قادرة علي الاستمرار بقدر من الإطمئنان يضمن لها استدامة جني ثمار النمو، وسيناريو ثالث له علاقة باستحواذات سواء بين كيانات حالية علي أخري في السوق، او كيانات خارجية ستدخل لاغتنام الفرصة لاسيما وان سوق التأمين المصرية تعد واحدة من الأسواق الشابة والتي لم تصل لمرحلة التشبع من النمو، لانها لازالت بِكرًا ولا يزال قطاع التأمين فيها قطاعًا مُغر.