تحليل يكتبه – ماهر أبو الفضل:
رفعت الهيئة العامة للرقابة المالية الحد الأدني لرؤوس أموال شركات التامين الجديدة، سواء في نشاط الحياة او الممتلكات من 60 إلي 150 مليون جنيه، مع إضافة 50 مليون جنيه أخري في حال رغبة أي من شركات الممتلكات ، الإكتتاب في نشاط البترول، ومثلها في فرع الطيران ، أو هكذا نصت مسودة مشروع قانون التأمين الموحد، حتي تم عرضه علي البرلمان.
مجلس الشيوخ- أحد غرفتي البرلمان المصري- طلب من الرقابة المالية- أثناء مناقشة مشروع القانون- زيادة الحد الأدني لرؤوس الأموال، من 150 إلي 250 مليون جنيه، علي إعتبار ان شركات التامين لاتقل كفاءة وخصوصية من البنوك، وهو ما لم تعترض عليه الرقابة المالية ممثلة في رئيسها الدكتور محمد عمران، بإعتباره ممثلًا للحكومة أمام البرلمان ، بل زاد الشِعر بيتًا، وفقًا لما تم إعلانه، بأن رقم الـ 150 مليون جنيه، الذي تضمنه مشروع القانون، تم تحديده منذ ثلاث سنوات.
وحدات الممتلكات تحتاج 2.5 مليار جنيه مقابل 1.5 مليار لـ 15 لاعب بنشاط الحياة
علي كلِ، إذا وافق مجلس النواب علي مشروع القانون- بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه- يعني هذا أن الشركات القائمة لن تفلت من التوافق مع القانون الجديد- والذي خاطب الشركات الجديدة والقائمة بطبيعة الحال- ما يعني ان اي شركة تأمين حياة يقل راسمالها عن 250 مليون جنيه، عليها زيادة رأس المال ليتوافق مع القانون الجديد، في مهلة تصل الي عام وبحد اقصي ثلاث سنوات ويجوز تجديدها بقرار من الرقابة المالية ، بناءً علي مبررات موضوعية تقبلها جهة الرقابة.
إذا تم إقرار القانون وفقًا لبنوده الحالية، يعني ذلك ان هناك 36 شركة تأمين، منها 21 شركة تعمل في نشاط تأمين الممتلكات، و15 شركة تعمل في نشاط الحياة، تحتاج لما يقل عن 4 مليارات جنيه اضافية في قواعدها الراسمالية للتوافق مع التشريع.
ووفقًا للحصر الذي أجرته ” مجلة خبري” تصل قيمة الزيادة المطلوبة في 15 شركة تأمين حياة حوالي 1.5 مليار جنيه، لاسيما وان رؤوس أموال شركات الحياة باستثناء مصر لتأمينات الحياة اقل من 250 مليون جنيه ، ليصل نصيبها من إجمالي الأموال المطلوبة لزيادة قواعدها الرأسمالية إلي 38.3% تقريبًا.
وفي المقابل تصل قيمة الزيادة المطلوبة في 21 شركة تأمين ممتلكات حوالي 2.5 مليار جنيه، لاسيما وان رؤوس أموال شركات الممتلكات باستثناء شركتي مصر للتأمين وأكسا للتأمين اقل من 250 مليون جنيه أيضا، واذا تجاوزت اي من الشركات هذا الرقم فانها مطالبة ايضا بزيادة راسمالها المدفوع لانها تمارس الإكتتاب في نشاط البترول أو الطيران أو كليهما، ما يعني انها في حاجة لزيادة راسمالها المدفوع إلي 300 او 350 مليون جنيه، حسب ممارستها لتأمين البترول او الطيران او كليهما ، ليصل نصيبها – اي شركات الممتلكات كلها- من إجمالي الأموال المطلوبة لزيادة قواعدها الرأسمالية إلي 61.7% تقريبًا.
في سياق متصل، بلغت قيمة الزيادات المطلوبة لشركات التأمين التكافلية – سواء في الحياة او الممتلكات- البالغ عددها 8 شركات- باستثناء طوكيو مارين فاميلي والتي تحول اسمها الي كاف واسلوب عملها من التكافلي الي التجاري- 775.7 مليون جنيه بما نسبته 19.4%، مقابل 3216.1 مليون جنيه تقريبًا لشركات التامين التجارية، بما نسبته 8.6%.
السؤال الجوهري، هل هناك صعوبة في توفيق الشركات القائمة اوضاعها مع مشروع القانون في حالة الموافقة عليه رسميًا؟ وما السيناريوهات المتاحة في حالة عدم قدرة لشركات علي توفيق اوضاعها؟
هل سيناريو الاندماج وارد في حال عدم قدرة اي شركة قائمة للحيلولة دون التوافق مع القانون الجديد؟ أم أن سيناريو الاستحواذ هو الأقرب؟ وذلك بالضرورة قبل استنفاذ البدائل الأخري، مثل مدي وجود أحتياطيات أو أرباح محتجزة يمكن الإعتماد عليها لزيادة القواعد الرأسمالية؟ وفي حال عدم وجودها، هل هناك رغبة من المساهمين في ضخ أموال جديدة لزيادة رأس المال؟
السيناريوهات المطروحة في صورة تساؤلات ليس لها إجابة واضحة لدينا حتي الأن، لكن ما يمكننا الولوج فيه حاليًا هو عرض رؤوس أموال شركات التأمين الحالية، وفقًا للبيانات المتاحة من الهيئة العامة للرقابة المالية، وقياس حجم الزيادات المطلوبة في كل منها، والتوقعات المرتبطة بكل شركة، علي الاقل علي المستوي النظري.
ووجب التنويه ، أن كافة البيانات التي تم إخضاع شركات التأمين سواء في الحياة او الممتلكات للتحليل قياسًا عليها، أستمدت من إحصاءات الهيئة العامة للرقابة المالية في 30 يونيو 2021، لاسيما وان بعض الشركات حصلت علي موافقات من مجالس اداراتها بزيادة رؤوس اموالها، إلا أنها إما لم تحصل علي موافقة جمعياتها العمومية او لم تحصل علي موافقة الرقابة المالية، او علي اقل تقدير لم تصدر اية احصاءات شاملة عن السوق برؤوس الاموال المدفوعة حتي تاريخ نشر التحليلات.
هل تلجأ بعض شركات الممتلكات للمنافسة السعرية طمعًا في الأرباح الكلية لدعم قواعدها الرأسمالية؟
شركات محدودة من العاملة في نشاط تأمين الممتلكات والمسئوليات يمكنها الخروج من مآزق زيادة القواعد الرأسمالية، حيث لاتحتاج سوي لبضع ملايين من الجنيهات لتفي بالحد الأدني لرؤوس الأموال التي تم إعتمادها بشكل نهائي – علي الاقل من إحدي غرف البرلمان-.
وتضم هذا القائمة “جي اي جي” و”وثاق” و”بيت التأمين المصري السعودي” ، بالإضافة الي “أورينت” و”رويال” و”المهندس” ، و”المصرية للتأمين التكافلي”.
شركة مثل جي أي جي لا تحتاح سوي لـ 11.4 مليون جنيه تقريبًا، يمكنها ضخهم من الأرباح المحققة في العام المالي الحالين لاسيما وان سوابق نتائجها تضمن لها تحقيق ما يفوق هذه الارقام، وأما وثاق والبيت السعودي، يحتاجان فقط 20 مليون جنيه لكلًا منهما، ولا توجد صعوبة في تدبيرها، سواء اعتمادًا علي الارباح الكلية أو حتي من الاحتياطي إن وجد.
أما أورينت للتأمين، فرغم انها استوفت مسبقًا الحد الأدني، البالغ 250 مليون جنيه، إلا انه نظرًا لإكتتابها في فرع تأمين البترول فستحتاج إلي 50 مليون جنيه إضافية، ومن الصعوبة ان تتخلي الشركة عن الاكتتاب في هذا الفرع خاصة وانها حققت منه نتائج مُرضية علي مستوي الاقساط المباشرة أو علي مستوي الفوائض، ومن ثم فلن تجد مفر من زيادة رأسمالها، معتمدة علي أرباحها او حتي علي المجموعة الأم – اقصد مجموعة أورينت الإماراتية المملوكة لمجموعة الفطيم- لاسيما وان رقم الـ 50 مليون لايمثل وزن نسبي لاستثمارات المجموعة القابضة في الامارات، ناهيك عن انه سيتضاءل كرقم في حال ترجمته بسعر الصرف للدرهم الاماراتي، والاهم من ذلك ان عمر الفطيم، الرئيس التنفيذي لاورينت اشاد بنتائج اورينت للتأمين التكافلي مصر، بل أن هذه النتائج شجعت المجموعة علي اجراء مناقشات مع عددًا من البنوك المصرية لفتح قنوات اتصال معها لتكون منافض توزيع لمنتجات ذراعها الجديدة التي تسعي لتأسيسها في مصر لمزاولة نشاط تأمينات الحياة.
وبالنسبة للمهندس للتأمين، فلا تحتاج إلا لبضع عشرات من الملايين لا تتجاوز 62.5 مليون جنيه، ويمكنها الاعتماد علي نتائجها او مساهميها لتدبير هذا الرقم، وكذا الحال بالنسبة للمصرية للتأمين التكافلي ورويال.
السؤال، كيف تتعامل باقي شركات الممتلكات الاخري، باستثناء الدلتا للتأمين، من التعامل مع هذا التحدي؟ واستثناء الدلتا ليس من قبيل الترف او التغاضي عن وضعها تحت مجهر التقييم، ولكن لانها اعلنت عن زيادة راسمالها لما يصل الي 325 مليون جنيه، اي انها ستفي بمتطلبات القواعد الراسمالية وتفوقه حتي وان طلبت الاكتتاب في فرع كالبترول او الطيران وما يقتضياه من ضخ زيادة جديدة وفقًا للضوابط المحددة في هذا الشأن.
عمومًا هناك سيناريو بل مخاوف من أن تلجأ باقي الشركات – التي تحتاج لكل منها 100 مليون جنيه او 150 مليونًا وفي بعض الاحيان يحتاج بعضها 200 مليون جنيه- إلي المنافسة السعرية، او ما يسميه أهل الاختصاص بحرق اسعار التغطيات، طمعًا في جني أكبر كمية من الأموال لاستثمارها والاستفادة من عوائدها لتحقيق ربحية كلية، بغض النظر عن فوائض الاكتتاب.
هذا السيناريو المخيف، ليس بالأمر الهين، لكن هناك صعوبات كثيرة ستواجهه الشركات التي قد تلجأ او حتي تفكر فيه، أول هذه الصعوبات هو ان الهيئة العامة للرقابة المالية، رغم انها لا تراقب علي مؤشر التسعير، إلا أنها لن تسمح بأي إنحراف في هذا المؤشر بما يخل بقواعد الاكتتاب الفني ومن ثم يؤثر علي نتائج الفرع التأميني ويصيبه بالخسارة مما يضير حملة الوثائق والتي تمثل الرقابة المالية حام لهم وعنهم.
الصعوبات لا تتوقف علي جهة الرقابة – وهي صعوبة لايمكن تجاوزها بأية حال- ولكن هناك صعوبات اخري مثل صعوبة إعادة تأمين المحافظ التأمينية او العمليات التي قد تلجأ فيها شركة التأمين لسياسة حرق الاسعار، لان معيدي التامين لايتذوق حلاوة الارباح الكلية – اقصد فائض/عجز النشاط مضافًا إليه عوائد الاستثمار- بل يتشارك مع شركة التأمين في فائض الاكتتاب اي الارباح الفنية، ومن ثم فأي إنحراف عن مؤشر التسعير المنضبط تعني تجره شركة الاعادة مرارة الخسائر الفنية.
وحتي إذا لجأت شركات التأمين – التي قد تري في المنافسة السعرية منفذًا للعبور من نفق زيادة رؤوس الاموال – إلي تغيير نمط الإعادة من الاتفاقي الي الاختياري او من الحصص الي تجاوز الخسائر، او بمعني عام ان تعيد هيكلة خريطة واجندة اعادتها، فالامر ليس بالسهولة كما يتصور البعض لاسيما مع تشدد شركات الاعادة بشكل عام نتيجة المخاطر الجيوسياسية التي تحيق بالعالم من أقصاه لأدناه.
الاسئلة كثيرة والاجابات عنها غير متوفرة، ليس بسبب شُح المعلومة ولكن لاختلاف سياسات الشركات، واجندات عملها، وسيناريوهات كل منها للتعامل مع هذا التحدي.
الأمر الوحيد والحقيقة التي لايمكن الخلاف او الاختلاف عليها، ان زيادة رؤوس اموال شركات التأمين سيقوي مناعتها ويحميها من اية اعراض قد تواجهها علي المستويين الفني والاستثماري في قادم الايام.
معركة شركات الحياة مع رؤوس الأموال أشد شراسة من ترويض أخطار البشر
صحيح ان شركات تأمينات الحياة وتكوين الأموال تتعامل مع الاخطار التي تواجه البشر، وهي معركة مخيفة لاسيما إذا كانت التقديرات الاكتوارية المرتبطة بجداول الحياة ليست دقيقة، لكن مع هذا يمكن التعامل مع هذه الاخطاء، لان نتائج هذه الاخطاء- إن وجدت بالطبع ودون عمد بالضرورة- يمكن اكتشافها في نتائج الاعمال السنوية، ومن ثم تصحيحها في العام التالي، لكن هل يمكن لشركات الحياة القائمة ان تتعامل مع معركة زيادة قواعدها الرأسمالية بنفس آلية التعامل مع الأخطار التي تروضها لصالح البشر؟
نظن- وليس كل الظن إثم- أن المعركة أشد شراسًة ، لأسباب عديدة، منها ذِكرًا وليس حصرًا، أن عدد ليس بقليل من الشركات تحتاج لعشرات من ملايين الجنيهات، للتوافق مع الحد الأدني الذي قاربت الموافقة عليه برلمانيا وبشكل نهائي قاب قوسين أو ادني، والسبب الثاني ان المهلة نفسها هي التي تجعل من الفجوة بين القاعدة الرأسمالية المتاحة وبين الحد الأدني الجديد ضغطًا يضاف إلي ضغطِ.
ووفقًا للتحليل الذي أجراه مركز “خبري” للدراسات والأبحاث، هناك فرص متاحة لكيانات قائمة حتي وان احتاجت رؤوس اموالها لملايين الجنيهات للتوافق مع مشروع القانون والذي قارب ان يكون تشريعًا واقعًا بحكم الضرورة، بسبب وجود كيانات استثمارية ضخمة تدعمها ولايمكن لهذه الكيانات- اقصد مجموعة المؤسسين والمساهمين- أن تترك أذرعها عُرضة لرياح القواعد الرأسمالية ، مثل مجموعة كونتكت القابضة للاستثمارات المالية، والتي لا يمثل لها مبلغ الـ 150 مليون جنيه المطلوبة لذراعها في الحياة “ثروة لتأمينات الحياة” اي ضغط، مقارنة بأمرين، الاول استثمارات المجموعة والتي تتجاوز اربعة مليارات جنيه، والثاني ان ثروة حياة نجحت في خلال سنوات تواجدها الاولي ان تكون رقمًا في معادلة النمو.
كيانات أخري مثل “متلايف” و”أليانز حياة” والتي تمثل أذرعًا لكيانات عالمية، لا يمثل لها اي متطلبات مرتبطة بالقواعد الرأسمالية ضغطًا علي تواجدها، لاسباب عديدة ربما منها أن لديها رصيد ضخم من الارباح المحقق في السنوات السابقة، والثاني ان نتائج اعمالها يمكنها من التوافق مع اية متطلبات تشريعية بلا أي مقاومة او صعوبة.
المصرية الاماراتية صاحبة التحدي الأكبر وكونتكت القابضة لن تتخل عن ذراعها ورصيد أليانز ومتلايف يسمح لهما بالتعامل المرن
مهلًا، الصورة ليست متفاءلة علي مستوي السوق، فرغم وجود فرص داعمة لبعض الكيانات ألا ان هناك صعوبات عديدة تواجه كيانات اخري، ومنها ذكرًا وليس حصرًا بالطبع، شركة مثل المصرية الاماراتية والتي تحتاج إلي 190 مليون جنيه بما يمثل 316.7% من رأسمالها الحالي؟ والثاني يمكن تضمينه في تساؤل وهو هل يمكن لمساهميها ضخ رؤوس اموال جديدة في هذا الكيان؟ بمعني هل فرص نموه في السوق تسمح لها بضخ المزيد من الاموال والتي تمثل حقن للنمو ، لاسيما وان الاموال المطلوبة ليست لتعويض خسائر بل للتوافق مع تشريع ليس لهم إرادة في تفعيله او تجميده، لانه اختصاص رقابي وعلي اللاعبين في السوق ان يتوافقوا معه.
الازمة الاقتصادية اللبنانية هل ستنعكس علي ممثليها من وحدات التأمين المصرية؟
في سياق متصل، ليس خافِ علي أحد أن الدولة اللبنانية باتت علي شفا حفرة من إعلان إفلاسها- وهو مصير لا نتمناه – بسبب العجز المتراكم في الدين العام، وهو ما يطرح تساؤل حول مساهمي شركتي أروب للتأمين وأروب للحياة، ومدي قدرتهم علي دعم كياناتهم في سوق التأمين المصرية، لاسيما وانهما استطاعا ان يجعل من وجودهما في السوق رقمًا علي يمين المعادلة، لكن هل ينطبق عليهم المثل القائل ” ما لايُدرك كله لا يُترك كله”؟
عمومًا الأيام القادمة باتت حُبلي بالتوقعات المتفاءل منها قبل المتشائم، بعضها يشطح نحو سيناريوهات لا نقبلها ولا نتمناها مثل الخروج من السوق نهائيًا، والبعض الأخر له علاقة بإندماجات مؤكدة لبناء كيانات قادرة علي الاستمرار بقدر من الإطمئنان يضمن لها استدامة جني ثمار النمو، وسيناريو ثالث له علاقة باستحواذات سواء بين كيانات حالية علي أخري في السوق، او كيانات خارجية ستدخل لاغتنام الفرصة لاسيما وان سوق التأمين المصرية تعد واحدة من الأسواق الشابة والتي لم تصل لمرحلة التشبع من النمو، لانها لازالت بِكرًا ولا يزال قطاع التأمين فيها قطاعًا مُغر.